في القرن الماضي أشار بحث إلى أنّ الشُذُوذ الجنسي سببه خللاً جينياً وليس مرضاً نفسياً، وهذا الجين موجود على الكروموسوم X في الموقع 28 (xq28)، أي أنّ الشاذ جنسياً مجبولٌ على مُمَارسة الشُذُوذ وليس بإرادته وليس عيباً نفسياً، وعلى هذا فإنه لا يحتاج إلى علاج نفسي، بعد هذا البحث تقريباً بدأ كل مجمع للطب النفسي حول العالم بحذف الشُذُوذ الجنسي من قائمة الأمراض النفسية، وأصبح الأطباء يقولون لأي شخص شاذ يرغب بالعلاج من الشُذُوذ: أنت لست مريض بل لديك جين الشُذُوذ الجنسي (Gay Gene)، لذلك لا حرَجَ عليك، مارس واستمتع.

لاحقاً، ظهرت دراسات كثيرة نفت بحث جينات الشُذُوذ ثم تم حسم الأمر في التسعينيّات بعدم وجود جينات للشُذُوذ، وباتت الدراسات تؤكد أنه لا وجود للشُذُوذ جينياً رغم محاولات البعض، وعادت بعض المراجع تصنف الشُذُوذ كمرض نفسي ويحتاج إلى علاج.

أما أسباب الشُذُوذ فكثيرة، إذ يُشكل العنف الأسري عاملاً مهماً، كذلك التعرض للاستغلال أثناء الصغر، وهُنَاك مشكلات نفسية سببها التفكك الأسري؛ فقد اعترف في دراسة 84% من المثليين الذكور أنّ آباءهم كانوا لا يهتمون بهم في صغرهم [103]، وهُنَاك أسباب أخرى مثل المشاكل الهرمونية، وقلة الأصدقاء في الصغر إذ تؤدي إلى حالة من عدم تحديد الهوية الجنسية.

لم يقُم أي عالم بإثبات جينات الشُذُوذ لاحقاً، بل حتى من نشر من العُلماء المتشجعين لهذا الأمر أبحاث كالعالم دين هامر عاد وتراجع عن كلامه قائلاً: “إنّ العُلماء يعتقدون أن هذا الجين ليس موجوداً من الأساس”، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، فهو يعتقد أنّ أي محاولة لإثبات وجود هذا الجين هي محض هراء! هل تلاحظ معي الأمر؟

حتى دراسة دين هامر تم إعادتها على العديد من الشواذ وثبت أنها غير صحيحة، وهذا ما جاء في الدراسة المنشورة في مجلة سينس للدكتور جورج رايس وفريقه، فقد تم تجربتهم على عينة أكبر بكثير من عينة الدكتور دين هامر، ها قد أصبحنا نعلم أنه من المُستحيل أن يرتبط جين واحد بصفة جسدية، فما بالك وجود جين مرتبط بصفة سُلُوكية.

أُجريت دراسات كثيرة أخرى على التوائم الشاذين وأثبتت أنه ليس هُنَاك علاقة للجينات بالشُذُوذ فأحد التوائم كان شاذاً أما الآخر فلم يكن شاذاً، فبعد دراسة حديثة على نحو 470 ألف شاذ جنسياً، بينت الدراسة أنه لا يوجد أي جين مفرد مسؤول عن الشُذُوذ، مثلما كان يُعتقد سابقاً وجود جين مسؤول عن الشُذُوذ [104].

