بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا وبدأ معها التلوث، ولُوحِظ أنّ أغلب الفراشات داكنة اللون بالقرب من المدينة أصبحت أكثر اسوداداً من غيرها بسبب التلوث المرتفع، إلى أن قام الطبيب وعالم الأحياء البريطاني برنارد كيتلويل بتنفيذ التجارب لتوضيح السبب وتوصل إلى أنّ الانتخاب الطبيعي هو السبب، فكيف ذلك؟
كان لون جذوع الأشجار في بلدة مانشستر فاتح اللون، فأصبحت العثّة ذات اللون الداكن التي تقطن الأشجار واضحة الظهور لأي نوع من الطيور التي تشكل طعاماً لها، بعكس الفراشات ذات اللون الفاتح التي بدت غير واضحة الظهور للطيور التي تتغذى عليها، لذا تعرضت الفراشات داكنة اللون أكثر للالتهام وتضاءلت نسبة نجاتها، هذا ما أوحت به تجارب الطبيب برنارد، كان ذلك مثالاً تطورياً دامغاً عند بعض العُلماء على الانتخاب الطبيعي.
لكن هُنَاك أمرٌ حيّرَ العُلماء! ففي مدينة برمنغهام ومدينة ويلز والمناطق الريفية كانت النتائج مُختلفة عن التجارب السابقة، لقد أيقن العُلماء بوجود عوامل أخرى تدخلت وسببت هذا التغيير في الفراشات، ففي الريف لا يوجد تلوث، ولكن هُنَاك زيادة في الفراشات الداكنة، لاحقاً حتى بعد تطبيق قوانين الحد من التلوث تناقصت أعداد العث الأسود في شمال لندن -كما كان متوقعاً– ولكنها ازدادت في الجنوب، هذا يعني أنّ الموضوع مُعقَّد بالفعل ولا يُفلح عامل واحد بتفسير كل ما يحدث!
وبعد أن قام العُلماء بالمزيد من الأبحاث اتضح عدم صدق الدراسات! بل وظهر التلاعب الواضح في التجارب والنتائج السابقة، فأغلب الفراشات بلونيها الفاتح والداكن تقف في الحقيقة تحت فروع الأشجار ولا تقف على جذوع الأشجار، أي أنّ الصور التي كانت في الأبحاث هي عملٌ مسرحيٌ بحت [68] وأنه حين أجرى العالم كيتلويل التجربة لتأكيد التطور بهذا المثال استخدم فراشات ميتة عبر لصقها على الجذوع بل واستخدم أنواعاً مُختلفة من الفراشات!
أصبح لدينا الآن تجربةً قائمة على أنّ الطيور تصطاد الفراشات الداكنة التي تقف على جذوع الأشجار وتراها بوضوح، وهذه التجربة أدت إلى ظهور فرضيات جديدة، بعد أن عرفنا أنّ هذه الفراشات تختفي دائماً تحت الأوراق وتكون غير ظاهرة، لذا لا تراها الطيور، فكل ما سبق من نتائج وخلاصات ونظريات يجب دحضها.
التعقيبات الأخرى على هذه القصة كثيرة، فالفراشات الداكنة لم تَمُت، لو افترضنا أنّ التجربة من الأساس صحيحة، وقلَّ عددها في هذه المدينة وازدادت في مدينة أخرى، ورأينا أيضاً أنه عند اختفاء العامل الطارئ، عادت الأعداد كما كانت والنسبة بين الفراشات الداكنة والفاتحة طبيعية، أي أنه لم ينتهِ النوع الأضعف، بل توارى وعاد من جديد، ولا يظهر الانتخاب الطبيعي أبداً فناء النوع، بل يظهر قلته وظهوره لاحقاً، أيضاً لم يحدث ظهور لنوع جديد أو صفة جديدة أو عضو جديد، كل هذه الصفات موجودة في الدنا ولا تغيير!
لاحظ أيضاً تحول الانتخاب الطبيعي الذي من المفترض ألا نراه من عامل فعال ومؤثر على مدى ملايين السنين إلى عامل فعّال ومؤثر في مدى سنوات فقط عندما يؤمن به التطور!
اترك تعليقاً