صورة 6 قرد التارسير

التارسير Tarsius هو أحد أنواع القردة البدائية الذي ينتمي إلى رتبة الرئيسيات التي ينتمي إليها الإنسان والقردة العليا، ومن المفترض أن تتوافق العلاقة الفيلوجينية بين التارسير وباقي القردة حسب شجرة الحياة أو السيناريو المكتوب في كتب التطور، لكن المُقاربات الجزيئية والجينية للتسلسلات الهرمية داخل شجرة التطور أظهرت شيئاً يختلف عن شجرة القرابة التشريحية المُفترضة، وذلك بعد دراسة المقارنات بين الجينات المسؤولة عن السيتوكروم بي التابع للميتوكوندريا، ويا للغرابة! وُضع التارسير ضمن أنواع مُختلفة بالكامل لا تربطها أي علاقة تطورية قريبة مع القرود، كما وأظهرت قرابة وطيدة تربطها بالحيتان والقطط والفئران، ليبدو أنّ التارسير أتم انفصاله عن باقي القرود قبل الحيتان والقطط بدلاً من أن تُظهِر المقاربة علاقة مباشرة للتارسير برتبة الرئيسيات وباقي القردة [52] [53].

ولكن ما هو هذا السيتوكروم؟

السيتوكروم هي مجموعة من البروتينات التي تُوجد في كل الأحياء داخل المملكة الحيوانية وتعمل كعوامل حفازة في عمليات الكائنات الكيميائية، وتتكون من 100 حمض أميني في تركيب بالغ التعقيد وهي متنوعة ومُختلفة ومن أشهرها السيتوكروم سي Cytochrome C، وقد كان العُلماء يُعلقون آمالاً كبيرة على دراسة تسلسل السيتوكروم سي باعتباره دليلاً جزيئياً على التطور في القرن العشرين، معتقدين أنّ متابعة التغيرات الطفيفة في تسلسلات الأحماض الأمينية المكونة له سيُؤَدِي إلى تتبع العلاقات التطورية وشجرة القرابة.

في البداية قدّم العلماء السيتوكروم سي كدليل على التطور، وكمثال فإنّ الاختلافات بين الإنسان والكلب ظهرت بفارق أقل مقارنةً بالاختلافات بين الإنسان والأسماك، تتماشى هذه الأدلة مع نظرية التطور إذ يجب أن يكون الإنسان أكثر ارتباطاً بالكلب منه للأسماك، لاحقاً، امتلك العُلماء مكتبة هائلة من البيانات عبر فحص تسلسل أحماض الأنواع المُختلفة بدءاً بالبكتيريا انتهاءً بالإنسان لغرض إعادة تتبع التغيرات وغيرت كل شيء، فقد قامت الدكتورة مارجريت دايهوف في مشروع أطلس بالتوصل إلى نتائج مخيبة للآمال بعد شراكة وأبحاث عديدة، وكانت نتائج مقارنة مصفوفات الأحماض مُخالفة لما يتوقعه الباحثون في مجال التطور.

وفقاً للعُلماء المُؤمِنون بالتطور، فإنه عبر تحليل الفروقات في تركيب بروتينات السيتوكروم سي؛ يمكن إنشاء البروتينات مثل سيتوكروم سي؛ لإنشاء شجرة تتطابق مع الأشجار التي تم إنشاؤها بالاعتماد على أدلة تصنيفية من كائنات مختلفة، أشار عالم البيولوجيا الجزيئية مايكل دينتون إلى أنه عند قياس نسب الاختلاف في تركيب السيتوكروم سي بين نوع محدد وأنواع أخرى فإنّ التغيرات تكون منتظمة، فمثلاً الاختلاف بين سيتوكروم سي في الحصان وسمك الكارب والأرنب والسلحفاة والضفدع والدجاجة يكون ثابتاً بحدود الـ 13%، وكذلك فإن الاختلاف بين سيتوكروم سي في البكتيريا وفي الحصان والتونا والخميرة والحمامة والقمح والعثة يتراوح بين 64% إلى 69%.

وهذا يناقض الفكرة التطورية بأنّ الأسماك أسلاف الضفادع، والضفادع أسلاف الزواحف، والزواحف أسلاف الثدييات، وإلا أليس من المفترض أن يكون الاختلاف بين السمكة والضفدع والزاحف والثديي في تركيب سيتوكروم سي تصاعدياً؟ أيضاً تُظهر المقارنات الجزيئية مسافات متقاربة جداً بين الأسماك والبرمائيات إذا ما قمنا بمقارنتها مع الزواحف والثدييات وهذه مشاهد معاكسة للتصور التطوري على مستوى درجات القرابة الجزيئية.

وعند التوغل أكثر سنجد المزيد، فالسيتوكروم سي في السلحفاة أقرب إلى الطيور مما هو عليه للثعبان، وهو من فصيلة الزواحف نفسها رغم علاقة القرابة التطورية، وليس هذا فحسب، بل وُجد أن الثعبان أقرب إلى الإنسان في 14 اختلافاً، مما هو عليه للسلحفاة (قريبته في شجرة التطور) إذ وُجد أنه يملك معها 22 اختلافاً.

وكان من المفترض أنّ البشر والخيول أكثر قرابة لأن كليهما من الثدييات المشيمية، ومُشتركين في سلف تطوري مزعوم أقرب من الكنغر الجرابي، إلا أنّ السيتوكروم سي في الإنسان يختلف عن الحصان في 12 موقعاً لكنه يختلف مع الكنغر في 10 مواقع فقط، ويبدو أنّ الدجاج والبطريق أكثر قرابة فيما بينهما من قرابتهما مع البط والحمام، والسلاحف أكثر قرابة مع الطيور منها للأفعى، والقرود والإنسان تختلف عن الثدييات المشيمية أكثر من الكنغر من الثدييات الجرابية بعيدة الصلة.

كثيرون من علماء البيولوجيا الجزيئية مثل ريتشارد إي ديكرسون مدير معهد البيولوجيا الجزيئية في جامعة مينيسوتا والبروفيسور الإيطالي جيوسيبي سيرمونتي أستاذ علم الوراثة يرفضون دلالة البيولوجيا الجزيئية على التطور، إذ يُعلق جوسيبى في مقاله قائلاً: “من وجهة نظر الكيمياء الحيوية فإن الحصان هو نفسه حشرة الحصان [54] [55] [56] [57] [58] [59] [60]”، أي أنّ جينات الحصان هي نفسها جينات أي حشرة، ولا يمكننا تحديد عبرها من هو الحصان من الحشرة، كذلك هُنَاك العديد من الدراسات الواضحة عن عدم وجود شجرة الحياة، إذ يحاول العُلماء معرفة العلاقات الشجرية لـ 1.8 مليون نوع، لكن لا يمكنهم تصنيف 23 نوعاً من الخميرة [61]، وسلسلة إخفاقات شجرة الحياة طويلة لا تنتهي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *