في زمن داروين، كان العصر الكمبري هو أقدم عصر مكتشف (العصر كان قبل 544 مليون عام)، وكان هذا العصر يحتوي على مُشكِلة سميت لاحقاً بالانفجار الكمبري، فقد ظهرت حفريات وآثار ومتحجرات أغلب الطوائف الرئيسية في الكائنات الحية فجأة في السجل الحفري وبشكل مماثل لما هي عليه إلى اليوم، هذا الأمر حيّر داروين في كتابه أصل الأنواع [63]، ولحله اقترح داروين أنّ هُنَاك طبقات كانت قبل العصر الكمبري سنكتشفها لاحقاً وسنرى أنّ فيها كائنات أكثر وأعم من كائنات الطبقة الكمبرية لأنّ ما اكتشفناه من سطح الأرض شيئاً بسيطاً مقارنة بما سنكتشفه لاحقاً، وبالفعل بعد داروين اكتشف العُلماء المزيد من الأحافير والطبقات في الصين وكندا وجرينلاند، لكن بعكس ما توقعه داروين، فقد كانت الطبقات السابقة لا تظهر فيها كائنات كثيرة وقد ظهرت الكائنات فجأة كلها في العصر الكمبري كما لو أنها سقطت من السماء بالشكل الحالي نفسه، ولو أنّ أحدنا جالس يراقب الوضع في تلك الأيام، من المُفترض أن يرى كائنات تتساقط من السماء! وكعادة العُلماء المُؤمِنون بالتطور بخيالهم الواسع في محاولة منهم لحل هذا الأمر اقترحوا شيئاً سُمي بالتوازن المُشكل والذي يفترض حدوث تغيير سريع على الكائنات في مدة زمنية قصيرة ثم ركود بلا تغيير لمدة طويلة، ثم اخترعوا مفهوم التوازن المتقطع أو القفزات المفاجئة، والذي يفترض ظهور أنواع جديدة في سجل الحفريات فجأة بلا تدرج، ثم استقرارها لملايين السنين بلا تغيير، وكما يبدو هذا أمر غير دقيق، فأين ملايين السنين لحدوث طفرات جديدة، فضلاً عن ظهور كائنات جديدة!
حينما تفاجئ العلماء بأي فكرة تصدمهم، تلاحظ أنهم يقولون نحن نعرف هذا الأمر مُسبقاً فلا داعي للقلق، ثم يطلقون عليه لفظة مثل التوازن المشكل، أو الحبل المتقطع، وكأنهم بهذا المصطلح قد وضعوا حلاً للمُشكِلة وأجابوا علمياً عن التساؤلات، وهذه المشكلة تتكرر في كل المواضع التطورية.
رسم توضيحي 21 اقتراحات التطور لحل مُشكِلة الانفجار الكبير
يتفق الجيولوجيون على وجود ترسيبات عمرها 3 مليارات سنة في كل من أستراليا وأفريقيا، تحتوي هذه الطبقات على بكتيريا مُتحجِرة أحادية الخلية قادرة على البناء الضوئي، والطبقات من حينها إلى العصر الكمبري لم يحدث أي إضافة لها تُذكر مرتبطة بكائنات العصر الكمبري، وما وجده العُلماء قبلها هو بعض الكائنات المتعددة الخلايا التي لا علاقة لها تطورياً بالكائنات المُعقَّدة في العصر الكمبري، وبقيت هذه الصورة البسيطة إلى أن انتقلنا إلى الصين في ثمانينيات القرن العشرين واكتشف العُلماء أحد أقدم الطبقات في العصر الكمبري، إذ استغرب العُلماء من التشابه الكبير بينها وبين الكائنات الموجودة في يومنا هذا، ومن الغريب أنّ الكائنات كلها ظهرت في هذا العصر في مدة 10 مليون سنة فقط، وهي غير كافية لظهور طفرتين متتالين وتورثيهم للأجيال السابقة، فضلاً عن ظهور أنواع كاملة، والمقصود هنا بكاملة أي لها عيون وقلوب وأجهزة مُعقَّدة، هذه الدهشة دفعت العُلماء للإيمان أنّ الحياة ظهرت فجأة بهذا الشكل المُعقَّد فعلاً، وهُنَاك من استطرد منهم وقال إنّ فهمنا للتطور خاطئ، مُنبهاً على أنّ الأفرع في التطور وصلت من الأساس إلى أكبر تفاوت شكلي في وقت مبكر من تطورها [67]