دراسة أخرى تدّعي وجود خمس جينات مُشتركة بين الشاذين، ووصف البروفيسور جانا أنّ تأثير هذه نقاط “تأثيراً ضئيلاً للغاية” وأنها تفسر مجتمعة “ما هو أقل بكثير من واحد في المائة في فروق سُلُوك المثلية الجنسية”، والمتغيرات الوراثية للشخص لا يُمكن أن تتنبأ على نحوٍ قاطع باحتمالية الشُذُوذ، وأشير هنا إلى أنّ العُلماء لديهم لُغة جميلة، فهم لا يقولون مُستحيل، أو كلياً، بل يقولون بشكل غير قاطع. هُنَاك أيضاً آلاف المتغيرات الوراثية التي ترتبط بتلك الصفة، ولكل من هذه المتغيرات تأثير ضئيل للغاية، أي باختصار أنّ الموضوع غالباً له علاقة بالبيئة، والتي لها علاقة بالعوامل فوق الجينية، ولا يمكن الاعتماد على الدنا وحده، ثم خمس متغيرات جينية فقط! فلو كان الموضوع حقيقياً، يجب أن نجد 100 جين على الأقل بنسبة واضحة قد تزيد عن 80%، لأننا نعلم كم أنّ العملية الجنسية مُعقَّدة ومئات العوامل تتداخل لحدوث الميول أو الشعور إن لم تكن أكثر، وتؤكد الورقة العلمية هذا الأمر بأن أنماط البشر السُلُوكية شديدة التعقيد، وليس من الصواب الاعتماد على الأسس الحيوية لتفسير السُلُوك الجنسي المثلي، ونظراً إلى أنّ معرفتنا عن الجينات “بدائي للغاية” العُلماء مرة أخرى مؤدبون، يقولون مُعقَّدة (أي مُستحيل دراستها الآن) و”بدائي للغاية”.

وهذا أدّى ببعض العُلماء إلى ربط الأمر بالعوامل الفوق جينية وليس بالجينات نفسها محاولة لإيجاد مخرج ما، ولكنهم غير متأكدين، يقولون قد يكون الأمر هكذا، وأيضاً قد تحبني سكارليت جوهانسن ونهرب سوياً إلى جزيرة ما، ولكن لماذا لا يزال الموضوع قائماً حتى هذا اليوم؟

الإجابة السهلة وهي: إنّ كسر أي قاعدة هو أمرٌ نُخبويٌّ جديد، ويا حبذا لو كانت هذه قاعدة دينية فهي ستُعتبَر انتصاراً جميلاً، ثانياً إنّ الأمر مُمتِع للبعض، الشُذُوذ مُمتِع وحلب البروستاتا مُمتِع للرجال Prostate Milking، ثالثاً هُنَاك نظام يبيع ملابس وأدوات ودورات وغيرها يتكسّب به ملايين الأشخاص حول العالم.

لدينا بعض البشر لديهم مثلاً نزعة عدوانية أو إجرامية أو عصبية أو حتى شبقية، فهل هذا يسوّغ لهم ما يفعلونه؟ هل لأنني أملك هرمونات زيادة تجعلني عصبياً، يمكن لطبيبي النفسي أن يخبرني أنت خلقت هكذا، وتصرف على سجيتك واغضب على من تشاء، أو أنت عزيزي المجرم افعل ما يحلو لك في إجرامك ولا عتب عليك.

فيما يخص شُذُوذ الحيوانات، يستشهد البعض أنّ بعض الحيوانات تمارس الشُذُوذ، وأنا ما زلت أستغرب من ربط سُلُوك البشر بالحيوانات، البشر الذين لديهم حُريّة الاختيار، لديهم التضحية والوفاء والارتباط والتعهد والصدق والأمانة والمفاضلة وغيرها من الصفات والمزايا غير الموجودة لدى الحيوانات، فهل الحيوانات ترسم أو تخطط أو تتأسف أو تعزف الموسيقى، كلا فلماذا ربط الإنسان بالحيوان في سُلُوكه؟ حسبك أنّ للحيوانات سُلُوكيات غير موجودة عند البشر، كقتل الإماء لأبنائها في بعض الحيوانات وأكل الإناث للذكور وغيرها من السُلُوكيات المُختلفة عنا نحن بني الإنسان، كل كائن حي يختلف في نوعه عن باقي الكائنات، وإلا لماذا سمي النسر نسراً والصقر صقراً والحمار حماراً.

