نجد في التشابه الوظيفي Analogies بين الحيوانات أنّ للطيور جناحين وللفراشة والخفاش كذلك، وهم كائنات مُختلفة تشترك في وظيفة الطيران في أجزاء معينة من جسدها، وهُنَاك التشابه البنيوي Homologies، إذ تقترب بنية العضو وتختلف في أدائها مثل عظام الجناحين في الخفاش وعظام الزعانف في الدلافين وعظام اليد في الإنسان، وقد لعب كلا التصنيفين دوراً أساسياً في التصنيف الحيوي لاحقاً، فالتشابه الوظيفي يشير إلى أنّ التكيف حدث بناءً على ظروف خارجية، والتشابه البنيوي يشير إلى وجود قرابة بنيوية عميقة ، واعتبر داروين أنّ التشابه البنيوي دليلاً دامغاً على التطور، واعتبر العُلماء من بعده أنّ هذا أمراً مقدساً لا نقاش فيه، بينما يرى الخلقيون أنّ التشابه البنيوي دلالة على وحدة المصمم، أو على بصمته.
يرى أي إنسان غير مختص أنّ رباعيات الأطراف كلها مثل الطيور والزواحف والثدييات متقاربة كما لو أنّ الأطراف مُشتركة ثم تكيّفت لاحقاً لتلائم مهمتها، ولعله يصدق أنّ الجينات الخاصة بجناح الخفاش هي الجينات الخاصة نفسها بيد الإنسان وقد تم توارثها من سلف مُشترك، وهذا أساس من أساسات الدارونية، وقد حاول العُلماء مراراً وتكراراً توضيح أنّ التشابه البنيوي ليس بسبب تشابه جيني، إلا أنّ القارئ غير المختص لا يعرف هذه المعلومات المختصة.
إنّ آلية إرسال الأمواج الصوتية للتعرف على المحيط في الخفاش تشترك في الجينات مع نظيرتها لدى الحيتان والدلافين [73] [74]، وإذا علمنا أنّ التطور يقول أنّ لكل من الحيتان والخفافيش سلف مختلف عن الآخر، فكيف تطورت نفس الأجزاء الوظيفية بنفس الجينات في كائنين مختلفين! هذا لا تفسير له إلا من خلال الأمرين التالين:
- أن يكون هناك سلف مشترك قديم جداً قد طور هذه الجينات وأبقاها مختفية إلى أن استخدمها الأحفاد بعد ملايين السنين، وهذا ينافي فكرة الانتخاب الطبيعي بالتخلص من الأعضاء الضامرة وكذلك فكرة تطوير الكائن صفات لا فائدة منها إلا بعد ملايين السنين دون هدف واضح.
- أو أن يكون مصمم جهاز الحوت للموجات الصوتية، هو مصمم الجهاز نفسه عند الخفاش، وهو يقول، إنها بصمتي، إنها الجينات نفسها أضعها كيف أشاء، بل وسأجعل جينات الحصان أقرب لجينات الخفاش منها لجينات البقرة! مع أنّ البقرة والحصان متشابهان بالشكل، في حين يختلف الخفاش والحصان كثيراً، بل سأجعل القطط والكلاب أقرب الكائنات للحصان، وليس البقر [75] [76].
من المُفترض حسب نظرية التطور أنّ أسلاف الرخويات قد انشقت عن الفقاريات في العصر قبل الكمبري [77]، وهذا يعني أننا كبشر نرتبط بديدان الأرض ونجم البحر أكثر من ارتباطنا بالأخطبوط، وعلى هذا الأساس يجب أن تكون عيون الكائن البسيط البدائية في السلسلة موجودة في الأخطبوط، لكنا نرى على العكس من ذلك فعلى الرغم من انحدار الأخاطيب في مرحلة أسبق في التطور، إلا أنها تتميز بنظام رؤية شديد التعقيد كالذي يميزنا نحن البشر كما في (شكل 35 التطابق البنيوي بين عين الأخطبوط وعين الإنسان).
شكل 35 التطابق البنيوي بين عين الأخطبوط وعين الإنسان [77].
إنّ بُنية عين الإنسان مُتشابهة مع بُنية عين الأخطبوط، ولكننا نعلم أنّ السلف المُشترك لكليهما لا يملك عيناً، وهذا الأمر وغيره من الأمثلة تُحتم على مؤيدي نظرية التطور إعادة تعريف التشابه البنيوي، فالتشابه البنيوي غير مرتبط بالسلف المُشترك كما يقولون، والتشابه في البنية والموضع لا يخدم الحقيقة، وعلينا الاتفاق على جزئية هل يفسر التناظر السلف المُشترك، أم أنّ التناظر يفسر التشابه البنيوي، فعين كل من الإنسان والأخطبوط متناظرتان وليس لهما سلف مُشترك، في حين تبين أنّ لأطراف الفقاريات أصل مُشترك.
