يتكون الجهاز الوعائي Vascular system من شبكة متنوعة من الأوعية التي تنقل الدم من وإلى القلب عبر دورتين، الدورة الدموية الصغرى (1) وتسمى الدورة الرئوية Pulmonary circulation، إذ يتم نقل الدم من القلب الأيمن إلى الرئتين لتبادلِ الغازات، ويتم طرد ثاني أكسيد الكربون وامتصاص الأكسجين ثم يُعاد إلى القلب الأيسر ليتم نقله في الدورة الدموية الكبرى Systemic circulation (2) من القلب الأيسر إلى الأنسجة المُختلفة ليقوم بوظائفه العديدة، ثم يعود مرة أخرى إلى القلبِ الأيمن لتتكرر هذه الدورة إلى أن يتوقف القلب.
والقلب مخصص ومبني لهذا السيناريو المُعقَّد فهُنَاك حجرات مخصصة لاستلام الدم وحجرات أخرى لضخه، وهُنَاك الصمامات والإشارات الكهربائية المتتابعة، وكما نلاحظ في صورة القلب أنّ جدار الغرفة السفلى على اليمين يبدو سميكاً، وهذا لأنه يقوم بضخ الدم إلى جميع أعضاء الجسم لذا يجب أن تكون هذه العضلة أقوى أجزائه، وكذلك الشريان الذي يستقبل هذا الضخ الشديد يجب أن يتحمل، وأي خلل في قوة العضلة يصيب الإنسان بأمراض كثيرة، يحاول الجسم التدخل لإصلاحه لكن يبقى التدهور سيد الموقف وندخل في ضعف العضلة حتى الموت.
رسم توضيحي 44 مسار الدورة الدموية
يحتوي القلب على صمامات ذكية تقوم بإدخال الدم في حجرة ومن ثم إكمال إرساله لحجرة أخرى مع عدم السماح بإرجاع جزء منه للخلف، وإذا حدث الإرجاع تفسد كل الدورة وتسبب أمراض تؤدي إلى الوفاة، كذلك القلب به آلية للتغذية ولو حدث انسداد في أي من الشرايين المغذية له نجد أن هُنَاك آليات لسد الفجوة، والأمر نفسه لو حدث مُشكِلة في كهربائية القلب يحاول القلب استمرار عملية النبض عبر 3 مواضع كهربائية تطرقنا لها سابقاً.
رسم توضيحي 45 الدورة الدموية الكبرى.
يعتمد القلب في عمله على الكهرباء والأملاح، وأي خلل يصيب سوائل وأملاح الجسم يحاول القلب أن يتجاوزها عبر عدة طرق وآليات معروف بعضها، وهذه الطرق والآليات هي ما أدت إلى اختراع أدوية تساعد في أمراض القلب مثل أدوية ACE Inhibitors أو ARBs أو Ca+ Channel Blockers وغيرها، والقلب متصل بالكلى لتنقية الدم من المخرجات، وأي خلل في الكلى يعني وداعاً أيها القلب الحبيب.
لو قمنا بوصل جميع الأوعية الدموية واللمفاوية في جسم الإنسان البالغ لوصلت إلى 150,000 كيلومتر، لاحظ كيلومتر، تشكل الشعيرات الدموية نحو 90% من الطول الإجمالي للأوعية، ولهذه الأوعية أنواع متنوعة ومُختلفة لتناسب عملها، وقياسات متعددة مناسبة لكل دور وظيفي، وتنقسم الأوعية الدموية إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي:
- الشرايين Arteries: وهي الأوعية التي تُصدّر الدم من القلب حاملة الدم المؤكسد إلى الأنسجة.
- الأوردة Veins: وهي الأوعية التي تعود إلى القلب محملة بالدم غير المؤكسد.
- الشعيرات الدموية Capillaries: أصغر الأوعية في الجسم ويحدث فيها تبادل المواد المُختلفة والغازاتِ بين الخلايا والدم.
ولعلك تعتقد عزيزي أنّ هذه الأوعية مُجرَّد أنابيب مصمتة! دعني أخبرك أنّ جميع الأوعية الدموية عدا الشعريات تحتوي على عضلات ملساء ونسيج ضام بالإضافة إلى الطبقة المبطنة، ويتكون كل وعاء دموي من طبقات تختلف في تركيبها وعددها، بحسب نوع الوعاء الدموي ووظيفته، وتفرز هرمونات عديدة منها ما يعمل كموسعات للأوعية وتسمى بموسعات الأوعية Vasodilators وهي أساس عمل مجموعة من أدوية القلب تحت بند موسعات الشرايين، كما سبق وذكرنا أنّ الأدوية كلها مواد موجودة في جسم الإنسان ولكنها معدلة قليلاً أو زائدة أكثر، فمثلاً لو أراد الجسم أن يضخ دماً لعضو لسبب ما كما في حالات التوتر أو القتال أو للهروب، فإنه في لحظات سيبدأ الجسم بإفراز هرمونات تجعل الأوعية تتسع لتستقبل المزيد من الدم، والمزيد من الأكسجين والتغذية والقدرة على العمل، والعكس صحيح، لو أراد الجسم تضييق شريان لسبب ما، مثلاً نزلة برد أو نزيف بسبب جرح ما فإنه يفرز مواداً معينة، وهُنَاك أدوية تساعد القلب في توسيع الشرايين فيقل ضغط الدم ويقل الضغط على القلب.
تختلف الشعيرات الدموية في طبقتها الداخلية في شكلها ووظيفتها حسب المكان الذي تُوجد فيه، ولكل نوع منها نفاذيته الخاصة بحسب وظيفته ومكانه، فالشعيرات الدموية في الكليتين تختلف عن الشعيرات الدموية في الدماغ، وتختلف عن الشعيرات الدموية في نخاع العظام مثلاً، ولعلك تعلم أنّ الشرايين مدفونة في الطبقات السفلى بالجسم أما الأوعية فهي أقرب إلى السطح، والسبب واضح لأن المصمم ذكي ويريد إخفاء الأوعية التي تحتوي على الأكسجين عن أي جرح، فالشرايين تحمل الأكسجين وضغط الدم فيها عالٍ، ولو أصابها جرح فسترى الدم يتدفق بسرعة وقوة وحينها سنخسر الأكسجين، إذن دعونا نضعها مخفية ونبقي على الأوردة ذات الضغط الخفيف والأكسجين الخفيف فوق.
يحتوي الشريان الأبهر (الأورطي) والشريان الرئوي وفروعهما على ألياف مرنة تمنحهما القدرة على التمدد ومقاومة ضغط الدم المرتفع، وأهم ميزة لهذه الأوعية هي سمك الطبقة الوسطى، أما الأوردة الكبيرة فتتميز بأنّ طبقتها الثالثة التي تسمى بالطبقة الخارجية وهي أكثر سمكاً من الطبقة الخارجية للشرايين؛ إذ تحتوي على ألياف شبكية وألياف مرنة تمنحها القدرة على استيعاب كمية كبيرة من الدم دون أن تتمزق وتعود إلى مرونتها بعد أن تتمدد.
رسم توضيحي 46 الدورة داخل القلب.
كما وتحتوي الأوعية الكبيرة على أوعية دموية تُسمى بأوعية الأوعية Vasovasorum في الطبقة الخارجية وفي الجزء الخارجي من الداخلية، تعمل على تغذية خلايا الوعاء الدموي لأن الجدار سميك فلا يستطيع التغذي من خلال انتشار الدم، وتضم الأوردة الكبيرة أوعية بنسبة أكبر لأنها تقوم بنقل الدم غير المؤكسد، وفي بعض المناطق تمتلك فيها الشعيرات خصائص فريدة لإدخال المواد، بل ومنع أخرى من دخول الأنسجة وتُوجد في مناطق حساسة في الجسم تتحسس لأي مادة كيمائية كالدماغ الذي يحتوي على الحاجز الدموي الدماغي Blood Brain Barrier [125] الذي يسمح بدخول مواد معينة للدماغ وفق آلية ذكية جداً.
تحتوي بعض الأوعية على أقفال لا تفتح إلا بمفاتيح خاصة، وبعد أن يدخل المفتاح القفل يقوم بتحريك آليات معينة داخل الوعاء متجاوبة مع حركة الجهاز الدموي ككل، كما وتحتوي بعض الشرايين على مُستقبلات خاصة فالشريان السباتي الموجود في الرقبة يحتوي على مستقبلات تعمل كحساسات للضغط والمواد الكيميائية في الدم وهي مستقبلات الضغط Baroreceptors وأيضاً يحتوي على المستقبلات الكيميائية Chemoreceptor، والتي تحظى بدورٍ مهمٍ في تنظيم الضغط وكمية الأكسجين في الدم خصوصاً الدم الصاعد إلى الدماغ.
وفي حال وجود خلل عضوي لدى الإنسان يُؤَدِي إلى فشل عمل القلب، فإنّ جسم الإنسان سيعمل على خطط بديلة لتعويض التلف الناتج عن هذه المشكلات في نظام مخصص مسبقاً، فيحاول القلب ذلك عبر 3 آليات مكملة هي:
- تفعيل تأثيرات الجهاز الودي Chronic Sympathetic Activation.
- تفعيل نظام الرينين-أنجيوتنسين Chronic Activation of RAAs.
- تعديل عمل عضلة القلب، إذ يتم تضخيمها وتغيير هيكليتها ووظيفتها وهذا ما يُؤَدِي بعد فترة من ترك المُشكِلة إلى حدوث التليف.
والجدير بالذكر أنّ آلية إعادة هيكلة أنسجة عضلة القلب Remodeling of cardiac tissue هي عملية منظمة وهندسية مصممة ومعدة بالتنسيق مع كل أجزاء الجسم وآلياته، ولا مجال لأن تكون قد تشكلت بواسطة علماء طب، ولذلك عملية علاج المرض تتطلب غالباً خليطاً من الأدوية الطبية حتى يساعد كل دواء آلية ما في هذه الهيكلية المتراكبة.
هل نتكلم عن الطحال؟ أم الكبد؟ أم نتكلم عن خلايا الدم نفسها وأنواعها وأدوار كريات الدم البيضاء المُختلفة وآلية عملها، أم آليات انخفاض وارتفاع الضغط وربطها في كل أعضاء الجسم، أم نتكلم عن آلية زيادة السوائل أم نقصها في الجسم، أم تأثير الغدة النخامية على عمليات القلب والجهاز الدوري، لا أعلم عما أتكلم لكني أعلم أنّ القلب والشرايين والشعيرات والطحال والكبد والكلى وأوردة الأوردة والكهرباء والأملاح ظهروا مرة واحدة، فلا يعقل أن يظهر القلب دون الأوعية، أو الأوعية دون القلب، أو أن نقول نشأت بالتدريج، كان للقلب ثلاث حجرات فصاروا أربع، وأنه كان هُنَاك أوعية فنشأت أوعية الأوعية.
إنّ وجود عضو بفعالية تقدر ب 5% لا تجعله عضواً وظيفياً، وبذلك فإن الأنموذج البدائي غير مكتمل الصفات لن يستمر طويلاً ليتطور إلى شكل مُفيد عبر الأجيال، ومن ثم فإما على جهاز الدورة الدموية أن يأتي كاملاً أو لن يأتي.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.