أمّا الشُذُوذ في الحيوانات فالدراسات توضح أنّ سبب ظهوره أحياناً في بعض الحيوانات ليس لأسباب جنسية، فمثلاً تمارس الذكور الفائزة هذا الفعل على الذكور المهزومة كنوع من الهيمنة والتَفُوق وإثبات الفحولة لدى الإناث، أيضاً هُنَاك مشكلات في الشم لدى بعض الحيوانات إذ لا تُميز بين الذكر والأنثى وغيرها من الأسباب، لحظة! لا يوجد هُنَاك حيوان مثل الإنسان يمارس الجنس لأجل المتعة إلا نادراً جداً، فمفهوم الجنس لدى الحيوانات مرتبط بالتكاثر، ولا يرتبط بالمتعة كما البشر.

توضح الخبيرة سارة هارتويل أنّ القطط على سبيل المثال تقتل أبناءها بعد أن تختلط عليها الإشارات، إذ تتداخل لديها إشارات القتل وإشارات الصيد على أنه سُلُوك شاذ وسببه هرموني وليس سُلُوكاً طبيعياً، ويؤكد البروفيسور سيزار أدس عالم السُلُوك الحيواني وعلم النفس في جامعة São Paulo أنّ الذكور في عالم الحيوان حينما تتزاوج فهي تتزاوج للتعبير عن القوة فقط وليس من باب جنسي، وهذا ما يؤكده جاك لين شولتز في عالم الكلاب، إذ تتزاوج ذكور الكلاب للتعبير عن السيطرة والسيادة، أو قد يحدث أحياناً بسبب وجود مُشكِلة في حاسة الشم فلا يميز الكلب الأنثى من الذكر، ويؤكد أيضاً البروفيسور أنطونيو باردو المتخصص في أخلاقيات علم الأحياء Bioethics والبروفيسور تشارلز دبليو سوكاريديس على أنّ الشُذُوذ الجنسي غير موجود عند الحيوانات لأسباب جنسية، بل هو مقتصر على البشر.

ماذا عن الشُذُوذ الجنسي والتطور؟ كيف يفسر الانتخاب الطبيعي الشذوذ؟ من المُفترض أنّ الانتخاب الطبيعي يمسح الشُذُوذ الجنسي في سلالة البشر فهو عيب لا يتناسب مع مبدأ التكاثر ولا مع مبادئ أخرى، كذلك لو تكلمنا من وجهة نظر الجين الأناني، فالجين الأناني يلغي فكرة الشُذُوذ! ماذا لو قمنا بجمع الشاذين من الذكور والإناث في مدينة ما لمدة مائة عام؟ هل سترى بعد مرور المائة عام أي شخص في المدينة؟ بالطبع لن ترى سوى بقايا لبيوتهم وبعض العظام، وهذا ما يؤكد أنه مُنافٍ للطبيعة وللتطور لو أردنا الحديث من ناحية مادية بحتة، فالطبيعة مع حفظ النوع من الانقراض، والشُذُوذ يقول لك انقرض بهدوء، ثم فرضاً كان هناك جين شاذ، وتلاقي في ذكرين تزاوجا، كيف سينتقل الجين للأجيال التالية؟ عبر الهواء! من الطبيعي أن ينقرض في هذين الذكرين لأنه لن يحدث إنجاب.

تصف أحد الدراسات أنّ النظرية حول وجود جين الشُذُوذ تم تضخيمها كثيراً وتسويقها على أنها حقيقة علمية إلى أن تناسى العالم أنها نظرية للأسف [105]، وللأسف هذا ما يتم نشره إلى يومنا على الرغم من أنّ العُلماء ليسوا متأكدين من شيء بعد، لكن على الأكيد ألمانيا تمنعك من الزواج بامرأتين، لكن إن رغبت بالزواج من صديقيك فلا مُشكِلة!

أشار أستاذ الطب النفسي الحاصل على وسام التميز في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز الدكتور بول آر ماكهيو والذي له إسهامات عديدة متنوعة قائلاً: إنه لا يوجد شيء اسمه جينات المثلية الجنسية، بل وحتى أنّ المثلية هي رغبة خاطئة لا أكثر، وفي دراسة أخرى قام طبيب نفسي بمعالجة 200 مريض نفسي بالشُذُوذ من الجنسين وعادوا لرشدهم تماماً [106] باستخدام العلاج الترميمي، وهذا يؤكد أنّ الشُذُوذ مرض نفسي وليس جينات ثابتة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *