قديماً، ساد الاعتقاد أنّ المحرك الأساسي للإنسان هو الجوع، فالإنسان يجتهد ويعمل حتى يأكل ويشبع، ثم ساد الاعتقاد لاحقاً أنّ المحرك الأساسي هو الخوف من الموت، إلى أن أتى سيجموند فرويد لهذا العالم وأصرّ على أنّ المحرك الأساسي لحياة البشر هو الجنس! فمنذ ولادة الإنسان وحتى مماته وهو يتحرك بدافع الجنس، فهو يجتهد في الدراسة ليتميز أمام الجنس الآخر، ويلبس جيداً حتى يراه الآخرون جميلاً، ويتميز في حياته ويبحث عن العمل ليجذب انتباه الشريك وينتقيه، وباقي فعاليات حياته كذلك، قد لا نتفق مع فرويد في أنّ كل شيء يحركه الجنس، ولكن إلى حدٍ كبير فإنّ مُحركَ الإنسان هو الجنس، فحينما نرى في حياتنا أننا نرتاح لإطراءٍ واحد من الجنس الآخر أكثر من آلاف المديح من نفس جنسنا فهذا معناه أنّ فرويد على حق، وحينما أرى صديقي قام بإضافة كل الفتيات اللاتي يعلقن لي على صفحتي ولم يقم بإضافة أي شاب على حسابه، فهذا معناه شيءٌ واحد، أنّ الجنس يسيطر على تصرفاته وآلية انتقائه، الجنس ليس مرتبطاً بأعضاء معينة فحسب، فالرغبة في الحديث مع الطرف الآخر نوع من أنواع تحقيق الرغبة وإشباعها، والتعليق الجميل، واللايك على استحياء وغيرها، كلها بُنود تشبع الرغبة عند الإنسان.
حاول فرويد أن يثبت أنّ الجنس هو السبب خلف كل ما يصاب به الإنسان من اضطرابات نفسية، والأمر يعود إلى طفولة غير سليمة، لأن النفس في الصغر تكون مادة خام سهلة التشكيل وكلما ازدادت المؤثرات السلبية، كانت النتيجة سلبية، تجعل الشخص يحمل أمراضاً نفسيةً كثيرة لا تُمكنه من الاندماج في المجتمع بسهولة، وفي كتابه تفسير الأحلام وضع فرويد العديد من النظريات والتفسيرات للاضطرابات النفسية بناءً على منطلق الجنس، صحيح أنّ العديد منها تم دحضه من قبل علماء النفس لاحقاً، إلا أنّ تأثير فرويد كان جارفاً ومؤثراً، فالجنس مرتبط في كل نواحي حياتنا، وهو مرتبط في أعمق أعماقنا إذ يدخل في كثير من سُلُوكياتنا ونحن لا ندري، انظر مثلاً إلى عقيدة القوة عند الإنسان وكيف يؤثر الجنس عليها.
فلربما يكون محور العملية الجنسية يعتمد على الإحساس بالقوة والتحكم والسيطرة، فالرجل حينما يمارس متعته ويقبض على نفسه يشعر بالقوة وهو يسيطر على قوته، ويشعر بالدماء تتدفق وبصلابة جسده، تعتريه أحاسيس القوة سواء من جسده أو يده وهي تمسك القوة والمتانة من ذاته، من جسده القوي، من فحولته العالية، لذلك حينما يشعر الرجل بقرب لحظة النشوة تراه يضغط أكثر بقوة على جسده ويحاول أن يُبرزها بقوة، إنه يا سادة استعراض القوة.
وفي حالة الجماع فإن الرجل لا يشعر بيده تمسك قوته، فهو يستبدل ذلك بتحريك يديه على جسد شريكته وقد يشدد عليها أحياناً أو يتنقل من موضع إلى آخر للشعور بالمزيد من القوة بين يديه، وبملكية هذا الجسد، ويُغذي بذلك دماغه بهذه الإشارات، أما أعضاؤه في مرحلة الإيلاج فهي تحصيلٌ حاصل، لو استمرت العملية وقتٌ طويل دون الأحاسيس المرتبطة بالقوة فلن تنتهي بلحظة النشوة كتعبير عن بلوغ قمة القوة.