حينما يقسم العالم الكائنات، يعتمدون غالباً على التقسيم السائد ألا وهو تقسيم لينيوس، إذ يقسمونها إلى ممالك مثل مملكة الحيوان ومملكة النبات، ثم يقومون بتصنيفها إلى شعب مثل شعبة الحبليات، ثم إلى طوائف مثل الثدييات، ثم إلى رتب مثل الرئيسيات، ثم رُتَيبة مثل النسناسيّات بسيطة الأنف، ثم رُتَيبة صُغرى مثل نسناسيات نازلة الأنف ثم فصيلة عليا مثل القردة العليا، ثم قبيلة مثل أشباه البشر، ثم جنس مثل الهومو، ثم نوع مثل الإنسان، هذا التقسيم الطويل الدقيق من المفترض أنه تطور على مدار ملايين السنين لتظهر الشعب ثم الرتب ثم الفصائل ثم الأنواع، لكننا رأينا في العصر الكمبري أنه كان جاهزاً! الأنواع والشعب موجودة منذ ذلك الوقت ولم تظهر لاحقاً.
وهذا كلام العالم جيفري شوارتز أحد منظري التطور حينما قال: إنّ المجموعات الحيوانية الرئيسية تظهر في السجل الأحفوري كما تظهر أثينا من رأس زيوس، تامة النضح متحمسة للانطلاق [68]، لذلك يؤمن العديد من العُلماء المُؤمِنون بالتطور اليوم بأن شجرة الحياة وآلية تطور الكائنات حسب الشجرة هي أمور غير دقيقة، ويجب حذف الشجرة بالكامل لأنها فشلت في كل بند من بُنودها، وإلى أن يحدث أن نجد اختراق ما قوي، سنقوم ببناء شجرة أو شجيرات من جديد [68].
شكل 33 كائنات ظهرت في العصر الأوردوفيشي
ثلاث كائنات ظهرت فجأة في العصر الأوردوفيشي، وهي 1- نجوم البحر Starfish، 2- عريضات الأجنحة Eurypterus، 3- المرجانيات المجعدة Tetracorallia
هُنَاك مشكلات كثيرة في السجل الأحفوري غير مرتبطة بالانفجار الكمبري منها مثلاً أدلة تطور أجنحة الحشرات، وتطور الفراشات ودخولها في الأطوار البينية، وأدلة تطور أجنحة الطيور أيضاً، بل وأجنحة الخفافيش وأجنحة السمك الطائر! فكيف أمسى للأسماك جناح والطيور ظهرت بعدها من المفترض، بل وتطور البكتيريا وتطور الزهور، فكل هذه الصور وجدت بضربة واحدة كاملة، وفي (شكل 33 كائنات ظهرت في العصر الأوردوفيشي). تظهر ثلاثة كائنات ظهرت من العدم في العصر الأوردوفيشي الذي يلي الكامبري مباشرة.
رسم توضيحي 22 من المفترض أن نجد ملايين الأشكال الانتقالية للنوع الواحد، فاستطالة القدم تحتاج لآلاف المراحل الانتقالية، فضلاً عن الأشكال الأخرى التي ستنتج من الطفرات ولن يكتب لها البقاء.
مرة أخرى إنّ الانفجار الكمبري يُبين أنّ الكائنات ظهرت فجأة إلى الوجود ولم تتطور، وهذه النقطة كافية لدحض كل مزاعم السجل الأحفوري، لكن لنكمل.
سمكة الكهوف الشوكية
تُعَد سمكة كويلاكانث من الأسماك الكبيرة والقديمة التي يقول العُلماء أنها من قبل زمن الديناصورات، وهي سمكة مُنقَرِضة عثر على بقايا لها في المستحاثات، وقال عنها العُلماء أنها حلقة الوصل بين كائنات البحر وكائنات البر، فهي تحتوي على صفات انتقالية بين الأجناس المُختلفة، وقد حدث هذا التطور العجيب قبل 70 مليون عام، وقد اعتدنا هذه الأرقام الكبيرة هذه التي لا معنى لها في تفسير المراحل الانتقالية.
