تهدف عمليتا النسخ Transcription والمضاعفة Replication إلى إنشاء نسخة من الدنا وإنتاج أجزاء جديدة بالاعتماد على الأحماض الأمينية، لكن عملية النسخ تهدف لإنشاء نسخة من الدنا إلى الرنا، أما عملية المضاعفة فهي إنشاء نسخة من الدنا إلى الدنا، عملية النسخ هدفها بناء البروتينات، وعملية المضاعفة هدفها انقسام الخلية.
في عملية النسخ (شكل 25 عملية النسخ) والتي تبدأ من داخل النواة، يجري أولاً نسخ تسلسل قواعد النيوكليوتيدات المكونة لشفرة بروتين معين من قالب الدنا مما يُؤَدِي إلى إنتاج جزيء جديد من الرنا الرسول والذي ينتقل خارج النواة، وأثناء ذلك يخضع لعملية تعديل تُسمى التضفير، وما أن يصل هذا الرنا الرسول إلى السيتوبلازم حتى تتحد معه الريبوسومات، إذ يعمل بعدها كقالب للربط بين الأحماض الأمينية في البروتينات، في عملية تُسمى الترجمة.
يقوم الرنا الناقل بنقل الأحماض الأمينية إلى الريبوسوم وبعد انتهاء هذه العملية تدخل البروتينات المُتكونة على الشبكة الإندوبلازمية الحيّز الموجود بين أغشية الشبكة الإندوبلازمية في عملية طي أخيرة قبل تمريرها لمواقع أخرى مثل أجهزة جولجي، وقد تدخل السكريات أيضاً في هذه العملية المعروفة باسم الارتباط بالجليكوزيل، وتخضع البروتينات المخلقة حديثاً لمراقبة جودة صارمة، وإن حدث أن وُجد بها عيب من أي نوع، فإنها توسم بواسطة جزيئات اليوبيكيتين كي تتعرض للانحلال السريع، وما أن يتم بناء البروتينات الجديدة وتُطوى حتى تصبح بحاجة إلى الوصول إلى وجهتها الأخيرة داخل الخلية بين مليارات جزيئات البروتينات الأخرى التي تُخلّق وتتحلل على نحو دائم، وقد تحتاج بعض البروتينات أن تمر عبر حاجز غشائي أو حاجزين قبل الوصول إلى المكان الذي ستؤدي فيه وظيفتَها [10].
والجدير بالذكر أنّ الخلية تنسخ 100 قاعدة نيوكليتيدية في الثانية الواحدة ويمكن أن يصل هذا العدد إلى 1000 قاعدة في الثانية، وهذا كله دون خطأٍ واحد وذلك بوجود إنزيمات لمراجعة وتصحيح أي نيوكليوتيد غير مطابق، مع احتمال حدوث خطأ واحد فقط في الغالب في كل مليار نيوكليوتيد [10]، ويقوم بعملية توزيع الحصص بين الخليتين عُضية مُختصة ودقيقة تُدعى المريكز Centriole، سأترك لك المجال لتحسب كم عملية نسخ تحدث يومياً في جسم الإنسان، لأنّ الرقم لن يكون لطيفاً.
إذ يتم فك الشريط المزدوج وقراءته قراءة حرفية في الرايبوسوم
وحتى نقوم ببناء نسخة من الدنا الجديد، يقوم إنزيم يُدعى الرنا بوليميريز RNA polymerase بنسخ محتويات الدنا قطعة بقطعة ولتسهيل العملية يجب فصلها في خطوات مُبَسطة:
- تنفصل شرائط الدنا المزدوجة، إذ يعمل أحد الشرائط كقالب للنسخ، وتقترن نيوكليوتيدات الرنا مع نيوكليوتيدات الدنا للقالب ويبدأ هنا دور الرنا الرسول الذي يقرأ ويفسر.