لذا لو مارس الرجل المتعة وحده وشعر بقوته فإنه سيصل إلى اللحظة المطلوبة، ولو مارسها مع امرأة وشعر بنفس الإحساس فسيصل إلى اللحظة المطلوبة أيضاً، ولو مارسها وهو مُكبلٌ وشعر بالقوة في خياله سيصل إلى اللحظة المطلوبة، أما أي مُمَارسة خارج الشعور بلحظة القوة فلن تحقق ذاتها.
أما المرأة فشعورها بمتعة الرجل يمنحها الإيمان بجسدها وبمقوماته، وأنها قامت بإخضاعه وتمكنت منه بقوتها، وأنّ جسدها وجمالها لا يزالان سلاحاً صلداً يمكن إشهاره في أي لحظة.
ولكن، ماذا عن الشعور بالقوة والاندفاع عند المرأة كما في عضو الرجل؟ فالمرأة لا تملك قوة عضوه والشعور بالعظمة حينما يكون في كامل قوته، قد يعوض جزءاً من ذلك شعورها بمفاتنها حينما تنظر إلى نفسها، أو حينما تتحسس نفسها وهي بكامل حجمها وبروزها، وتشعر حينما تتملك الرجل وتسيطر عليه بنشوة القوة، فهي غلبت قوة العنفوان وسحقته بقوتها، ونستذكر هنا عقدة إلكترا الذي ابتدعها فرويد، لذلك تزداد الرغبة في الشهوة حين القوة، حين الثراء، حين الإنجاز، وتقل حين الفقر والجوع واليأس.
إنّ هذا لا يعني أنه يجب على الإنسان أن يركز على عنصر القوة فقط في العلاقة الحميمة، لأن ذلك تفكيرٌ حيوانيٌ بحت، بل يجب أن يتحرر من هذا الشعور ويحلق في عالم الروح بدلاً من البقاء في عالم الجسد، يجب عليه البحث عن سبل أخرى غير القوة مثل الشعور بجمال الأريج، بالحديث، بتبادل الآراء، بالمسامرة، باستكشاف الحياة سوياً، بالعناق والمداعبة، بتأمل الجسد… إلخ، على الأقل إنّ البحث عن متع أخرى غير القوة أمر أساسي لتغيير روتين العلاقات، وما الذي يقتل العلاقة سوى الملل والرتابة، وما الذي يقتل الكبار إلا ضياع القوة، لذلك كلما كبر الإنسان تعرف على قيم أخرى بعيداً عن قيم القوة والصراعات والتملك والسيطرة، كانت غائبة عنه في حياته.
صورة 24 لوحة القبلة للفنان غوستاف كليمت، تصور زوجان يعانقان بعضهما البعض.
وفي ظل هيمنة صناعة الجنس على كثير من الشركات والمؤسسات، أصبح الجنس هوساً في كثير من مرافق حياتنا، جرب أن تفتح جوال أي شاب ستجده مليء بمقاطع ما، تجد الشاب يتابع مجموعات شبكات التواصل لمقاطع ساخنة تجعل القرد يطير فما بالك بإنسان، المقاطع والجنس والصور والانحطاط أصبح سُلُوكاً يومياً مثل الطعام والشراب، تفتح أفلام ومسلسلات نتفليكس فترى الشُذُوذ والانحطاط فيها، تكلم صديقك فيخبرك أنّ المحادثة اليومية مع أي فتاة تنتهي حتماً برؤيتها عارية ويتمنعن وهن راغبات، في كل مكان ترى أنّ الجنس هوساً يومياً وليس مُجرَّد لحظاتٍ عابرة، فمتابع المجموعات الاجتماعية يتابع الجنس كل ساعة ويرسله لصديقه، ويمارسه كأنه أسلوب حياة.
يُصاب الإنسان جراء هذا كله بسعارٍ جنسي لا إرادي يجعله مستثاراً طوال الوقت، يود لو يختلس النظر إلى جارته، ويرغب بأن يحظى بلقاء مع قريبته كما في الفيلم، ويتمنى أن يخرج فلان من منزله فيسترق قبلات من زوجته، أو يتقرب لخالته، ويتلصص على فتاة في السيارة ليحصل أي مفاتن منها، فالجنس سيطر على عقله بالكامل، ثم نقول من أين جاءنا التحرش، وكأننا لا نعلم ما الذي يدور بين الشباب والرجال وبعض النساء في هذا الزمان بسبب انتشار الإباحية الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لكل الممارسات الشاذة في المجتمعات بدءاً بزنا المحارم وانتهاءً بجماع الحيوانات.
