لماذا حينما ذكرنا الماء سابقاً كان بهذه الروعة؟ ولماذا يبدو وكأنه غير كل السوائل الأخرى؟ حتماً هذا لأمر مهم وليس اعتباطياً، إنّ جزيء الماء المُدهش يعمل كيميائياً بطريقة جميلة وعجيبة متكاملة مع تصميم الخلية.
من المعروف أنّ الماء من المواد التي لا حمضية لها، هو متعادل، فلا هو قلوي ولا حامضي، ولذلك الماء النقي على مقياس الحمض الهيدروجيني pH هو 7، في درجة حرارة 25 درجة مئوية، ولكن هذا على المستوى المنظور، أما على المستوى الجزيئي فالأمر يختلف كلياً، فالماء القطبي على المستوى الجزيئي ينقسم إلى قسمين، قسم حمضي، وقسم قلوي، كيف يحدث هذا إليك هذا التفصيل:
صورة 3 شكل الماء على حرف V هو ما يعطيه جزء كبير من خصائصه الفيزيائية النادرة.
من الخصائص المميزة للماء: شكله، ولعلك تجد كلمة V-Shape منتشرة في هذا المجال، ووجود جزيء الماء بهذا الشكل يمنحه المزايا الكيميائية الرائعة به، فالماء المكون من عنصري الهيدروجين H والأكسجين O بنسبة 2 إلى واحد يُوجد في حالة ليست كما هو مكتوب H2O بل في حالة HOH،منقسم في شكلين هما OH و H3O، وهذا ما يمنحه شقين، شق حمضي وشق قلوي، ويحمل بذور تعادله بنفسه، وهو ما يُسمى بـ Self-ionization أي التأيين الداخلي كما في (شكل 12 التأيين الذاتي للماء) في عملية انتقال لحظية للبروتون Autoprotolysis، وتحدث عملية انقسام الماء إلى هذين المركبين الحمضي والقلوي في أجزاء صغيرة جداً جداً من الثانية في كل لحظة حسب معادلة هندرسون هاسلباخ، تتفكك جزيئاته وتعود وتتجمع فيكون على المستوى الذري ناقل جيد للتفاعلات، وعلى المستوى المرئي مادة متعادلة لا قلوية ولا حمضية يكاد تعادلها يخطفك.
معادلة1 تحلل الماء الذاتي
H2O + H2O ⇌ H3O+ + OH−
H3O+ + OH− → 2H2O
وتسمح قطبية الماء بأن يكون مذيب عالمي يذوب في حبه كل من المركبات الهيدروكسيلية والأمينات ومركبات الثيول والإسترات والكيتونات، وعدد كبير من المركبات العضوية الأخرى المُختلفة، وهذا لأن الماء على المستوى الذري قلوي وحمضي، ومرة أخرى عملية تفككه وإعادة تكوين جزيء الماء تحدث في أجزاء بسيطة من الثانية، ليعود إلى وضعه المتعادل قبل أن يبدو عليه ذلك! هذا ما يجعله وسطاً مناسباً كمحلول منظم Buffer Solution أي يمنع انزلاق الوسط بسرعة من قلوي إلى حامضي أو العكس، عظمة على عظمة يا ماء، صحيح أنّ هذه الميزة موجودة في مواد أخرى، لكنها مع المزايا الأخرى للماء تجعله فريداً حقاً.
هذه الميزة الفريدة للماء تسمح له بتكوين روابط هيدروجينية بسهولة، وهذا ما يجعل سعته الحرارية مرتفعة، فتكسير الروابط الهيدروجينية H-Bonds يتطلب حرارة عالية نسبياً وهو ما يحفظ الجسم كما ذكرنا من التجمد أو الغليان، وتلعب هذه الروابط الهيدروجينية دوراً أساسياً في تكوين الأحماض الأمينية والبروتينات في جسم الإنسان كما في (شكل 13 مجسم البروتين)، لا أتكلم عن التفاعلات الكيميائية في السوائل، بل أتكلم عن شكل البروتين ثلاثي الأبعاد في الفراغ.
شكل البروتين في الفضاء مع مكوناته الكيميائية، وهو أمر أساسي لكي يقوم البروتين بدوره الوظيفي، ويعتمد هذا الشكل بدرجة كبيرة على الروابط المُختلفة على رأسها الروابط الهيدروجينية.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.