يبدو أنّ العُلماء يحبون دائماً إكمال أحجيتهم مثل وجود سمكة في مراحل انتقالية كان يجب أن تعيش بالقرب من سطح الماء للانتقال لليابسة، وأبسط الطرق غير العلمية لدى العُلماء هو اتباع الأسلوب غير العلمي، فقالوا هي سمكة مُنقَرِضة وذيلها وزعانفها هي أقدام بدائية، وبعض أحشائها هي بداية نشوء رئة ولديها دماغ كبير، وهذا كله من آثار عظام لا يمكن الجزم بأجزائها الرخوية، لكن السمكة غير موجودة ولا أحد يرانا يا حبيبتي فدعينا نمارس ما نحب، لك أن تتخيل أنّ بناء صرح ضخم يتم عبر هذه الآلية البسيطة، وجد العُلماء آثار عظام فقالوا أنها حلقة وسيطة للانتقال إلى اليابسة قبل 70 مليون سنة، وتحولت هذه السمكة إلى عصفور اسمه الوينستكنون ثم إلى كائن يشبه القنفذ اسمه الششمونتوخ وهكذا، هذا ليس علم، أو هذا هو أحد عيوب العلم التي يجب ألا تجعله إله، سنتطرق إليه في الفصل القادم.
هذه النظرية العلمية أمست قاعدة في التطور منذ عام 1839م إلى أن وصل الصيادون إلى أعماق أكثر في المحيطات مع تطور التكنولوجيا المستخدمة، ثم حدثت المفاجأة في نهايات عام 1938م؛ إذ اصطاد أحد الصيادين سمكة كانت لغرابة الصدفة هي سمكة الكويلاكانث المُنقَرِضة!
صُدم العُلماء جداً في ذلك الوقت، وهي حسب قول العُلماء كالعثور على ديناصور حي في هذا الزمن، هي أحفورة حية تسبح في أعماق المحيطات، وهذه صدفة أخرى أنها لم تكن قريبة من السطح بل كانت في الأعماق، فهذا يعني أنها لم تكن أبداً مقربة من فكرة الانتقال إلى اليابسة، بعد تشريح السمكة أظهرت النتائج أنّ السمكة دماغها صغير لا يتعدى 1.5% من حجم تجويف الجمجمة وباقي ال98.5% هي دهون، والرئة هي مُجرَّد مثانة هوائية [69]، وأنّ الأقدام المزعومة هي لزعانف تمتد بعيداً عن الجسم لا أكثر.
عثر العُلماء بعد ذلك على أسماك كثيرة من هذا النوع، أكثر مما كانوا يتوقعون، بل وقاموا بتصنيف نوعين منها، ولكل منها اسم علمي مستقل ومنفصل، وكان سبب عدم ظهور هذا النوع هو أنها من أسماك الأعماق، ويعتقد العُلماء أنه قد يصل عمرها إلى 60 عام، ووزنها إلى 90 كليو جرام، وطولها قد يزيد عن 2 متر، صحيح أنّ السمكة معرضة للانقراض، لكن لحسن الحظ أو لرعاية المولى أو لرعاية الطبيعة مشكورة أظهرتها لنا قبل انقراضها لكي نناقش آلية نظرية التطور.
صورة 7 سمكة كويلاكانث المصدر: Simon Maina/AFP.
عثر صياد كيني على سمكة كويلاكانث عام 2011م، والصورة من عمال في المتحف الكيني يستعرضون السمكة الأحفورة الحية.
لاحقاً، أظهرت الحفريات أنّ السمكة يرجح عمرها إلى 410 مليون عام، وهذا رقم آخر لا معنى له في شجرة التطور لأنها غير دقيقة، فشجرة التطور تخبرنا أنّ الأسماك ظهرت قبل 470 مليون عام، وظهور سمكة مُعقَّدة جداً بعد 60 مليون عام من ظهور الأسماك أمر لا يمكن حصوله! إلا أنّ هذا الرقم يُعطينا انطباعاً أنّ الكائنات كانت بهذا الشكل منذ وجدت مرة واحدة ولم تتطور تدريجياً [70].