ثم لننظر إلى قضايا الشُذُوذ ومنها شُذُوذ الحيوانات والشجر والحجر، في هذا العالم أفكار تجعل الحليم حيراناً، لا أعرف بأي عقل يفكر الذي يتزوج صديقه ويفكر بأن ينجب طفلاً صغيراً؟ أو التي تتزوج صديقتها وتفكر في إنجاب طفلٍ صغير، ثم يقولون سنتبنى طفلاً وكأن الأمر طبيعي جداً، الإنجاب هو نتاج نطفة ذكرية يزرعها الرجل في رحم امرأة، تنشأ بينهم مشاعر معينة يحملها الأب بصفته المسؤول والراعي والقدوة، وتحملها الأم بصفتها الحاضنة والقلب والعاطفة لهذا الطفل، ولا أتفهم فكرة أن نقبل بتبني طفل في عملية ضدها شخصين.
أشتري سيارة ثم أريد لها أن تطير! أُوقع كأس العصير على الأرض، وأطلب من زوجتي أن تحبني! أضرب ابني ثم أطلب منه أن يطيعني، مشاعر غير متجانسة ولا يمكن أن تتوافق، شُذُوذ وإنجاب وحب أبوي؟ أي أبوي وأمومي بين عملية غير كاملة، تريد لكهرباء أن تسري في سلكين موجبين، أم في سلكين سالبين، لا يمكن، فالكهرباء لكي تسري بحاجة إلى سلك موجب وسلك آخر سالب.
صورة 25 لوحة العشاق 2، للفنان رينيه ماغريت.
لقد أُجريت دراسات متنوعة حول الشاذين وأسباب انتحارهم أثبتت أنهم الأكثر عرضةً للأمراض النفسية، وهُنَاك دراسات أخرى تقول عكس ذلك كله، لكن الدراسات الأخرى التي تبين أنّ مشاكل الطفولة النفسية والتحرش في الصغر وغيرها ستؤدي إلى مشاكل نفسية ولربما قٌبول فكرة الشُذُوذ هروباً من مواجهة آلامها لهي دراسات أكثر ولها خلفيات علمية أفضل.
إذا قمت بالبحث عن الجمال والنعومة، فإن الأنثى هي العنوان، أما لو أردت الخشونة والعضلات لبحثت حتماً عن الذكر، ولكنا نرى أنّ الرجال يتزينون لكي يكونوا كالإناث فيبحث الذكر عن الذكر المؤنث ويترك الأنثى الحقيقة والعكس كذلك، تبحث الأنثى عن الأنثى المذكرة، وتترك الذكر الحقيقي، تغيير كامل وقلب الهوية الجنسية بلا معنى، تريد عزيزي الذكر خشونة، فلتقع في غرام شاب خشن أما أن تبحث عن شاب ناعم كالفتيات لهو أمرٌ عجيب، فلتبحث عن فتاة وتريح الجميع.
يجري الحديث كثيراً في الآونة الأخيرة حول الفرق بين الجنس والجندر والهوية الجندرية، أما الجنس فهو الشكل الحيوي لأعضاء الجسم، يقوم الطبيب بتحديده عند الولادة حسب الأعضاء التناسلية لدى المولود، ويتم تسجيله كذكر أو كأنثى كما اعتادت البشرية منذ أبعد الأزمان على هذه الخطوة، وأضيف حديثاً فحص الكروموسومات والذي يحدد بشكل قاطع في حالة وجود مشاكل ظاهرية الذكر من الأنثى، فالأنثى لديها الكرموسومات XX والذكر XY.
أما الجندر فمن المفترض أنه هو الحالة الاجتماعية بحسب توقعات المجتمع حول التصرفات والصفات المميزة والأفكار، وجدير بالذكر أنّ لكل ثقافة مواصفاتها العامة حول الطريقة التي يجب أن يتصرف بها الناس حسب جندرهم، أخيراً الهوية الجنسية أو الجندرية التي تشير إلى كيفية شعور المرء بداخله، وكيفية تعبيره عن ميوله من خلال اللباس والتصرفات والمظهر الشخصي.
