إنّ مصطلح Devolution الذي يمكن أن يترجم إلى التهدم أو التقهقر أو التبوّر أو الانحطاط أو الانحدار (الحيوي) هو مصطلحٌ حديثٌ بدأ يبرز في السنوات الأخيرة نتيجة للأدلة الواضحة على أنّ الكائنات لا تتطور للأمام، بل تتطور للوراء backward evolution، بمعنى آخر أدق: إنّ الكائنات تخسر مزاياها ولا تكتسب الجديد كما هو كان مُتوقعاً، الكائنات آخذة بالانحدار إلى الهاوية عبر خسارة الكثير من المزايا والخصائص والفوائد إلى أن تفنى حرفياً، هي متجهة حسب نظرية التطور للأشكال السابقة لتطورها، للأشكال الأقل تطوراً.

هناك فكرة تنبع من عدم وجود غاية للتطور، فإذا كان الإنسان لا يلزمه أن يكون في الغابة كالسابق، لا يعيش في رعب وليس بحاجة إلى عضلات قوية ليدافع عن نفسه، فهو حتماً سيخسر كل هذه الخصائص في سبيل الراحة الحديثة، وهذا لتقريب الفكرة، التطور يسير حسب الانتخاب الطبيعي والطفرات وغيرها، ومن الممكن أن يسير للأمام والخلف، فهو غير عاقل ولا هدف مُحدد له.

تُعتبر طيور البطريق مثالاً مباشراً على التطور الرجعي، فهي لم تستخدم أجنحتها كباقي الطيور وهذا ما ظهر في حفريات يصل عمرها إلى 60 مليون عام، لذلك فقدت قدرتها على الطيران بالكامل أو أي عمليات كانت مرتبطة بها، ويحاول التطور الرد بأننا نفترض أنّ الطيران بطبيعته هو نقطة النهاية التي يعمل عليها التطور، وهو أمر غير صحيح، وهي إجابة لا أراها منطقية مع التطور، كذلك الأسماك المخاطية Hagfish حسب الحفريات المكتشفة كانت تملك أعين ترى بها بفعالية قبل 300 مليون عام، أمثلة أخرى سنتطرق لها أكثر في هذا الفصل [107]، وهذا هو المنطق في الكائنات، فالكائنات الكاملة بالشكل الحالي تفقد بسبب آليات الانتخاب الطبيعي والطفرات والانحلال الجيني الكثير من الخصائص، إنها عوامل نحت وتعرية الكائنات الحية.

الانحلال الجيني

الانهيار الجيني Genetic Entropy هو انحلال جينات Genetic Degeneration الكائنات الحية، إذ تتكسر الجينات وبيانات الكائن الحي، وهو حقيقة حيوية فيها جينيوم المخلوقات الحية ينتكس أو يفقد معلوماته ببطء نتيجةً لتراكم الطفرات الضارة.

بيّنت دراسة حديثة [108] أنّ كل شخص في كل جيل يُوَرِّث ما متوسطه 100 طفرة وراثية إلى أبنائه، وتؤكد الدراسة على أنّ القليل جداً جداً من هذه الطفرات مُفيد، أما الباقي فهو ضار ولربما له تبعيات قاتلة، والموضوع هذا موغلٌ في القدم، فعلى سبيل المثال هُنَاك أدلة على أنّ أحد الأجناس القديمة Homo floresiensis قد أصابها انتكاساتٌ جينيةٌ أدت إلى صغر حجمها وصغر حجم عقلها حتى صارت عرضةً للأمراض، بل حتى كل الأجناس الأخرى والمراحل التطورية التي يزعم العُلماء المُؤمِنون بالتطور للإنسان أنها قد مرت بنوبات متتالية أدت إلى حدوث تطور اختزالي Reductive Evolution مما أدى إلى انحدارها.

كما أنّ هُنَاك دراساتٌ علميةٌ واضحة أُجريت على الحيوانات مثل الماموث، أظهرت حدوث انتكاسات قادت الحيوانات إلى انهيارٍ جينيٍّ حدث بسبب الطفرات Mutational Meltdown مما أدى إلى فنائها، وانهيار الطفرات هو تراكم الطفرات الضارة مما سبب مشاكل في التنوع الجيني ومن ثَم ضعف التبادل الجيني ومن ثَم الانقراض [109] فالماموث الصوفي كان مرجحاً أنه انقرض لأسباب مثل تغيّر المناخ، أو بفعل البشر أو النيازك، لكن الدراسات الحديثة تفيد بأن السبب الحقيقي هو أنّ الماموث الصوفي قد انهار جينياً وذلك منذ 4 آلاف عام فقط في جزيرة في القطب الشمالي احتوت على مجموعة عانت من العيوب الوراثية.

يَمُر كلٌّ من الحيوانات والبشر بنفس مستوى الانهيار على مدار كل عام [110]، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النباتات، فقد بيّنت دراسة أُجريت على نبات الكاسافا حدوث هذه المُشكِلة [11]، بل حتى المخلوقات الأدنى مثل الفيروسات تواجه هذه المُشكِلة الشائكة [111]، إذ يجب على كل فايروسات الـ RNA أن تكون أصغر سناً ب 50 ألف سنة على الأقل وذلك في أسوأ تقدير؛ إذ تظهر دراسات فايروس H1N1 الخاص بالأنفلونزا أنّ التحلل فيه يسير بشكل أسرع من اللازم.[111].

هذا يعني أنّ الزمن يسير عكس نظرية التطور وليس معها، فالأنواع تفقد مزاياها وتنتكس جيناتها، والمعلومات الجينية تنقص ولا تزيد، وهذا ما يوضح سبب عدم تطور أي بروتين نعرفه.

رسم توضيحي 40 الانحدار أو التقهقر، هذا ما يأمل العُلماء حصوله في فايروس Covid19

 

التنوع الجيني

يُؤَدِي التنوع في الجينات Genetic Diversity الموجودة في الجنس الواحد أثناء عمليات التزاوج إلى ظهور صفات مُختلفة ومزايا متنوعة، وكلما زاد التنوع الجيني امتلك النوع قدرة أكثر على تحمل الظروف، وهذا مظهرٌ حيويٌ مهمٌ لحفظ الأنواع من الانقراض، وللأسف ما نراه أمامنا أنّ الأنواع تتجه إلى الانقراض بدلاً من الانتشار والانفتاح، ولو قام عالمٌ ما بدراسة مستوى تدهور الجينات لرأى نهاية العالم.

تشير دراسة حديثة إلى أنّ 93% من البذور المُختلفة التي بيعت في الولايات المتحدة منذ عام 1903 قد انقرضت عام 1983!، إنّ 93% نسبة كبيرة وضخمة لتحدث في غضون 80 عام، ولو تحدثنا عن 80 عام أخرى فنظرياً 93% من الـ 7% المتبقية ستنقرض، وهذا ما يترك لنا رقماً ضئيلاً من الأنواع، هذا خلال 160 عام فقط! وهذا يخالف كل توقعات التطور، فالأنواع تنحدر وتنقرض ولا تتطور [112].

رسم توضيحي 41 انحدار البذور.

من بين سبعة آلاف نوعٍ من التفاح كان ينمو في القرن التاسع عشر، يتوفر منها بضع مئات فقط في القرن العشرين، ويعتقد العُلماء أنّ السبب يعود إلى الانتقاء أو الانتخاب الصناعي وإلى التعديل الجيني الذي أُجريَ على النباتات الأمر الذي أدّى إلى سرعة التحلل الجيني genetic degradation وضياع الأنواع.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *