الجدير بالذكر أنّ جميع النظريات أو الأحداث لتكوين الكون غير نهائية، ويتم إجراء تغييرات رياضية وهندسية عليها من حين إلى آخر، حسب الاكتشافات الجديدة والتي تعمل على تعديل الأنموذج الأصلي في لحظة وقوع الانفجار وما تبعه من تسلسل وأحداث.
بعد الانفجار العظيم (ليس انفجار بقدر ما هو توسع) وبعد عصر بلانك في الثواني الثلاثين الأولى (تقريباً)، أصبح الكون أكثر استقراراً، وبدأت الكواركات في التجمع وتكونت البروتونات والنيوترونات، وانفصلت قوة الجاذبية عن القوى الثلاثة الأخرى (النووية القوية، والضعيفة، والكهرومغناطيسية)، وبعد ثلاث دقائق من الانفجار العظيم كانت درجة حرارة الكون مناسبة لتكون جُسيمات أكبر، وكان الكون مليئاً بالفوتونات التي بدأت تتفاعل مع البروتونات وبدأ يحدث الاندماج النووي بين البروتونات والنيترونات ولكن دون الإلكترونات، وهذا أدّى لتكوين أنوية حقيقية للعناصر الأساسية لهذا الكون مثل الهيدروجين والهيليوم والليثيوم وبنسب متفاوتة، واستمرت هذه المرحلة لغاية الـ 380 ألف سنة التالية.
وبسبب تمدد الكون أكثر فأكثر، استمرت كثافة الكون في الانخفاض وبدأت أنوية الذرات تتحد مع الإلكترونات وباتت الذرات متعادلة كهربائياً، وبهذا يمكن أن ينفصل الإشعاع عن المادة وينطلق في الفضاء دون عوائق، وهو ما كون الخلفية الإشعاعية للكون التي قاسها مسبار ويلكنسون WAMP.
منذ ما يزيد عن مائة وخمسين مليون عام، بدأت تتكون أشباه النجوم الأولى جراء الانهيار الذي سببته الجاذبية، امتازت هذه النجوم بدرجة حرارة مرتفعة جداً؛ لاحتوائها على عنصري الهيليوم والهيدروجين بصفة أساسية، فقد كانت النجوم في ذاك الوقت كبيرة وساخنة جداً نتيجة لاستهلاكها الشديد للهيدروجين والهيليوم، وبهذا بدأت تتحول هذه العناصر في قلب النجوم إلى عناصر أثقل مثل الكبريت والصوديوم والبوتاسيوم والحديد والنيكل والكوبالت، ثم تجاذبت المناطق الأكثر كثافة من المادة والموزعة بتجانس ونمت بكثافة أكثر، ومع تجمع المزيد من الهيدروجين مع المادة المظلمة اكتمل تكوين المجرات والنجوم، وتكونت مجموعتنا الشمسية بعد 8 مليار سنة.
لاحظ العُلماء أثناء دراسة حركة المجرات أنّ حركتها لا تتوافق مع كتلتها، فمن المفترض حسب كتلة المجرات الحالية أن تتحرك هذه المجرات بسرعة أكبر، وهذا ما دفع العُلماء إلى إعادة حساباتهم مع افتراض وجود مادة مخفية أطلقوا عليها فيما بعد تسمية المادة المظلمة، وقد نجحت هذه الافتراضات وتوافقت نتائجها مع أرقام أخرى في الكون، مثل عدم تجانس خلفية الكون الإشعاعية، وفي حسابات انخفاض سرعة عناقيد المجرات وقياس الأشعة السينية لها ودراسات عدسة الجاذبية وتوزيع بنية الكون، وتم تأكيد تأثيرها الجذبوي على مجرات الكون بدقة، إنّ المادة المظلمة شيءٌ لا نراه ولكننا نرى أثره ونشعر به! ولكن يا تُرى أين سمعت جملة كهذه، هممم، لقد سمعت بها وإنها فكرة ضد العلم والمنطق!
وقد بيّنت نتائج المُحاكاة الحاسوبية أنّ للمادة المظلمة دوراً رئيساً في تكوين المجرات، وأنها عبارة عن جُسيمات ذات جاذبية إلا أنها ضعيفة التفاعل مع المادة التي نعرفها، ولا تقوم بامتصاص الضوء ولا تقوم بإصداره، وقد نتجت عن دراسات المادة المُظلمة دراسات الطاقة المُظلمة، والتي تضبط إيقاع الحسابات الرياضية، ولكن طبيعة الطاقة المظلمة لا يزال واحداً من أسرار الانفجار العظيم التي بحاجة للكشف عنها، وقد أكد مسبار WMAP أنّ الكون يتكون من 4% مادة عادية و23% مادة مظلمة و73% طاقة مظلمة وأقل من 1% نيوترينوات [4] كما في (شكل 6 مراحل تطور الانفجار العظيم حسب تأكيدات مسبار WMAP).
شكل 6 مراحل تطور الانفجار العظيم حسب تأكيدات مسبار WMAP
بعد انفجار الكون حدثت الكثير من الأمور على المستوى الكمومي في كل المراحل لم نذكرها وذكرنا فقط كيف تكونت الذرات، لكن ما يقوله العُلماء أنّ الانفجار أدى إلى تمدد الكون بسرعة عالية تَفُوق سرعة الضوء مليار مليار مرة (1000000000 * 1000000000 * 299,792,458 = 299792458000000000000000000 متر في الثانية)، وما هو معروف أنه لا شيء في الكون أسرع من الضوء مطلقاً والضوء سرعته ثابتة حتى بالنسبة للمراقب، وعلى الرغم من شدة هذه السرعة إلا أنها سرعة دقيقة جداً، ويحاول العُلماء فهم كيف لهذا الانفجار الدقيق أن يحدث بدقة متناهية لا يتخيلها عقل لكي يكوّن الكون، فلو كانت سرعة تشتت المادة بعد الانفجار أقل أو أعلى قليلاً لما تكوّن هذا الكون الذي نراه! ووجود هذا الأمر يشعرني بالحيرة فأنا لا أؤمن بالصدف أو أتقبلها في إطار معين، وأؤمن بالعلم والتخطيط، وأن يدعوني صديقي مرتين على حسابه في أسبوع دون سبب هو أمرٌ مُستحيل ولا مجال للصدفة فيه.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.