الجينات

الجين هو تسلسل مُعيّن في شريط الدنا له بداية مُحددة ونهاية مُحددة، ومن المفترض أن يحدد عملية ما (افتراضياً)، سبق وأن ذكرنا أن هُنَاك تقريباً 23600 جين في شريط الدنا الكامل في كل خلية، وللتأكيد فإن الجين ليس بروتيناً، إنه مُجرَّد وصف تسلسل للأحماض الأمينية لكي يقرؤه الرنا في عملية النسخ أو المضاعفة.

 وهُنَاك نوعان واضحان من الجينات –كما سبق الذكر– الجينات المسؤولة عن تعليمات بناء البروتين protein-coding genes، والجينات المسؤولة عن باقي العمليات الأخرى اسمها noncoding genes، وفي شيفرة الجينات نجد أنّ هُنَاك نقاط مُحددة تبدأ فيها تعليمات تنفيذ الأوامر ونهاية التنفيذ وتوضيح عملية النسخ في الانقسام الثنائي للخلية، وهذا ما سيتم توضيحه، ومع تطور العلم وتقدمه لم تعد فرضية ]جين واحد-إنزيم واحد[ صحيحة في هذا العصر one gene—one mRNA—one polypeptide، فحين تمت تجارب هذه الفرضية على عين ذبابة الفاكهة كانت مناسبة في ذاك الوقت، أما الآن فالموضوع مُعقَّد، الجينات تتداخل بالإنزيمات وبالمرنا، جين واحد، بولي بيبتايد واحد، إنزيم واحد، مرسال واحد، كلها تغيرت [22]، وقادنا هذا إلى علم جديد يُدعى علم فوق الجينات Epigenetics.

إنّنا بالبحث بشكل أكثر عمقاً وجدنا أنّ جيناً واحداً قد ينتج عدة مرنا، كما يمكن أن يكون الجين الواحد جزءاً من عدة عمليات نسخ إنزيمية تحت مسمى Alternative Splicing، كذلك هُنَاك مفهوم بدأ يطفو بعنوان Protein Moonlighting، إذ تؤدي سلسلة ببتيد واحدة عدة سياقات بيولوجية في سياقات مُختلفة، وبذلك يتضح أنّ مفهوم الجين هو وحدة التوريث unit of heredity قد تغيّر بالكامل، لأنّ الأمر مُعقَّد أكثر بكثير من الحالة العلمية السابقة، والأمر مرتبط بعملية تصميم هندسية وليس تجميعاً بسيطاً، فمثلاً في حقيقيات النواة لا توجد حدود واضحة بين الجينات في عملية النسخ الإنزيمي، ما يجعل من المُستحيل تحديد عملية ربط بسيطة بين عمليات النسخ الإنزيمي الأساسية وبين ما ينتج من هذه العمليات.

حتى في محاولة رسم الجينوم، كانت النسخ الإنزيمية متداخلة بشكل كبير، إذ يستحيل ربط علاقة واحد إلى واحد بين تسلسل دنا عادي وبين نسخ إنزيمي له أو وظيفة مُحددة [22]، وتوجد أمثلة عديدة على عمليات نسخ إنزيمية تتم عبر أكسونات من مواضيع جينية مُختلفة بعيدة عن بعض مئات آلاف النيوكليتيدات، الخلاصة أنّ الجينات مرة أخرى أمراً مُعقَّداً جداً يرجع إلى التصميم الذكي والمُعقَّد.

بالعودة مرة أخرى إلى Alternative Splicing وهي عملية يُمكن فيها بناء أكثر من بروتين من جين واحد، لا شك أنّ الثدييات وخصوصاً البشر أكثر تعقيداً من الديدان الأسطوانية، لذلك كان الأمر بحاجة إلى دراسات أكثر في البشر، على الرغم من أنّ حقيقة علم فوق الجينات والـ Alternative Splicing لا تزال أدوارهم غير مكتشفة بالكامل في حقيقيات النواة، لكن هُنَاك حقيقة واضحة هي أنّ الـAlternative Splicing مهم جداً للتنوع الجيني وتوليد التنوع البروتيني.

وللتوضيح نسأل: كم عدد البروتينات المُختلفة التي يمكن تكوينها من سلسلة دنا واحدة؟

الجواب باختصار: كثير.

للعلم، يمكن للخلية الواحدة إنتاج 38,016 بروتين عبر إعادة تعديل واستخدام pre-mRNAs، والرقم الأقرب حالياً للجينات المرمزة للبروتين هو 19600 جين موثقة في الإنسان، في حين أنّ دودة الأرض لديها 20470 جين موثقة لترميز البروتين! وهذا يعني الأمور التالية:

  1. ليست الجينات من تصنعنا.
  2. لو أنّ التطور دقيق، فالدودة التي في بداية سلم التطور يجب أن يكون لديها جينات أقل لحدوث طفرات جينية أو جينات خردة.
  3. ينتج الجسم ملايين البروتينات المُختلفة، وعلى هذا فالـ19600 جين لترميز الملايين هذه لا تكفي للتفسير، ونحن في حالة أعمق مما يبدو عليه الحال.

ثَمّة ظواهر أخرى غريبة في عالم الجينات، نذكر واحدة منها فقط، فلو تم إتلاف أو إزالة جين لأي سبب من الأسباب (طفرة مثلاً) وحذفه من كل السجل الجيني، فيمكن لعدة عمليات معينة في الخلية أن تقوم بإعادة استحداث هذا الجين في عملية تُسمى Genetic compensation أو Genetic robustness [23] وقد تم رصد هذه الظاهرة في كائنات مُختلفة مثل الفئران والأسماك والنباتات.


اترك تعليقاً