كوكب الأرض

إنّ كوكب الأرض ليس كأي كوكب آخر، بل هو كوكبٌ يكاد يكون فريداً لو لم يمسسه البشر، ولدى هذا الكوكب ما يميزه عن باقي الكواكب، فكوكب الأرض ليس كوكباً مصمتاً من الداخل، ونجد داخل الكرة الأرضية طبقات مُختلفة وصولاً إلى نواة الكوكب المكونة من معادن منصهرة، هذه المعادن تجعل باطن الكوكب له ضغط يعادل ثلاثة ملايين مرة الضغط على سطحها، والبوصلة لا تعمل إلا لأن الأرض عبارة عن مغناطيس ضخم قلبه حديد ونيكل في صورة منصهرة، ولهذا الأمر فوائد كثيرة في استمرار الحياة على سطح الأرض وتدفق الرياح والمياه وامتصاص الإشعاعات.

يدور قلب الأرض المنصهر بسرعة معينة ودرجة حرارة معينة، ومن البديهي أنه لو زادت أو نقصت لاختلف سير العمليات على الأرض، فمثلاً لو زادت درجة لعمّت الزلازل والبراكين الأرض مثل قمر المشتري أيو، ولو نقصت لتصلب باطن الأرض ولاحتجنا لعملية إنعاش كما في فيلم The Core، ولو توقفت مغناطيسية الأرض لمتنا منذ زمن طويل، بالإضافة إلى أنّ المجال المغناطيسي للأرض يحمينا من الرياح الشمسية وذلك بإزاحته لجُسيمات ريحها المشحونة بعيداً عن الأرض كما في (شكل 10 التأثير الواقي لمجال الأرض المغناطيسي)، وهي جزئيات مشحونة من الشمس ضارة جداً، ولا تحمي الإنسان فحسب، بل تحمي الحيوان والنبات بالقدر نفسه [9]، وهذا المجال كبير جداً لحمايتنا يصل مداه إلى 36 ألف ميل في الفضاء الخارجي، ولعل ظاهرة الشفق القطبي نراها بسبب هذه الرياح.

لا ننس أنّ كثيراً من الدراسات تفيد بأن الحيوانات تستفيد من هذا المجال المغناطيسي بشكل كبير، فمثلاً هجرة الطيور والأسماك تعتمد عليه، فكيف تعرف الطيور الصغيرة طريق عودتها، وكذلك أسماك السلمون، فلم يُعطِها والديها خريطة جوجل للعودة، ستستغرب وتقول إنّ للحيوانات حساسات مغناطيسية، سأقول لك نعم! وهذا ما هو ظاهر للعلماء.


شكل 10 التأثير الواقي لمجال الأرض المغناطيسي.

جاذبية كوكب الأرض جاذبية مميزة، فهي مناسبة كي يكون لنا غلاف جوي، ولا داعٍ للتعريف بغلافنا الجوي الذي يحمينا ويجعلنا نتنفس ويجعل عشرات الأمور ممكنة وحده فقط، فلو كان الغلاف الجوي أكثر كثافةً لكانت الأرض أشبه بفرن مستعر، والعكس صحيح، ونحن نعلم أنّ الجاذبية مرتبطة بحجم الكوكب، فلو كان حجم كوكب الأرض أكبر قليلاً لازدادت جاذبيته، ومن ثَمَّ سيزداد وزن الكائنات الحية، والوزن هو حاصل ضرب الكتلة في عجلة الجاذبية الأرضية، ولازداد الضغط الجوي بشكل كبير لأن الغلاف الجوي سيكون مضغوطاً، ولرأينا الكائنات الحية سمينة وقزمية، ولنسينا فكرة القفز كلياً.

ولو كانت الجاذبية أكثر كثافةً، لتشكلت سحب من غاز الميثان كما في قمر زحل تيتان، وكما غلاف تيتان فإن غلافنا هو الوحيد المكون بدرجة أساسية من النيتروجين، ولو زادت نسبة الأكسجين بدرجة معينة لما كانت الحياة، ولو نقصت كذلك لفنيت الحياة، ولو زاد ثاني أكسيد الكربون لحدث الأمر نفسه، والأمر مرتبط بدرجة الحرارة على الكوكب وبقدرة الكائنات على التنفس، وبعمليات الاحتراق كذلك (سواء احتراق الوقود أو الاحتراق الحيوي)، وبسبب هذه الجاذبية المناسبة ندور على كوكب الأرض بسرعة 110 كيلو متر في الساعة ونبقى كما نحن ويبقى غلافنا العزيز كما هو، ولعلنا نمر مرور الكرام عن الغازات مثل النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون ونسبهم المتفاوتة، ولكن كل نسبة منهم دقيقة وخطيرة، فمثلاً كل ما يتكلم عنه العُلماء من أثر الدفيئة على كوكب الأرض بسبب التقدم الصناعي هو زيادة طفيفة في نسبة ثاني أكسيد الكربون من 300 جزء في المليون إلى 400 جزء في المليون أي 100 جزء في المليون فقط.

ولو اختلفت سرعة دوران الأرض ربما رأينا يومنا أطول من سنتنا كما في كوكب الزهرة إذ يعادل يومه 243 يوم أرضي، وسنته 242 يوم أرضي، وهذا يعني ظلاماً دامساً وموت النباتات وبرودة قارسة، ولو حدث العكس لكان لدينا شروق وغروب كل ساعة وساعتين ولشعرت زوجتي بالملل من تكرار إعداد الفطور لي.

بالإضافة إلى نظام طبقات الأرض، فإن للصفائح التكتونية التي تشكل القارات والجبال والأنهار والبحار والمحيطات دور كبير في تشكيل سطح الكوكب وسير العديد من العمليات المتوافقة مع حركة الصفائح، ولها دورٌ مهم في بناء القارات وبقاء الحياة، فلو كانت أقل سُمكاً لحدثت الزلازل والبراكين، ولو كانت أكثر سُمكاً لفقدت الأرض الكثير من مزاياها القارية ولفقدت دورها في تنظيم الغازات على الكوكب أيضاً! وكذلك بُعد مسافة الأرض عن الشمس، ولو كنا أبعد عن الشمس لكنا مثل باقي الكواكب من حيث البرودة، وكانت المسطحات المائية مجمدة وبلا حياة، ولو اقتربت أكثر قليلاً لتبخر الماء وانعدمت الحياة.


اترك تعليقاً