تحظى البروتينات بأهميّة عُظمى في بناء الحياة على هذه الأرض، إذ تُشكل أساساً للكثير من العناصر البنيوية في الخلية، وتُساهم تقريباً في كل عمليات الجسم، في الواقع لا توجد عملية بسيطة لا تتم دون بروتينات، تبدأ هذه المركبات من تركيبات بسيطة من عدة أحماض أمينية، وصولاً إلى بروتينات مُعقَّدة من آلاف الأحماض الأمينية، وربما تصل الملايين أحياناً، وإنّ أبسط خلية حية بحاجة إلى 300 بروتين مُختلف لكي تعمل، وتعد سلاسل الأحماض الأمينية الطويلة بناء هندسي خاص مُختلف، فهي تتشكل في الفراغ بشكل معين وطريقة معينة تسمح بترابطها لتقوم بوظيفتها على أنسب وجه، ويُحدد شكل جزيئة البروتين بمستويات أساسية هي:
التركيب الأولي Primary Structure
وهو ترتيب تتابع الأحماض الأمينية عبر الروابط البيبتيدية المكونة للبروتين، وفي حال أصاب التركيب الأولي أي خلل لبروتين ما فإنه قد يحدث تأثيرات مرضية أو فيسولوجية عديدة، فعند حدوث خلل ما في تركيب بروتين الهيموجلوبين يظهر مرض فقر الدم المنجلي، والسبب في هذا الخلل يعود إلى استبدال الحمض الأميني جلوتاميك أسيد Glutamic Acid بالحمض الأميني فالين Valine إذ ينتج خلايا منجلية الشكل تعمل على انسداد الأوعية الدموية الصغيرة، وتوقف نقل الأكسجين إلى الأنسجة المُختلفة، وتؤدي عادةً إلى الموت قبل البلوغ.
شكل 18 التركيب الأولي للبروتينات من الرابطة الببتيدية من الأحماض الأمينية
التركيب الثانوي Secondary Structure
وهو التركيب أو الشكل الذي يظهر على السلاسل الببتيدية عندما تُنتج حلقة على شكل حلزوني إما حول نفسها أو حول سلاسل أخرى، وتعمل هذه الروابط على تثبيت بناء هيكل البروتين وتأتي الرابطة الهيدروجينية على رأس هذه الروابط المكونة لهذا التركيب، وتأخذ السلاسل الببتيدية ثلاثة أشكال مُختلفة، هي أنموذج ألفا إذ تحتوي على سلسلة ببتيدية واحدة تلتف على نفسها وتلتف على طول السلسلة التفافاً حلزونياً، وأنموذج بيتا وهو التركيب البسيط غير الملتف، ويحتوي على سلسلة ببتيدية واحدة تمتد ذهاباً وإياباً مكونة صفائح، وتعمل الروابط الثانوية (الروابط الهيدروجينية) على تثبيت هذا التركيب، وأخيراً الشكل جاما إذ يجتمع الأنموذجان ألفا وبيتا معاً بالإضافة إلى ترتيبات عشوائية لا يحددها نظام معين.
التركيب الثالثي Tertiary Structure
يحدد هذا التركيب منحنيات في السلسلة وليست السلاسل لولبية الشكل، ترجع هذه المنحنيات في أغلب الأحيان إلى تركيب السلاسل الجانبية للأحماض الأمينية وفي هذا التركيب تُشكل السلاسل الببتيدية حلقة ملتفة على بعضها، ويصبح للبروتين شكل كروي وشكل ثانوي ليفي عبر تكوّن سلاسل ببتيدية متوازنة مع بعضها تظهر على شكل كتل ملتفة حول بعضها، ولها صفة مرونة الشكل، ويعتمد نشاط الإنزيمات في جسم الإنسان بشكل أساسي على التركيب الثالثي للبروتين، ويثبت التركيب الثالثي للبروتين بواسطة الروابط التالية: جسور ثنائي الكبريت، وروابط إلكتروستاتيكية، وروابط هيدروجينية، وروابط كارهة للماء وللنهايات غير القطبية.
التركيب الرابعي Quaternary Structure
هذا التركيب الذي يُحدد مستوى التجمع أو البلمرة في جزيء البروتين، فجزيئات البروتين في العادة تتكون من وحدات صغيرة متجمعة مع بعضها لتكون المركب الكلي للبروتين، ومثال على ذلك إنزيم الفوسفوريلز الذي يحتوي على أربع وحدات ثانوية متماثلة لا يظهر نشاطها الإنزيمي إلا بتجميعها مع بعضها، والروابط التي تعمل على تثبيت التركب الثالثي للبروتين هي نفسها التي تدخل في تثبيت التركيب الرابعي للبروتين، وإنّ وجود الروابط الهيدروجينية يسمح بتكون شكل البروتين الأساسي لعمله.
شكل 19 شكل الروابط في تكوينات البروتين
أشكال التركيبات المُختلفة للبروتين في الفضاء ثلاثي الأبعاد والروابط المكونة لكل منها.
نلاحظ في الصورة (شكل 19 شكل الروابط في تكوينات البروتين) أنّ الروابط الهيدروجينية تسمح بتكوين روابط معينة تلوي شكل البروتين، وهذا الشكل المنحني للبروتين يسمح له بمُمَارسة مهامه العادية، يجب أن يندهش عقلك الآن حينما تعرف أنّ كل الإبداع الهندسي في الماء لغاية عظيمة واضحة وهي السماح بتكون البروتين! وكل هذه العظمة السابقة لنصل لتكوين روابط هيدروجينية في البروتين.
إنّ الحياة مُعقَّدة في كافة نواحيها، إنها مُعقَّدة على الصعيد الجزيئي كما هي على الصعيد الحياتي، تُعَد فكرة استبدال الكبريت في الروابط بمادة السيليكون -على سبيل المثال- أمراً مُستحيل كلياً، وإنّ فكرة بناء عناصر للخلية مغايرة للمخطط الذي صممت له هو أمر مُستحيل، وفكرة أن تقوم الخلية على سبيل الخطأ بإحلال مادة مكان مادة على سبيل المثال لهو عيبٌ خَلقي كبير سيمنع استمرار حياة الخلايا؛ فكل تركيب في الخلية مبني على ما هو قبله وبذلك يستحيل أن تكون أي عملية تغييرية ذات فائدة، نحن نتكلم عن مليارات المكونات في الخلايا المترابطة، وتغيير واحد سيهدم كل شيء، ففكرة وجود خلل جيني في شمشون الجبار جعل جسمه يستبدل الكربون بالحديد في خلاياه لهو أمرٌ نابعٌ من أفلام الخيال العلمي لا أكثر.
تركيب الخلية
تتكون الخلية من عدة منظومات مستقلة تُؤدي أدواراً مُختلفة، تسبح هذه المنظومات في مادة تكون تقريباً 50% منها تُسمى السيتوبلازم إذ تحتوي على العصارة الخلوية (السيتوسول)، كما وتحتوي الخلية على شبكة طويلة ممتدة من صفائح غشائية مسطحة تسمى الشبكة الإندوبلازمية، تحتوي هذه الشبكة غير الملساء على الريبوسومات التي تقوم ببناء البروتين، في حين تقوم الشبكة الإندوبلازمية الملساء بدور رئيسي في أيض الدهون، وهذه الشبكة عبارة عن أخاديد طويلة ومنتظمة الترابط.
رسم توضيحي 8 تركيب الخلية النباتية والحيوانية
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.