نظرية التطور عبارة عن مجموعة من الفرضيات التي تحاول تفسير وجود الحياة على كوكب الأرض، وتؤكد النظرية على أنّ كل الكائنات الحية قد تطورت من سلف مُشترك عاش في الماضي السحيق، هذا الكائن أشبه بالبكتيريا أو أبسط منها، ثم تم إضافة تغييرات على الكائنات نتيجة عدة عوامل أدّت إلى انتقال الصفات إلى الأبناء، ثم تستطرد النظرية في العملية التطورية إلى أن تقول أنّ هُنَاك سلف ما شبيه بالقرود تطور منه الإنسان، ليس خلافنا أنّ السلف هذا تطور منه الإنسان أو تطور الإنسان والقرد على حد سواء، المهم أنّ كل الأسلاف بدورها انحدرت من كائنات أكثر بدائية، وبعد زمن طويل من سلاسل التطور، حدث الانحدار الحيوي وظهرت أنواع جديدة أكثر ذكاءً وقوة وأفضل من السابقة والزمن المذكور هنا زمن طويل وليس عاماً أو عامين بل ملايين الأعوام.
الكثير قيل وأقيل حول التطور وآلياته ومن واقع ما هو موجود ينقسم العُلماء المُؤمِنون بالتطور إلى عدة مدارس واتجاهات، فمثلاً هُنَاك التطوريون الذين يؤمنون بإمكانية نشوء الحياة من الصفر على الأرض، وهُنَاك من يؤمن بالتطور الموجه، أي أنّ الله أو الكائنات الفضائية أو ثانوس قد صنع الخلية الأولى أو أحد الأشكال البدائية ثم تطورت لاحقاً، أو أنّ الطبيعة أو الكائنات الحية لديها قوة ضاغطة نحو التطور، وهُنَاك نظرية التطور القديمة، وكذلك النظرية الحديثة، وهُنَاك النظرية الأحدث إذ تتعدل كل فترة وأخرى، لكن في كل المدارس أو الصور نجد أنّ نظرية التطور تعتمد على بعض المفاهيم الأساسية لتفسير نشوء الأنواع، أساسها التكاثر والتوريث Heredity، التنوّع Variation، والانتقاء Selection وبالمختصر:
- الطفرات Mutations العشوائية أو الذكية التي تمنح الكائن ما يعينه على ضغوطات الحياة.
- هُنَاك سلف أو أسلاف مُشتركة للكائنات انحدرت منها كل الحيوانات (النشوء والارتقاء).
- الاصطفاء أو الانتخاب الطبيعي Natural Selection إذ يتكاثر الأصلح ويحدث تهجينات تساهم في تأقلمه وتحسين الجنس، والزمن الطويل كافي بكل التغييرات هذه، ويُؤَدِي هذا الأمر إلى مفهوم آخر هو الانحراف الوراثي Genetic drift.
- انتقال المورثات أو هجرتها Migration أو انسيابها Gene flow، إذ يساهم هذا الانتقال إلى تداخل المورثات.
نحن الآن أمام خيارين لا ثالث لهما لتفسير نشوء الحياة، الخيار الأول: هو ظهور الحياة بسبب الخالق، أو الخيار الثاني القائل: إنّ الحياة ظهرت من لا شيء ثم بسبب الصدف والاحتمالات حدث التطور، وهُنَاك فريق يحاول أن يوفق بين هذين الخيارين، فينادي بالتطور الموجه، إذ لا نعلم كيف ظهرت كائنات دنيا، قد يكون شيء اسمه الله خلقها أو تطورت، نحن لا ندري بالضبط، لكنها تطورت وانحدرت إلى الأجناس العليا، بل حتى التطور الموجه به نظريات مُختلفة ومتضادة، مثل التطور البطيء، أو التطور السريع القافز، أو التطور المتوازي أو التطور المتباعد، والعديد من النظريات الفرعية الأخرى، وما زال العُلماء يتناحرون بلا اتفاق حتى يومنا هذا.
