يدرس علم الديناميكا الحرارية آلية تحول الطاقة إلى أوجه أخرى منها، مثل تحول الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية أو تحول الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربائية ويحاول هذا العلم أن يضع لها القوانين والنظريات، ونبدأ بقانونها الأول:
القانون الصفري:
يَنُص هذا القانون على أنه إذا كان النظام أ في حالة توازن حراري مع نظام ثانٍ ب، وكان النظام ب في توازن حراري مع نظام ثالث ج، فإن النظامين أ و ج أيضاً في حالة توازن حراري.
على سبيل المثال لو كانت درجة حرارة كوب الشاي الأول تساوي درجة حرارة كوب الشاي الثاني، وكانت درجة حرارة الكوب الثاني تساوي درجة حرارة الكوب الثالث، فإن درجة حرارة الكوب الأول تساوي درجة حرارة الكوب الثالث.
تبدو الفكرة بسيطة ولكنها مهمة وتعد من المُسلمات التي يعتمد عليها علماء الديناميكا الحرارية ليشيّدوا عليها ما هو أكبر.
القانون الأول:
الطاقة في نظام مغلق تبقى ثابتة.
أي لو جلبنا كوباً من الشاي ووضعناه في نظام مغلق، مكان لا تصله طاقة ولا يتصل بأي مادة، في مكان فراغ ما، فإن درجة حرارته ستبقى ثابتة لا تتغير، لا تزيد ولا تنقص، لأنه لا شيء يؤثر عليه في كسب أو فقد الطاقة، ونستطيع أن نستخرج منه القاعدة المشهورة التي تقول الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم، أيضاً نستنتج أنّ الحرارة تنتقل من الجسم مرتفع الحرارة (الساخن) إلى الجسم منخفض الحرارة (البارد) وليس العكس.
القانون الثاني:
وهذا القانون يَهمُنا كثيراً في هذا الكتاب لما بُني عليه الكثير في علم الفيزياء والكيمياء، وهو ينص على أنه لكل نظام كمية من العشوائية تسمى الإنتروبيا، وفي حالة وجود نظامين منفصلين وكل منهما في حالة اتزان حراري وحركي (ثيرموديناميكي) منفصل، وتمكنا من التلامس وأمكن لهما تبادل المادة والطاقة، فسيصلان إلى حالة توازن متبادلة، ويكون مجموع عشوائية (الإنتروبيا) النظامين قبل التلامس أكبر من أو مساوية لإنتروبية النظامين بعد اختلاطهما وحدوث التوازن الثيرموديناميكي بينهما، أي أنّ الإنتروبيا الكلية تزداد أو على الأقل لا تتغير عند وصول النظام إلى حالة توازن ثيرموديناميكي جديدة.
لو قُمتَ بإحضار محلول ملحي في وعاء، ويُقابله في وعاء آخر الكمية نفسها ولكن ماء عادي، ثم قُمت بخلطهم، فإنك ستحصل على محلول ملحي متجانس الملح في كل جزيئات الماء، أي إنّ ملوحة الوعاء الأول ستقل، وملوحة الوعاء الثاني ستزيد، لأن الملح توزع في الوسط بشكلٍ متساوٍ، ويتبع هذه القاعدة البسيطة الكثير من القواعد المهمة جداً، مثل أنّ العمليات الطبيعية التلقائية تزيد من إنتروبية النظام، أيضاً لا يمكن بناء آلة تعمل بحركة أبدية، ولا يوجد تغير تلقائي لأي حالة يمكن فيها نقل الحرارة من جسم بارد إلى جسم ساخن، وأي عملية تتم من تلقاء نفسها تكون غير عكسوية، كذلك لو قمت بتفريغ غاز ما في وعاء مفرغ فإن الغاز سينتشر في كل الإناء بشكلٍ متساوٍ؛ لتصل الإنتروبيا إلى أقل قيمة لها، فالإنتروبيا هي مقياس لعدم النظام في نظام.
