إذا كان هُنَاك المليارات من الكواكب التي تُشبه الأرض في مجرات لا متناهية، فعلى الأرجح هُنَاك احتمالات أن توجد حياة وحضارة مثلنا أو أرقى منا، هذه الفكرة لمعت في ذهن العالم الإيطالي فيرمي أثناء تناوله الغداء، وقد كلفت البشرية لاحقاً الكثير من الطعام في محاولة التفكير لحلها، يوجد في مجرة درب التبانة بين 100 و400 مليار نجم، ويحتوي الكون على ما يقارب هذا العدد من المجرات، أي أنّ كل نجمة في مجرتنا أمامها مجرة كاملة تحتوي على عدد نجوم تقريباً مشابه، وهذا يعني أنّ عدد النجوم في الكون مساوٍ لعدد حبات رمال كل شواطئ الكرة الأرضية مضروباً ب10000!
ولو افترضنا أنّ 1% من الكواكب تشبه كوكبنا، وعلى الأقل كل حبة رمل في كوكبنا تماثل كوكباً شبيهاً في إحدى مجموعات النجوم، فهذا يعني أنه هُنَاك 10 مليون مليار حضارة ذكية في هذا الكون الفسيح، ولكن لماذا لم نسمع عنهم أو نراهم حتى هذه اللحظة؟! الإجابات التي قد نحصل عليها ستكون ضمن الآتي:
- الحضارات الفضائية موجودة إلا أنهم لا يمكنهم التواصل معنا.
- الحضارات الفضائية موجودة وترسل إشارات لنا، لكن لا يمكننا فهمهم.
- الحضارات الفضائية كانت موجودة في وقت لم نكن نحن فيه.
- الحضارات الفضائية موجودة لكن الناس لا تدرك ذلك.
- اختفت الحضارات الفضائية لأنهم تدمروا لسبب ما.
- لا يهتمون بنا، فهم إما حضارات متطورة لمستويات تجعلنا في نظرهم كالنحل مثلاً بالنسبة لنا نحن البشر، فهل فكرنا ذات يوم بالتواصل مع النحل؟ رغم أننا نراهم يعملون طوال الوقت وينظمون أنفسهم!
ومع عمر الكون الكبير توفر الكثير من الوقت، فقد يكون قد بدأ أول الأجناس المتقدمة -على الأقل- بإرسال مركبات فضائية لاستعمار الكواكب، فلو أنّ أول حملة استعمارية من حضارة ما استغرقت مليون عام، فإن المستعمرة الجديدة مع الحضارة الأصلية، يمكن أن تقوم بإرسال كل منهما بعد ذلك رحلات لاستعمار كواكب أخرى، مما يضاعف عدد المستعمرات كل مليون عام، أي أنه بعد ١٠ مليون عام سيكون هناك ١٠٢٣ مستعمرة جديدة، وبعد ٢٠ مليون عام، سيكون هُنَاك ملايين المستعمرات وخلال ٤٠ مليون عام سيكون تم إنشاء مليار مستعمرة، أما بعد ١٤ مليار عام، فسيكون الكون مكتظاً بالحضارات الفضائية وبهذا ستتكون أجناسٌ أخرى.
هذه الاحتمالات والأرقام واحتمال وجود 100 ألف حضارة في مجرتنا وحدها، دفعت العالَم إلى البحث الجدي عن هذه الحضارات، أو هذه الكائنات، خاصةً بعد التطور في مجال الاتصالات في القرن العشرين، ومحاولة استعمال إشارات الراديو في الاتصال والتواصل مع هذه الحضارات كما في فيلم Contact أو الوافد The Arrival ولربما حينما يعرفون أننا حضارة ناشئة سيأتون ويحتلوننا كما في Mars Attacks أو Edge of Tomorrow أو يتسلّون معنا كما في Predator ولربما يعيشون بيننا والحكومة تخفي هذا عنا Men in Black أو ربما تفاهمنا معهم مسبقاً The Day the Earth Stood Still أو لربما هزمناهم Independence Day، أو لربما يأتون ويعلموننا لنحميهم في المستقبل كما في Arrival وغيرها من مئات السيناريوهات، ولكن بعد كل هذه المحاولات لم نحصل على شيء بعد، صحيح أنها ما زالت موجودة في بعض العوالم مثل عالم هوليود، وعالم مارفل، وعالم دي سي، وقد قابلت ريبلي حضارة منها في سلسلة أفلام Alien، إلا أنه في عالم الأرض 616 لم نجد شيئاً بعد، ولكن لماذا يا تُرى؟ دعني أخبرك أنّ الأمر ليس بسيطاً كما يبدو، ففي القرن الماضي والذي يسبقه كان العُلماء يؤمنون جدياً بوجود هذه الكائنات والحضارات، وبذلوا الكثير في سبيل ذلك من دراسات وأبحاث كثيرة منها ما هو شائع مثل رسالة أريسيبو ولوحة فوياجر الذهبية ومشروع فينيكس وإشارة واو في عام 1977م التي حيرت العُلماء وما زالت تحيرهم.