تتشكل الهوية الجندرية في سن مبكر، على الأغلب في الثالثة، فيُلاحَظ ميل الفتيات إلى الدمى وأدوات الرسم في حين يميل الذكور إلى أدوات البناء والألعاب الثقيلة، وبعد هذا العمر يصبح من الصعب تغيير الهوية الجندرية، وهُنَاك عوامل مُختلفة تؤثر في تحديد هذه الهوية على رأسها العوامل الهرمونية والجينية قبل الولادة وبعدها ومن ثم يساهم المجتمع في الباقي.
من بين كل مائة شخص تظهر أعراض التداخل على فرد واحد إذ تجتمع الصفات المذكرة والمؤنثة فيه، وهنا تبرز المُشكِلة الحقيقية في تحديد الجنس والهوية الجندرية، وتبدأ رحلة نفسية في تحديد ميول الشخص الجنسية، هل هي في اتجاه الرجال أم في اتجاه النساء، مع عوامل حيوية ودراسات معينة يتم تحديد الهوية.
في القرن العشرين، ظهرت مُشكِلة قلبت العالم وهي ظهور بعض الأشخاص يمتلكون أعضاءً جنسية واضحة لكن بسبب تأثير المجتمع أو الأسرة أو عوامل أخرى، بات لديهم ميولاً جنسيةً معاكسة، ولعبت المؤسسات التي تريد تغيير كل ما في الإنسان دورها كالمعتاد، وقالت إنّ الإنسان له الحُريّة في تحديد هويته الجندرية، وهذا أدى إلى بروز مشكلات كثيرة لاحقاً، أكثر مما تخيّل المنادون به.
وفي مثال حالة جون – جوان ريمر تأكد العُلماء من أنّ العوامل الحيوية تؤثر على الهوية الجندرية منذ الولادة، وأثبتت بعدها هذه الحالة أنّ الأعضاء التناسلية للشخص قد يكون لها أعلى تأثير على هوية الإنسان الجندرية، وفي دراسة قامت بها هيلاري هالبيرن مفادها أنّ سُلُوكيات الوالدين ذات دور رئيسي في تحديد هوية الطفل الجندرية، وهي ما تم إثباتها لاحقاً من قبل علماء آخرين، أكدت هذه الدراسة أنّ الأم تحديداً تملك التأثير الأشد في تشكيل اعتقاد الطفل بهويته، فالأمهات التي تتصرف بأنوثة مبالغ فيها أمام أطفالها، نلاحظ أنّ أطفالها الصبيان لا يتصرفون طبقاً للقواعد الذكورية.
المشكلات الجندرية السابقة هي تقريباً المشكلات نفسها التي تلحق بالشُذُوذ الجنسي، فلو كان لدينا شخصٌ يعاني من مشكلات نفسية بسبب تأثير البيئة والمجتمع، فإنه يجب أن نبحث عن علاج له، لكن بدلاً من علاجها بشكل منفصل نفسياً، يتم تنميتها وكأنها أمرٌ صحيح، وفي هذا الصدد لا أعلم لماذا لا يتم قٌبول باقي الأمراض النفسية مثل الانفصام والوسواس والجنون من ضمن السُلُوك الطبيعي.
إنّ الأمراض -مرة أخرى- نافذتنا على فهم أوضح لآلية الهوية الجنسية، فكما ذكرنا أنّ كل البشر يكونون إناثاً في أرحام أمهاتهم، وفي مرحلة معينة حسب الكروموسومات يتم إفراز هرمونات تقوم بتحويل الجنين إلى ذكر، أو أنه يبقى أنثى كما هو.
في إحدى الأمراض الجندرية، يتم تحديد جنس الجنين على أنه ذكر حسب الكروموسومات، وتبدأ عملية إفراز هرمون التيستيرون لتحويل الجنين إلى ذكر، إلا أن مُشكِلة ما تحدث في حساسية الخلايا لهذا الهرمون، فيستمر الجسم في شكله الأنثوي، مع أنه جينياً ذكر، وقد سجل العلم الحديث حالات كثيرة مشابهة، فتاة لم تأتها الدورة الشهرية، وكانت تَفُوق زميلاتها في الرياضة والبنية الجسدية، ثم بعد الزواج بسنين طويلة وبسبب عدم قدرتها على الإنجاب، قامت بإجراء فحص جيني فاتضح أنها رجل.
