مشاكل الدنا

لبنات البناء

تعددت أوصاف الدنا مثل كونه عقل الخلية، أو الحاسوب المحرك، لُغة البرمجة العليا فيه، مخطط عمل الخلية، وغيرها من الأوصاف الكبيرة الضخمة التي تجعل الدنا يلبس عباءة أكبر من حجمه، وبتنا نعرف أنّ الدنا لا يتكون من بروتينات وكيماويات مختلطة ليقوم بتشكيل دور لُغة برمجة، إنما هو ترتيب لبعض القواعد النيتروجينية وبعض المواد الأخرى غير البروتينية، إنه لا يحتوي على ذاكرة الخلية ولا خط سير الحياة.

نستطيع القول أنّ الدنا قاعدة بيانات مرتبة تحتوي على بُنود جسم الكائن الحي، تلجأ إليها آلات الخلية لأخذ البيانات اللازمة لها لإنتاج البروتينات، وتصنيع الجسور، وتشييد المباني، ويرجع السبب في وصفها كقاعدة بيانات إلى أنّ لُغة بناء الدنا ليست لُغة ذات قواعد برمجية أو نحوية، فمثلاً لو أردت أن ترسم مُجسماً سُداسياً، فستقوم برسم نقاط مُحددة وقياس المسافات بينها ثم تبدأ بتحديد الخطوط من النقاط لبناء المجسم الثلاثي على نحو مخطط وواضح، أو مثلاً أردت بناء بيت، فستقوم بإنشاء خريطة تحتوي على خطوات بناء البيت مفصلة، لكن هذا الأمر مفقود في لُغة الدنا، قاعدة البيانات لا تحتوي على الخطوات اللازمة لهذا الأمر، أو يمكن القول أنّ هذا ما اكتشفه العُلماء لغاية اللحظة، نحن نعلم أنّ الدنا مكون من أربع قواعد نيتروجينية تصف ترتيب الأحماض الأمينية في بروتينات الجسم، ولا شيء آخر لكيفية بناء البروتين.

لنضرب مثالاً لتوضيح الفكرة، لنفترض أنك ولدت في بيت يتكلم 40 كلمة فقط، والكلمات هي أنواع طعام مُختلفة، ولا يملك أي أحد في البيت كلمات أخرى وصفية لأفعالهم، لديكم 40 كلمة فقط، والكلمات هي كلمات أطعمة أساسية مثل خيار، خبز، خس، لحمة، بطاطس، وإذا أردت أن تخبر أمك بأنك تريد ساندويتش هامبرجر فكل ما عليك إلا قول التالي:

  1. خبز
  2. خيار
  3. لحمة
  4. خس
  5. بطاطس
  6. خبز

لكنك لن تستطيع وصف عمليات صنع الساندويش، أنت تملك كلمات البناء الأساسية فقط ولا تملك كلمات التخطيط.

تتكون لُغة الدنا من 24 كلمة فقط، 20 منهم أسماء لبنات البناء، و4 كلمات هي أفعال: ابدأ، توقف، استخدم، تجاهل.

هذا على سبيل المثال ما هو مكتوب في الدنا:

  1. لايسين، برولين، فالين، سيرين، ثايروسين، توقف.
  2. ثايروسين، فالين، فالين، سيرين، فالين، ثايروسين، توقف.

بالنظر إلى هذا التوضيح نفهم بالضبط أنّ الدنا مُجرَّد قاعدة بيانات لا توصف بناء كامل ولا مخطط هندسي متكامل، مُجرَّد ترتيب لعناصر البناء، أي حجر أضعه فوق أي حجر، لكن الحائط هذا أين موضعه في المجسم ككل، والحائط ذاك ارتباطه بحائط آخر فوقه أو تحته أو عن يمينه أو عرضي أو طولي وغيرها من الصفات البنائية غير موجودة فيه، بل وحتى الشكل الثلاثي للمكونات وكيف يتم تشكيلها، وغيرها من هيكليات تخطيط البناء غير موجودة فيه [30].

في الدنا لا يتم تحديد شكل البروتين، إنما يتم تحديد مكوناته فقط، مع أننا رأينا أن تركيب البروتين مُعقَّد جداً وآلية إعداد البروتين غير متوفرة في الدنا، ولو أردنا بناء حقيقي بلُغة هيكلية حقيقية سنقول مثلاً:

  1. كرر هذه الخطوة 8 مرات.
  2. تابع هذه العملية 4 مرات إلى حين أن يتقاطع نهاية السلسلة مع السلسلة الفلانية التي بنهايتها كذا.
  3. تابع هذه العملية ثم احني الخط حينما يمس العنصر باء العنصر جيم.
  4. اجعل موضع العنصر ص يرتبط بموضع 6 في العنصر س.

سنرى هذه المُشكِلة بشكل حقيقي في فصل تحول الكائنات، لكن هذه الفقرة الصغيرة تضعنا أمام تحدٍ حقيقي مرعب، هل الدنا وهم؟ ويعطي معلومات مجهولة ولا قيمة لها! فمن الذي يبني هذا الكائن العظيم الذي يقرأ الكتاب؟ من الذي يصمم مليارات الخلايا والروابط والعمليات فيه؟


اترك تعليقاً