في محاولة الإجابة على احتمال وجود هذه الكائنات أو لا، حاول العالم فرانك ديريك الرد بلُغة الحسابات الحقيقة وذلك باقتراحه معادلة سميت باسمه (معادلة ديريك Drake equation) وصيغة هذه المعادلة:
N = R* × fp× ne × fl × fi × fc × L
- N هو عدد الحضارات في مجرتنا التي يمكن أن نستقبل إشاراتها الكهرومغناطيسية.
- *R هو عدد النجوم التي تتكون كل عام في مجرة درب التبانة.
- FP هي نسبة عدد النجوم التي تحتوي على كواكب.
- ne هو عدد الكواكب في كل نظام شمسي، يمكن للحياة أن تنشأ فيها.
- FL هي نسبة الكواكب الصالحة التي نشأت عليها حياة بالفعل.
- fi هي نسبة الحياة على الكواكب التي باتت فيها حضارة واعية.
- FC هي نسبة الحضارات التي شيّدت تكنولوجيا ذات إشارات تكشف عن وجودها.
- L هي المدة الزمنية لإطلاق الحضارات إشاراتها ليتم كشفها.
لا نستطيع الجزم بأيٍّ من قيم هذه الوسيطات بشكل قاطع، ولكن يمكننا تطبيق المعادلة بما نملكه من معرفة، وما أدّى إليه تطبيق هذه المعادلة مع معادلات أخرى هو الحصول على نسبة تقارب الصفر من حضارات ذكية، ولم تشِر الحسابات إلا إلى كوكب واحد فقط، هو كوكب الأرض!!! ولكن دعونا نتساءل ما هي التفسيرات لهذه النسبة الضئيلة، أين هم العُلماء عن هذه الأرقام المتدنية؟ ماذا قالوا؟ وكيف فكروا؟
ولنبدأ بالتفسيرات الدينية على عدم وجود حضارات فضائية مكتشفة بعد، إذ يعتقد العالم شوستاك بأننا نحن البشر قد نكون حضارة بدائية تحاول الاتصال بحضارات أقدم وأكثر تقدّماً منهم، وهو ما يشبه قرع إحدى القبائل في الغابات على الطبول وانتظارها استماع الرد القادم من أشخاص متحضرين يتواصلون من خلال الهواتف المحمولة في دولة ما بعيدة، واسمح لي أن أخبرك أنّ هذا ليس تفسيراً دينياً حقيقياً، بل هو تفسيرٌ علميٌ ولكنه كما ترى أشبه بالديني، لأنه أشبه بقصص ما قبل النوم دون دليل علمي، لأن بعض العُلماء لديهم أيديولوجيا تدخل حتى في العلم، وحتى تستمر رحلة الخرافة العلمية. وقد ابتكر العُلماء شيئاً يُسمى مقياس كارداشيف وهو مقياس يصنف الحضارات الذكية إلى حضارات حسب كمية الطاقة وتنقسم إلى ثلاثة أنواع:
- النوع الأول: حضارة تستطيع استخدام كل الطاقة المتوفرة على كوكبها، والبشر ليسوا من هذا النوع، إلا أننا نكاد نصل إليه.
- النوع الثاني: حضارة تستطيع استخدام كل طاقة نجمها، إلا أنّ عقول البشر لا يمكنها تخيل هذا النوع من الحضارات، ولك أن تتفكر في جملة “وأدمغتنا ضعيفة جداً لتخيل مثل هذا النوع” كي لا نفكر في هذه الخرافة، فاقترح العالم أنّ أدمغتنا ضعيفة ولن نستطيع تخيلها.
- النوع الثالث: حضارة تستطيع استخدام طاقة المجرة كاملة، وهذا مستوى من الرقي العلمي لا يمكننا تصديقه، ولو قلت لي سيأتي تنين ويبتلع الشمس كما أصحاب الديانات السابقة لما وجدت أي فرق بين المحاولتين، ونحن نتكلم هنا عن علم ونظريات، لا تكهنات شامان.
ثمة تفسيرات أيديولوجية أخرى أيضاً رغم طرحها على أنها محاولات علمية، فقد تكون هُنَاك حضارة ذكية قد زارتنا بالفعل قبل أن يوجد البشر على الأرض، فالبشرية تدرك نحو ما يصل إلى 50 ألف سنة، كما أنّ التاريخ المدون 5500 سنة فقط، وربما شهدت بعض القبائل القديمة جزءاً من زيارة هذه الحضارات الذكية ولكن لم يتمكنوا من تسجيل هذا الحدث للبشر مستقبلاً، أو لعل العالِم شاهد فيلم Prometheus، ثم نسمع العالِم يقول: أنا لا أؤمن إلا بالعلم التجريبي!
وننظر إلى تفسيرٍ آخر يقول حتماً إنّ مجرتنا قد تم استعمارها، إلا أننا نقطن في منطقة ريفية مهجورة من المجرة، وربما يوجد حضارات راقية تسكن بين النجوم لا نستطيع التواصل معها، ونُذكّر أنّ مهمة العُلماء هي تقديم تفسيرات علمية وليس محاولة تقديم تخيلات سنيمائية.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.