هذه النافذة وغيرها سمحت لنا أن نفهم أنّ الكروموسومات هي من تحدد هويتنا بدرجة أولى، وأنها الأساس في كل قياس، فبعد الولادة يتم تسجيل الطفل بناءً على أعضائه إذا كانت ذكرية أم أنثوية، أما إذا كانت غير ظاهرة، فيمكننا البدء في إجراء العمليات والعلاجات النفسية والحيوية، أما تأثيرات المجتمع والأسرة فهي ثانوية، وإن حدثت وحصل تداخل بين الهوية الجنسية الحقيقية عبر الأعضاء الحيوية الظاهرة وبين الأفكار والميول الفكرية، فيجب علاج الشخص نفسياً وتوجيهه كما يُظهر جسده.
اتخذت حكومة الرئيس الأمريكي ترامب قراراً بإعادة مفهوم الجنس إلى ما كان عليه سابقاً، بناءً على الأعضاء الحيوية وليس بناءً على الميول الجنسية، فإن كان لديك عضواً ذكرياً فأنت ذكر، وإن كنت تملكين عضواً أنثوياً فأنت أنثى، أما القضايا الشائكة بناءً على الميول والرغبات أمست غير مقٌبولة الآن.
فمثال الأم المنفصلة عن زوجها والتي تكره الرجال، وتضع في عقل ابنها الصغير أنه فتاة، وتشتري له ملابس الفتيات وتزينه وتعامله كفتاة، ثم تطلب أن يتم تحويله جنسياً، والطفل المسكين لا قرار له أمام ضغط أمه، ووالده يسعى جاهداً لمنع هذا، والدستور يكفل للأم تحويل طفلها لأنه يدعي أن ميوله أن يكون فتاة، هذا لم يعد مقٌبولاً بعد اليوم.
يقول الدكتور بول ماكهيو: “الرجال المتحولون جنسياً لا يصبحون نساء، ولا النساء المتحولات جنسياً يصبحن رجالاً، إنهم يصبحون رجالًا متأنثين أو نساء مسترجلات؛ إنهم نسخٌ مزيفة للجنس الذي يسعون إليه”، وأضاف أيضاً أنّ تغيير الجنس أو إعادة تعيين الجنس مستحيل من الناحية الجسدية؛ وهو لا يوفر في كثير من الأحيان الكمال طويل الأمد والسعادة المنشودة التي يبحث عنها الناس.
وقد لخصتْ صحيفة الجارديان نتائج مراجعة أكثر من 100 دراسة متابعة للمتحولين جنسياً بعد الجراحة من قبل مكتب استخبارات أبحاث العنف بجامعة برمنغهام، إذ خلُص مكتب استخبارات أبحاث العنف، إلى أنّ أياً من الدراسات لا تقدم دليلاً قاطعاً على أنّ تغيير الجنس مفيد للمرضى، ووجدت أنّ معظم الأبحاث كانت مصممة بطريقة سيئة، مما أدى إلى تحريف النتائج لتشير ظاهراً إلى إمكانية تغيير الجنس جسدياً، ولم يكن هناك تقييم لما إذا كانت العلاجات الأخرى -مثل المتابعة والتوجيه طويل المدى- قد تساعد المتحولين جنسياً، أو إذا ما كان الالتباس الجنسي لديهم قد يقل بمرور الوقت.