ينطبق هذا القانون على كل شيء في الكون تقريباً، وهو قاعدة أساسية مهمة وتطبيقاته كثيرة لا تنتهي، ولكنه في الأنظمة الحيوية يلعب دوراً خاصاً في فهم تطور الحياة، فهذا القانون لا ينطبق مباشرة على الأنظمة المُعقَّدة والمتكاملة مثل الكائنات الحية، ففيها مثلاً يتم نقل الطاقة بطريقة دقيقة لا فقد فيها، بعكس ما هو كائن في الأنظمة البسيطة، جرب أن تحمل كوباً من الشاي الساخن -وليس القهوة الساخنة- وسر به مسافة 100 متر من منزلك إلى منزل صديقك، ستجد أنها فقدت حرارتها على الرغم من تغطيتك لها ومحاولتك الحفاظ على حرارتها، هُنَاك فقد في الهواء مع النظام المغلق المحيط بالكوب، وهُنَاك فقد في تلامس جدار الكوب مع جدار المادة العازلة وغيرها من مناطق التلامس التي ستقلل بشكل كبيرة من كفاءة النظام المغلق حول الكوب ليحميه من فقد الطاقة، وهذا ما لا يحدث في عالم الأحياء، فكفاءة بعض أنظمة نقل الطاقة في الكائنات الحية أعلى بعدة أضعاف مما أنتجتها عقول العُلماء قاطبة، ولو كان لدى البشر نظام احتراق وقود في مركبة واستطاع العُلماء نقل كفاءته من 20% إلى 25% لكان إنجازاً علمياً، فما بالك بنظام حيوي نسبته تزيد عن 60% وأحياناً أكثر، أو تصل إلى 100% كما في سوط البكتيريا.
من هذا القانون نتفهم لماذا حدث الانفجار العظيم ولماذا توسع الكون، ولماذا سيحدث انسحاق عظيم، كذلك كان هذا القانون المصدر الأساسي لحسابات أثبتت أنّ الكون انفجر للمرة الأولى، لأن الطاقة الحالية في النظام الحالي لو كانت في المرة الثانية لما كانت كافية لتكوين مجرات وجزيئات المادة، بسبب الإنتروبيا العالية وفقدان الطاقة في كل عملية انفجار وانسحاق.
القانون الثالث:
ينص هذا القانون على أنه لا يمكن أن نصل بدرجة الحرارة إلى الصفر المطلق، وهي صفر كلفن، لأنه نظرياً سيكون حجم الجسم صفر، وهذا ما لن نعقب عليه في كتابنا.
قوانين الديناميكا الحرارية هذه هي أساس عمل كل ما في الكون، وهي أساس بناء العُلماء للأنموذج الكوني الحالي الناتج عن الانفجار العظيم، لكن نتيجة محاولة فهم العُلماء للانفجار العظيم وبناء أنموذج كوني موحد أدّت بالعُلماء في نهاية المطاف إلى الخروج بنظريتين مُختلفتين لتفسير الكون، النظرية الأولى هي ميكانيكا الكم، وفيها قوانين تمنحنا إطاراً لفهم العالم على المستوى الكمومي (الذرات، الإلكترونات، الميزونات، الكواركات.. إلخ)، والنظرية الثانية هي النظرية النسبية العامة لأينشتاين إذ تفسر العالم في إطار قوانين واضحة على غير المستوى الكمي، أي شيء أكبر من الذرة (النجوم، الكواكب، المجرات، حركة الأجسام.. إلخ).
صحيح أنّ النظريتين لا يمكن الجمع بينهما لغاية اللحظة، وهذا ما يحاول العُلماء حله، وسيتوصل العُلماء إلى قوانين موحدة لكل الكون عاجلاً أم آجلاً، وسيكون بإمكانك أن تطبق القانون نفسه في كل مكان ولا تشعر بأن هُنَاك عالمين منفصلين، رغم أنه نظرياً في المتفردة (وحقبة بلانك أيضاً) يمكن تطبيق النظريتين عليها لأنها بكتلة فائقة، لذا فالنسبية العامة تسري عليها، وكذلك حجمها صفر فهي ذرية نظرياً، وعلى هذا فإنه يمكن تطبيق نظريات ميكانيكا الكم عليها إلا أنّ الأمور لم تَسرِ على ما يرام للأسف، ويحاول العُلماء ذلك باستخدام نظرية الأوتار الفائقة التي ما زالت لم تحل كل شيء بعد.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.