إنّ فكرة التطور ليست وليدة أفكار داروين، فقد تكلم في عصره علماء آخرون، وقبله أيضاً وقبله بفترات طويلة، بل وتكلم فيها علماء مُسلمون كُثُر مثل الجاحظ وابن خلدون، وتعود الفكرة في طرحها إلى زمن فلاسفة اليونان، وهذا أمرٌ منطقي فحينما ترى تقارب أشكال الكائنات يبدو أمامك نمطاً جلياً بوجود تطور من وإلى، فحينما تنظر إلى سلالات القرود وتقارنها ببعضها ثم بالإنسان، ترى حقاً أنّ هُنَاك شبه تسلسل وكأنك تنظر إلى الأقدم ثم الأحدث، وهذه ميزة كل عين ناقدة ثاقبة تحاول رؤية الأمور كما هي ومن ثم تحاول أن تفسرها، إلا أنّ تشارلز داروين في كتابه أصل الأنواع جمع كل الأفكار وأطلقها وكانت البداية، وألحقه بكتاب ذي أثر كبير اسمه أصل الإنسان The Descent of Man.
يتحدث كتاب أصل الأنواع عن مشاهدات داروين في رحلته على متن البيجل، ومن ثم قام بتدوينها على شكل نظرية بسيطة، كما يفكر كل طفل أو كل عالم حين يدون أفكاره البسيطة على الورق حتى يحفظها ثم يبحث فيها لاحقاً، وليس الهدف منها تثبيت حقائق علمية في المجمل، وفي كل كتابات داروين تراه يتكلم عن نظرية، نظرية وليس حقائق، مثلاً أن يقول إني رأيت حيوان أ، يشبه حيوان ب في كذا وكذا، فعلى ما يبدو أنّ حيوان أ كان سابقاً حيوان ب، وهكذا، ولا يؤكد داروين ما يشاهده وإنما يطرح أفكار.
ويجب التنبيه إلى أنّ كلمة تَطَوُّر كلمةٌ فضفاضة، فهي تعني الكثير، فالتطور يُستخدم في وصف التغيير الجيني عبر الزمن، وهذا ما يتفق عليه الجميع، ولكنهم يدعونه بالتطور مجازاً، والانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح يطلقون عليه تطوراً وهو التطور الذي لا يتفق الجميع على لفظته وهذا ما نتحدث عنه هنا، ومن المهم أيضاً التنويه على أنّ نظرية التطور قد مرت بتغييرات جذرية في مبادئها، فأيام لامارك قبل علم الوراثة تختلف عن أيامنا هذه، وعلى هذا كان يجب تغيير فكرة الانتخاب الطبيعي وتغذيتها بأفكار العلم الحديث، وظهرت الدارونية الحديثة التي ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين، ولهذا تجد اختلافاً في تفسير بعض النقاط في الكتب القديمة عن الحديثة.
ثَمّة فرق بين مفهوم التطور ومفهوم التكيف، ففي الغالب حينما يذكر التكيف في سياق التطور فهو يُقصد به تطور حدث فعلياً على الكائن، في حين ذكر كلمة التكيف من المفترض أن تعني أنّ الكائن الحي يتفاعل مع بيئته فيقوم الدنا بتفعيل جينات معينة موجودة به سابقاً لتحاكي الظروف التي تعرض لها في البيئة، إذاً التكيف آلية موجودة مسبقاً في جينات الكائن وليست أمراً طارئاً عليه، وربط التكيف بالانتخاب الطبيعي أمر غير صائب، ولا يجب التطرق له خصوصاً بعد ظهور علم فوق الجينات وانتهاء هذه الفكرة القديمة.
وبقي أن نذكر قضية التهجين، فالتهجين ناتج عن اختيار صفات معينة مناسبة في الكائن من النوع نفسه، وتنتج عنها صفات مُفيدة لكن لا تنتج عنها صفات جديدة، فتزاوج إنسان طويل مع إنسان أزرق العينين ينتج عنه إنسان طويل وأزرق العينين، ولو زاوجنا طويل مع طويل يفترض أن ينتج إنسان طويل، لكن لا يمكن أن تنتج صفة جديدة كصفة الطيران، كل هذه الصفات موجودة ضمن حوض الجينات Genetic Pool وفي شيء آخر يطلق عليه الاختلافات فوق الجينية Epigenetic variation ولا توجد خصائص جديدة، كأن تقوم بخلط لون أصفر مع لون أحمر ويعطيك برتقالي، ظهور اللون البرتقالي موجود مسبقاً في النظام وليس أمراً جديداً خارقاً.
إنّ مناقشة نظرية التطور ومعارضة أي شيء فيها لا يعنى نبذ العلم، بل هي محاولة علمية كما سنرى لعرض العلم والرد على العلم بالعلم.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.