ولكن، ماذا عن التحليل الجزيئي، هل يساهم في حل هذه المعضلة؟ للأسف لا دلائل العُلماء المُؤمِنون بالتطور ولا دلائل من هم ضدهم تنهي المُشكِلة هذه، فكل الدلائل ضعيفة، والخلاصة أنّ التحليل الجزيئي للدنا لا يمكن أن يثبت أو ينفي التشابه البنيوي، ولكن ماذا لو اتجهنا للسجل الأحفوري، هل يمكن أن يبين التشابه البنيوي؟ للأسف هو لا يكفي ولا يمكن الاعتماد عليه، ولا حتى يمكننا الاعتماد على النمو الجيني أيضاً، فمعظم أطراف الفقاريات على سبيل المثال، تنمو أصابعها من الأمام للخلف، أي في الاتجاه من الذيل للرأس، ونراه بوضوح يحدث في الضفادع، لكن السلمندر أحد أقرب أقرباء الضفادع يقوم بهذه العملية بطريقة معاكسة تماماً، وهذا يعني أنّ تطور السلمندر جاء من بيئة أخرى هذا لو افترضنا وجود التشابه البنيوي بناءً على النمو الجيني، ولحل هذه المُشكِلة الكبيرة، اقترح العُلماء أنّ السلمندرات تطورت وحدها باستقلالية عن باقي رباعيات الأرجل! وهذا أمر غريب جداً كحل بدلاً من رفض النظرية، وهُنَاك أمثلة أكثر قسوة لو سرنا على هذا المنوال.
لكن، ماذا لو اعتمدنا على الجينات؟ فحينها يجب أن نجد جينات اليد في الإنسان قريبة من جينات اليد في الحوت من حيث التسلسل والشيفرات، ولكن للأسف ما وجده العُلماء أنّ الصفات المتناظرة لا تستدعي بالضرورة أن تكون محكومة بمورثات مُشتركة [68]، بل والأكثر غرابة مما نتخيل، تتطابق بعض الجينات العادية التي تساهم في نمو ذبابة الفاكهة مع جينات لدى الفئران والديدان وقنفذ البحر، ولو قمنا بنقلها بين هذه الكائنات المُختلفة لما حدث أي تغيير! وهذا يقودنا إلى سؤال مهم، ما دام أنها الجينات نفسها بين الكائنات، لِمَ لا ينمو من جنين الفأر ذبابة فاكهة! هُنَاك أمثلة عديدة لا تُحصى على تشابه الجينات واختلاف الشكل أو البنية الناتجة، وهذا يقود العُلماء إلى تكثيف البحث في العوامل فوق الجينية أو ترك هذا الموضع بشكل عام والبحث في مكان آخر.
رسم توضيحي 27 جناح كلٌ من الخفاش والطيور.
تتكون أجنحة الخفاش من جلد ممدود بين عظام الأصابع والذراع، وفي الطيور تتكون من ريش يغطي كافة الذراع، وهذا اختلاف كامل بين جناح الخفاش وجناح الطيور وهذا يبين أنّ كلا الجناحين لم يتم توريثه من سلف مُشترك، وعلى مستوى أعمق الأمر نفسه بين يد الإنسان ويد القرد، هُنَاك اختلاف كبير لا يمكن أن نعزوه للتشابه البنيوي [78].
التفاسير الغائية لا توضح كيف ظهرت الأعضاء بل ولماذا ظهرت، التفسير الذي يقدمه العُلماء المُؤمِنون بالتطور بالإضافة إلى كونه اعترافاً ضمنياً بالغائية في الحياة، فإنه لا يُعد تفسيراً لكيفية ظهور هذا النمط من الأساس، فهو أشبه بشخص حاول تفسير ظهور السيارة بقوله إنّ السيارة قد وُجدت ليركبها الناس ويتنقلوا عبرها لمسافات طويلة دون تعب، وإن كان الخفاش قد طور يده في الغابة إلى جناح ليطير، وطور البطريق جناحه إلى مجداف ليسبح بمهارة، فهذا يعني أنّ التطور ذكي ويقيس البيئة ويفهمها ويسير بناءً عليها وليس أمراً عشوائياً، بل هو أمر ذو غاية، وإلا لماذا لم يتطور جناح البطريق إلى جناح جميل يشابه الطاووس، ولماذا لم يتطور جناح الخفاش إلى جناح خاص بالتجديف في الماء! أليس هذا ممكن عشوائياً! ويُضايقني في هذا المقام سماع جملة: ولا يمكن تفسيره إلا في سياق التطور، إنّ تقهقر الأجنحة وفقدانها لدورها الوظيفي الأساسي وهو الطيران وتحولها إلى مجداف أو دفة هو أمر يمكن فهمه بأنه تصميم دقيق، ولا يُمكن تفسيره في سياق الصدفة، إنها جملة تناقض العلم الذي يخبرك بالبحث في كل الخيارات، أما التطور فيخبرك أنه يجب ألا ترى إلا من خلال هذه النافذة، لماذا لا تكون الجملة، ويمكن تفسيره في سياقات منها التطور! وكأننا هربنا من سطوة رجال الدين، إلى سطوة رجال التطور.
يقول نيوتن: “هل يمكن أن تكون مصادفة أنّ كل الطيور، والحيوانات، والإنسان لها مواصفات الجانب الأيمن والجانب الأيسر نفسها –ما عدا الأمعاء الداخلية– (يقصد القلب في اليسار.. إلخ)، وعينان اثنتان فقط لا أكثر على جانبي الوجه وأذنان اثنان فقط لا أكثر، وأنف واحد بفتحتين وإما ذراعان أو جناحان وساقان ولا شيء أكثر، ألا تلفتنا تلك الوحدة الظاهرة إلى شيء سوى هيمنة وإشراف مؤلف قدير [79]”.
اترك تعليقاً