ضمَّ كتاب أصل الأنواع لداروين فكرةً أساسية في تطور الكائنات عبر مبدأ التهجين، واعتقد أنّ لتهجين الكائنات دورٌ كبيرٌ في بُروز الصفات الجديدة، ولكن، ما هي حدود التهجين؟
حدود التهجين معروفة ثابتة فلا يمكن لأعضاء من أجناس مُختلفة الإنجاب، بل يتم الإنجاب في النوع نفسه فقط، أما عملية التزاوج فهي بعيدة عن الإنجاب وهي ممكنة جداً بين الأجناس، فنرى بشر يتزاوجون مع الحمير أو الخنازير أو الأفاعي أو حتى الدلافين، البشر معروفين بحبهم للتجاويف، لكن هذا لا ينتج عنه أي عملية إنجاب (إخصاب).
يمكن إخصاب وتهجين كائنات قريبة من سلالتين مُختلفتين Subspecies، ويمكن أن ينجح الإخصاب بدرجة أقل نتيجة لتزاوج نوعين مُختلفين Species في نطاق الجنس الواحد Genus، وفي الأغلب ينتج في الفصيلة نفسها حيوانات عقيمة مثل تهجين الحمار والحصان إذ ينتج بغل، والفرس والحمار الوحشي ينتجان الحصان المزرد.
وهُنَاك حالات نادرة للتزاوج بين جنسين مُختلفين Genera مثال على ذلك الماعز والخروف، لكن في الغالب كلما تباعد الأب والأم في التصنيف فإن الهجين يأتي عقيماً أو مريضاً ولا يعيش طويلاً أو يُولد ميتاً، وهُنَاك محاولات حديثة لتهجين على مرة ثانية مثل:
- Liger: أو الأسد الببري، هو نتاج زواج ذكر الأسد مع أنثى النمر يتميز بأنه أكبر حجماً من كلا الأبوين اللذان هُجِّن منهما، حتى أنه يُعد أكبر حيوان من فصيلة السنوريات في العالم، إذ يصل طوله إلى ثلاثة أمتار ويبلغ وزنه 550 كيلو جرام.
- ومن المعروف أنّ الهجين غالباً لا يكون الاختيار الأمثل في بيئته، فمثلاً الأسد الببري يكون ضخماً جداً، فيفقد بذلك قوة انقضاض الأسد ويفقد كذلك خفة وسرعة النمر.
- Tigon: التايجون هو نتاج زواج أنثى الأسد بذكر النمر.
- Litigon: اللاتايجون وهو هجين جيل ثانٍ جديد نتاج زواج أنثى التايجون بذكر الأسد، وقد حدث هذا الأمر المُدهش لأول مرة عام 1971م.
- Tiliger: الملاطون هو هجين جديد جيل ثانٍ من نتاج ذكر النمر بأنثى الأسد الببري وقد حدث هذا الأمر لأول مرة عام 2007م، وعلى الرغم من عقم ذكري اللايجر والتايجون إلا أنّ أنثى اللايجر من الممكن أن تنجب، وقد يصل طول التيلايجر إلى أربعة أمتار، ويصل وزنه إلى 600 كيلوجرام، وكما هو مُلاحظ في الصورة أنّ النمر السيبيري يبدو أمامهم قزماً، رغم أنه في العادة أكبر النمور على وجه الأرض.
صورة 9 الملاطون مقارنة بالنمر الببري.
هُنَاك تهجينات أخرى عجيبة أكثر بين أصناف السنوريات، لكن هذا الزواج محرم في الطبيعة، إذ ينتج عنه أبناء مرضى محملون بالسرطان، عمرهم أقصر بكثير من النوع الأصلي، كما أنّ هذا الزواج محرم في بعض الدول لأنه غير أخلاقي.
نعود إلى موضوعنا، وهو تهجين الإنسان بالقرود! الأمر ليس مزحة لأنه مطروح عند العُلماء المُؤمِنون بالتطور، إذ عكف منذ بدايات القرن العشرين الكثير من العُلماء على تجارب غريبة لمحاولة إثبات هذه الرؤية الحيوانية للإنسان وتأكيد قرابته مع الشمبانزي الذي يعدونه أقرب الحيوانات (في وقتهم) إليه، وأنهم يتبعون العائلة نفسها في القردة العليا، خصوصاً أنّ فارق الكروموسومات بينهما صغير؛ فالبشر لديهم 46 كروموسوماً بينما الشمبانزي 48 كروموسوماً، وهذا يقارب حالات التهجين التي يتم إجراؤها مثلاً بين نوع الحمار 62 كروموسوماً وبين نوع الحصان 64 كروموسوماً فينتج البغل ولكنه يكون دوماً بغلاً عقيماً (63 كروموسوماً)، وهو ما يعني نظرياً أنه يمكن التهجين بالفعل بين الإنسان والشمبانزي، وقد أجرى علماء بعضهم كان قد حصل على جائزة نوبل هذه التجارب، وجرى في بعض هذه المحاولات عمليات تلفيق مثل تجربة تهجين القرد أوليفر، فقد ادّعوا أنه هجين ناجح واتضح لاحقاً أنه قرد فاشل.
وأنواع هجين كثيرة تفقد شكل فرائها الذي تتخفى به في بيئتها، أو تفقد صفات تحميها من الحر أو البرد، هذا يعني أنّ الانتخاب الطبيعي أو الطبيعة لا تشجع على استمرار هذا الهجين فضلاً عن أنه عقيم، وحتى لو تم تلقيح ذلك العقيم صناعياً بالوسائل الحديثة الموجودة في الطبيعة فإنه يعود من جديد إلى صفات الأبوين نفسها ولا يظهر له عضو جديد تماماً، مثلاً ظهور عضو لم يكن فيهما، مع ملاحظة أنّ كل ما يحدث في التهجين يتم من خلال حوض الجينات، ورغم كل تلك الحالات المتنوعة للتهجين التي رأيناها الآن إلا أنه لا يقع أبداً بين الإنسان وأي حيوان آخر مهما تقارب معه في العائلة أو في التصنيف العام (ثدييات مثلاً)، حتى لو تقارب مع الإنسان في عدد كروموسوماته الـ 46، لأنّ الإنسان كائن كامل مُستقِل يختلف عن باقي الكائنات.
اترك تعليقاً