وقد توصلت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما إلى استنتاجات مماثلة، ففي عام 2016، قامت مراكز الرعاية الطبية والخدمات الطبية بإعادة النظر في ما إذا كان يجب تغطية جراحة تغيير الجنس ضمن خطط الرعاية الطبية؛ وعلى الرغم من تلقي طلب بأنّ تغطيتها إلزامية، إلّا أنّ الإدارة قد رفضت، وعلّلت ذلك بافتقارها إلى أدلة تفيد أنّ عمليات التحول الجنسي مفيدة للمرضى، وقد أشارت المذكرة النهائية إلى الآتي: ” كانت جودة وقوة الأدلة منخفضة بسبب تصاميم الدراسة القائمة على الملاحظة في الغالب مع عدم وجود مجموعات مقارنة ونقاط مرجعية ذاتية، ووجود التأثير الخارجي المحتمل، واستخدام أحجام العينات الصغيرة، ونقص أدوات التقييم المعتمدة، وفقدان كبير للمتابعة (قد يكونوا انتحروا)” [167] .
وعندما يتعلق الأمر بأفضل الدراسات، لا يوجد دليل على حدوث تغيرات سريرية ذات أهمية بعد جراحة تغيير الجنس، وفي مناقشة لأكبر وأقوى دراسة -الدراسة التي أجريت في السويد التي ذكرها ماكهيو- أشارت إلى تكرار حالات الانتحار ومجموعة أخرى من النتائج السيئة بعد إجراء جراحة تغيير الجنس [168]، وقد رصدت الدراسة زيادةً في معدل الوفيات واللجوء إلى العلاج النفسي مقارنة بالمعدلات الطبيعية، إذ كان معدل الوفيات في المقام الأول بسبب حالات الانتحار التامة (معدل أكبر بـ 19 مرة من المعتاد)، في حين تضاعفت الوفيات بسبب الأورام وأمراض القلب والأوعية الدموية بمقدار 2 إلى 2.5 مرة. نلاحظ أنّ الوفيات من هؤلاء المرضى لم تظهر إلا بعد 10 سنوات.
كان خطر دخول المستشفى النفسي أكبر بـ 2.8 مرة مما كان عليه حتى بعد تعديل المرض النفسي الأولي (18%)، وكان خطر محاولة الانتحار أكبر في المرضى المتحولين من الذكور إلى الإناث، بغض النظر عن الجنس المهيمن على المريض. علاوة على ذلك، لا يمكننا استبعاد التدخلات العلاجية كسبب للاضطراب النفسي والزيادة الملحوظة في عدد الوفيات، ومع ذلك، ليس هناك دراسة مخصصة لتقييم تأثير جراحة تغيير الجنس في حد ذاتها، هذه النتائج مأساوية؛ وتتناقض بشكل مباشر مع الروايات السائدة في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى العديد من الدراسات التي تلتقط لحظة معينة في حياة المتحولين ولا تتتبعهم بمرور الوقت كما أوضح مركز أوباما أنّ الوفيات لم تظهر إلا بعد 10 سنوات.
يُظهر العلم الحديث أنّ نظامنا الجنسي يبدأ بحمضنا النووي، وأنّ الاختلافات الجنسية تظهر في العديد من الأجهزة والأعضاء الجسدية، وصولاً إلى المستوى الجزيئي، ويحتوي الجسد على الأقل على 6,500 اختلاف جيني بين الذكر والأنثى.
وقد ذكرت ديانا آدكنز “إنّ قضية تغيير الجنس قد تحولت من الأمراض العضوية والاضطرابات النفسية إلى الاختيارات والأهواء الشخصية، فقد يصبح المرء ويقول: أنا ذكر؛ ثم يأتي المساء ليقول: أنا أنثى” [169]، يشير جوردان بيترسون أستاذ علم النفس في جامعة تورونتو الكندية إلى أنّ فكرة الجنس البيولوجي والهوية الجنسية (الجندر) أمران مستقلان عن بعضهما البعض هي فكرة سخيفة بكل وضوح، لأنّ 99.7% من الذكور والإناث بيولوجيًا يعرفون أنفسهم كذكور أو إناث بطريقة تلقائية وطبيعية”، هذا ما أكدته دراسة نُشرت في مجلة The New Atlantis عام 2016 إلى أنّ الافتراض القائل بأنّ الهوية الجنسية هو أمر مستقل عن الجنس البيولوجي هو مجرد افتراض لا تدعمه الأدلة والعلمية، ومن غير المعقول أن يخبرنا شخص أنه لا يشعر بفائدة يديه فنقوم بقطعها، أو يخبرنا شخص أنه لا يشعر بأنه رجل، فنقوم بتغييره دون علاج نفسي سلوكي… إلخ، آه نسيت، هذا أمر رجعي الآن.