هذه السمكة كانت تحتوي على صفات وخصائص لربما سبقت الثدييات في شجرة التطور المتخيلة، فقد يكون لها مشيمة تغذي بها صغارها وتوفر لهم الأكسجين، ولديها عمليات إخراج الفضلات، كذلك فإن صغارها تخرج من أمها إلى الحياة كاملة النمو تقريباً جاهزة للانطلاق، كما وهُنَاك دراسات تخبرنا أنّ السمكة تميّز المجالات الكهرومغناطيسية، بل وقد تتواصل عبر الإشارات الكهربائية فيما بينها، أيضاً المُدهش في هذه السمكة أنّ جميع الأسماك العظمية Osteichthyes ما عدا الكويلاكانث تسد احتياجاتها من الماء عبر شرب ماء البحر المالح، ثم تتخلص من الملح الزائد عن حاجتها، بينما جسم الكويلاكانث المُعقَّد في نظامه يُحاكي نظام سمكة القرش الذي يصنف ضمن الأسماك الغضروفية Chondrichthyes.
وبعد تحليل دنا هذه السمكة، بات يُعتقد أنها أقرب إلى الأسماك الرئوية من باقي التصنيفات الأخرى، والجدير بالذكر يُعتقد أنّ هذه الأسماك الرئوية قد ظهرت قبل 270 مليون عام لكن سمكتنا ظهرت قبل 410 ملون عام! وفي الأسماك الرئوية تتنفس الأسماك الأكسجين الموجود في الماء فتتحور مثانتها الغازية إلى ما يشبه الرئة ثم يتم تحويل النشادر إلى بول، ويحبس هذا البول ذو المستويات المميتة -مقارنة بالإنسان- في دم السمكة، ثم يتم ضبط معدل هذه المواد الموجودة في الدم وفقاً لمعدل ملوحة الماء المحيط بها، ويسمح فك السمكة لها بأن تأكل أسماكاً كبيرة، كذلك أسنانها مناسبة لهذه العملية، كما أنّ عمودها الفقري معبأ بسائل، وسمكة الكويلاكانث تملك الإنزيمات اللازمة لإنتاج البول أي أنّ لها خصائص ليست موجودة في أي نوع آخر في الطبقة التي تندرج تحتها، وهي الخصائص نفسها لدى أسماك القرش التي تُصنف ضمن طبقة مُختلفة تماماً.
الكثير يقال حول هذه السمكة، ولكن ما قيل كافٍ، وكل هذا الإسهاب لنعلم أنّ كل بند صغير في شجرة التطور أو في المستحاثات تم بسببه تشييد مبانٍ ضخمة وهو محض خيال علمي، وإنّ الحفريات أو المتحجرات التي بنى عليها العُلماء وجود مخ كبير ورئة وأقدام وغيرها من الصور التي تبدو حقيقية هي نتاج خيال وليس علم، فالأجزاء اللينة الرخوة من الجسم بعكس العظام مثلاً لا يمكن أن تظهر بشكل نصف قطعي في الأحافير لكي نبني عليها فرضيات، أو أن نقوم برسم إنسان كامل مع زوجته وكوخه بسبب العثور على ضرس! كما فعل التطور في سن نبراسكا، ثم يقولون لك هذا علم! والعُلماء المُؤمِنون بالتطور يحاولون دائماً سد الفجوات الانتقالية، ولكن كيف يسدوا فجوة وهذه السمكة القديمة بقيت حية لهذا اليوم بعكس نظرية التطور، فتراهم يقولون، هي تتطور من يومها ببطء شديد لا نكاد نراه بسبب عدم وجود ضغط تطور واقع عليها كوجود عدو أو نقص في التغذية، لكن الحقيقة أنّ السمكة الحالية تقريباً هي السمكة نفسها التي عاشت قبل 410 مليون عام ولا تطور لافت حدث لها، وهذا ما يجعل العُلماء في حيرة من أمرهم، ورغم هذا لا يغيرون نظريتهم!
اترك تعليقاً