- تقترن النيوكليوتيدات مع بعضها البعض وفقاً لقواعد مُحددة وهذه القواعد منها: أزواج الأدينين (A) مع الثيمين (T) أو اليوراسيل(U)، وأزواج السيتوسين (C) مع الجوانين(G).
- يحتوي الرنا الرسول على المعلومات اللازمة لتحديد تسلسل الأحماض الأمينية في البروتين لتبدأ عملية نقل الأكواد الجينية وفق آلية مُحددة وكأن الرنا الرسول إنسانٌ واعٍ.
- يتصل الرنا الرسول بمنطقة على الشريط تُدعى المُحفز وهي نظرياً بداية الجين المراد نسخه وهي عملية طويلة بحاجة إلى أدوات خاصة تدعى عوامل النسخ، فأنت لكي تنسخ مجلدات يجب أن تحدد بداية المجلدات والصفحات، وإلى أين تتوقف وهذه العملية بحاجة إلى أدوات.
- تبدأ عملية طويلة من النسخ والفحص والتأكيد، ويتم صنع نسخة لكل شريط من الدنا ويصبح جاهزاً، ويتحكم في هذه العملية ما يقارب 3000 بروتين مُختلف.
شرح مرئي أكثر عبر هذين المقطعين:
رابط 6 استعراض لعمليات الدنا |
رابط 7 شرح ثلاثي الأبعاد لعملية مضاعفة الدنا |
ولك أن تتخيل أنّ الفايروس الذي يُعد أبسط الكائنات غير الحية يفهم هذا الأمر المُعقَّد بدقة شديدة! إي ومونيكا، يا من تشكو من صعوبة مادة علم الخلية عدة مرات، عليك أن تخجل من نفسك، فالفايروس يفهمها بدقة عالية تَفُوق فهمك، فهو يدخل الخلية ويحقن الدنا الخاص به بدقة عالية في عملية النسخ، ويخدع الخلية ويجعلها تنسخ الدنا الخاص به لتصنع فايروسات كاملة وبذلك يقتلها ويسيطر عليها، وليس نوع واحد من الفايروسات، بل كل الفيروسات على هذا المنوال العبقري، كل الفايروسات هي كائنات لا تعيش إلا بداخل الخلايا Obligate intracellular parasites، ولعلي أدهشك بأن هُنَاك بعض أنواع البكتيريا كذلك، لا تعيش إلا داخل الخلايا مثل الكلاميديا والريكيتسيا، بالإضافة إلى بعض الحيوانات الأولية protozoa والفطريات، جميعها يفهم الخطوات بدقة عالية، أيّ تخطيط هندسي متكامل هذا!
|
وقد ذكرنا أنّ العُلماء لا يرون الفايروسات أحياناً ككائنات حية، لكن دعونا ننظر فقط إلى آلية ارتباط الفايروس بالخلية ولنحكم بأنفسنا، ليتسنى للفايروس إطلاق شيفرته الوراثية، تقوم الخلايا بنسخ الجينوم الخاص به، كما في (رابط 8 عملية حقن فايروس سارس لأشواكه)، إذ ترى أنّ الفايروس كائن لديه غاية، يعرف جيداً تصميم الخلية، ويعرف كيف يتصل بها، ويعرف كيف يخدعها ويُدخل فيها أشرطته الجينية لتقوم الخلية بصناعة ملايين النسخ منه، بجينوم كامل وغشاء خلوي وبروتينات مُختلفة، إذ يمتلك إنزيمات مخصصة لنقل جينومه، كذلك تقوم هذه الإنزيمات في بعض الأحيان بتعديل شكل الجينوم لكي يتقبله الكائن الضحية، فقد تقوم بلف شريط الرنا المستقيم إلى دائرة حتى تستطيع إدخاله في النواة! وبروتين S الموجود على سطح الخلية في آلاف المواضع، يتكون العنصر الواحد منه من 1160–1400 حمض أميني على حسب نوع الفايروس! إنه أعزائي العُلماء كائنٌ واعٍ لما يفعل، وليس كائناً غير حي!
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.