الحيوانات والجنس
كثيراً ما يتم مقارنة البشر بالحيوانات، فتشابه العملية الجنسية بين القردة العليا والإنسان متقارب جداً، وهذا ما قد يدفع البعض إلى الاعتقاد بوجود عملية تطورية، فالسُلُوكيات كما رأينا تختلف في الكائنات التي تطورت من بعضها البعض، لكنه يبقى تساؤلاً ممكناً، لا أملك إجابة مقنعة، هل أنّ الخالق يريد أن يذكرنا بأنفسنا إن نسينا أخلاقنا، هل هُنَاك رسائل أخرى لندرسها حيوياً، ثمة دروس كثيرة لنتعلمها من دراسة الأجناس الأقل، مثل الوفاء والإخلاص والرعاية والمأكل والمشرب والأمومة وغيرها مما وضّحها العُلماء المختصين، إلا أن البشر يختلفون اختلافاً كلياً في حياتهم الجنسيّة عن الحيوانات، بل ويظهرون متناقضين مع العديد من خيارات التطور المعروفة.
يتخيل جاريد دايموند في كتابه متعة الجنس كلبين يتحدثان سوياً عن الجنس عند البشر، فيقول الكلب الأول: تخيل يا صديقي أنّ السيدة لديهم تنام مع زوجها حتى وهي غير جاهزة للتخصيب، تخيل أنّ الرجل يجامع زوجته يومياً دون أن يكترث بعدم جدوى الجماع في غير فترة الخصوبة!، إنه يهدر حيواناته المنوية.
ويرد صديقه معقباً: المقزز أكثر هو ممارستهما للجنس أثناء حمل الزوجة! بل والأغرب من ذلك ممارستهما الجنس بعد انقطاع طمثها، بل والأدهى ممارستهما للجنس في غرف مغلقة وليس علانية كما يفعل الجميع.
وللبشر قيمٌ تختلف عن عالم الحيوان، منها:
- يكونون شراكة جنسية طويلة الأجل مبنية على شريكٍ واحدٍ في الأساس، بعكس عالم الحيوان الذي تتنوع العلاقات بلا كوابح في كل مرة يرغب فيها الحيوان بمُمَارسة الجنس، بل قد ينكح الحيوان أمه ولا مُشكِلة، والسبب أنّ الجنس في عالم الحيوان غريزة للتكاثر وحفظ النوع، أما في عالم البشر فهي للمتعة أولاً.
- يشارك كلُّ من الأب والأم في رعاية الأبناء، بعكس عالم الحيوان الذي غالباً ما تكون مسؤولية الأم، والتي يتركها الذكر ويذهب إلى البحث عن أنثى أخرى تاركاً أبناءه بغريزتهم، البشر وحدهم من يهتمون بالتربية لأنهم مخلوقون للعمارة والبناء.
- يمارس البشر الجنس في السر وفي الغرف المغلقة أما الحيوانات فيمارسونه في العلن أمام شاشات التلفاز.
- لا تبدو مظاهر التبويض واضحة عند المرأة أما في عالم الحيوان فإن الأنثى تبدو عليها علامات واضحة مرورها في فترة التخصيب، فالغربان مثلاً تطلق صوتاً خاصاً في زمن التزاوج، وقرود البابون تظهر مؤخرتها الحمراء التي يمكنك رؤيتها من مدى النظر.
- انقطاع الطمث عند المرأة بعد سن معين، معاكساً لكل الحيوانات حتى القردة العليا، فعالم الحيوان يسعى للتكاثر فقط، أما عالم البشر فمصمم ليكون هُنَاك مقياس للحالة النفسية والجسدية لكل من المرأة والرجل.
وهكذا نرى أنه من الخطأ الشديد مقارنة البشر بالحيوانات جنسياً، ومن الخطأ استنتاج علاقات حيوانية بيننا، ومن الخطأ محاولة إسقاط هذه المشاهدات على البشر قائلين: وما المانع، فما نحن إلا حيوانات تبحث عن شهوتها.
صورة 26 لوحة ليلة النجوم للفنان فينسنت فان كوخ من نافذة غرفته في المصح عام 1889م.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.