في الحقيقة، تُثَار قضايا التطور منذ سنوات في كل المحافل ودائماً ما يرتبط نقاشها بقضية الدين والإلحاد، فالمتدينون يرون أنّ الله خالق الكون والإنسان، والماديون يرون أنّ الطبيعة بالاعتماد على التطور والنشوء هي من أوجدت الإنسان، والتطور كما قال كارل ماركس أساسي في تفسير أسس التاريخ الطبيعي لآراء الماركسية، وهو بعيداً عن ماركس أقرب للكتاب المقدس أو للقرآن لمن لا يسلم بالإيمان الإلهي، ولكن ماذا عن العلوم والتقدم العلمي في مجال الطب والتشريح والكيمياء الحيوية وغيرها من العلوم؟ هل للتطور دور كبير وهائل فعلياً؟ للإجابة عن هذا السؤال ننظر ماذا يقول البروفسور مارك كيرشنر رئيس قسم البيولوجيا كلية هارفرد للطب، إذ يقول: “في الواقع، وعلى مدى السنوات المئة الماضية، وقد تقدمت أغلب فروع البيولوجيا باستقلال عن التطور إلا البيولوجيا التطورية نفسها! البيولوجيا الجزيئية، والكيمياء الحيوية، علم وظائف الأعضاء، كلها لم تتخذ التطور في الاعتبار”.

أعلم أنّ هُنَاك المقولة التي تقول بأنه لا يمكن فهم الحياة بعيداً عن التطور، لكن للأسف هذه المقولة غير صحيحة، فمئات الأبحاث وضحت أنّ تفسيرنا للأمور من وجه نظر تطورية أنتجت مُشكِلة وأعاقت تقدم العلوم، ولعلي أذكر في علم التشريح والوظائف الإنسان الأعضاء الأثرية -سنتطرق لها– والتي دمرت الملايين وأعاقت حياتهم وأفسدت الأبحاث لتأكيد النظرية رغم اتضاح أنها خطأ بالمطلق، وتأخير مثلاً تسجيل المساريق Mesentery وغيرها من الأعضاء ذات الوظيفة الأساسية، وكذلك في علم النفس إذ أدى الاعتماد على التطور إلى حدوث فجوة كبيرة أخرت العلوم لفترات لا بأس بها، ويمكن أن نقول أنّ الاعتماد على التطور وحده لتفسير الظواهر مُشكِلة، وقبول جميع التفاسير هو الحل، لماذا نفسر أن الجوع يحسن من عمل الخلايا بسبب تطور الإنسان في الغابة، ولا نفسره بعشرات التفسيرات الأخرى، بل إنّ وضع التفسير بهذا الشكل المباشر دون بحث وتأكيد لهو أشبه بالتفسير الديني، فكل شيء جاهز ولا يمكنك إعمال عقلك، وبعدها بعقود نكتشف خطأ التفسير بعد أن يكون البشر قد خسروا المزيد.

على مدار الـ 150 عام السابقة، تم وضع قوانين كثيرة للتطور، وذلك لتبيان أنّ التطور حقيقة علمية تخضع للقوانين والقواعد، وسنتناقش في الباب القادم فكرة هل نضع القاعدة بعد المشاهدة، أم نضع القاعدة قبل المشاهدة ونجري التجربة للتأكد وذلك في نقاش فلسفي علمي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *