إنّ كثرة الطفرات الضارة في جينات النوع الواحد من الكائنات الحية في منطقة محصورة، وانتقال هذه الجينات إلى الأبناء يُؤَدِي إلى كارثة جينية تسمى الانهيار الجيني Genetic meltdown، هذه الظاهرة منتشرة جداً في الفايروسات وهي موجودة للأسف في الكائنات العليا كالرئيسيات، ونسبة الطفرات المُفيدة للطفرات الضارة قد تساوي صفر!، إذن لا يحدث موازنة لكفة الجينات الضارة.

تم ملاحظة ورصد هذه الظاهرة في العديد من الكائنات الحية مثل نمر فلوريدا، وغوريلا السهول الشرقية، وهو نوع من الغوريلا يعاني من نقص من التنوع الجيني بين أبناء جنسه، فقد تم أخذ مجموعة من العينات على مدار عدة أجيال ودراستها، فكانت النتائج توضح أنّ الأجيال اللاحقة أكثر عرضة للأمراض الجينية، وأقل قدرة على التكيف في التغييرات المناخية، وصنفت بعض هذه النواقص على أنها نقص حقيقي في العملية الحيوية وليس مُجرَّد نقص بسيط.

تُظهِر بعض الدراسات أنّ البشر يعانون من هذه المُشكِلة، فنقص الخصوبة وضعف جهاز المناعة أحد أهم نتائجها، والمتاحف والبنوك الخاصة بالكائنات الحية تعطينا الكثير من المعلومات المُفيدة في هذا العصر لم تكن متاحة قبل مائة عام، فهي تحفظ عينات العظام والأسنان والوبر وغيرها من الأجزاء التي تحتوي على الجينات، وعلى هذا فإنه يمكننا إجراء مقارنة واضحة، فقد أظهرت المقارنات أنّ الكائنات الحية بحاجة إلى إنقاذ جيني Genetic rescue لأنها تفقد معلوماتها، كالكتاب مع الزمن تبهت وتختفي حروفه.

يُؤَدِي هذا الانهيار في النهاية إلى فناء النوع لأنه لن يستطيع العيش في ظل جسد هزيل مريض لا يستطيع مواجهة البيئة ويطلق العُلماء على هذه الظاهرة مصطلح دوامة الانقراض extinction vortex [113].

كذلك هُنَاك ظاهرة التآكل الجيني Genetic erosion، وهي عملية تتناقص فيها الصفات الجينية المحدودة للأنواع المهددة بالانقراض أكثر، لأنه لا يوجد حوض جينات واسع لتناقله بين النوع، فيصبح النوع غير قادر على تحمل الظروف المحيطة القاسية.

تغير الكائنات

إنّ جميع أنواع التكيف التي نلاحظها هي عبارة عن جينات وراثية موجودة سلفاً في الحوض الجيني للكائن ويتم تفعيلها حسب الحاجة فقط، وليس هُنَاك صفة أو وظيفة تظهر من خارج الحوض الجيني للنوع، وأقرب مثال هي البكتيريا وتحديداً بكتيريا Escherichia Coli الهاضمة للسترات، حين وضعها في ظروف أدت إلى غياب الجلوكوز التي تتغذى عليه تم تفعيل جينوم هضم السترات وتحويله إلى جلوكوز، وقد كان الجينوم المشفر خاملاً خارج منطقة النسخ الرنا لكن عند الحاجة تم مضاعفة نسخه Gene Duplication وفك تشفيره وتفعيله، فلا توجد معلومة جديدة تمت إضافتها من خارج الحوض الجيني للنوع وهذا ما قام بإجرائه لينسكي في تجربته التي سبق ذكرها في التطور الصغروي والكبروي [114]، وقد اكتشف العُلماء أنّ فرط الحساسية تجاه اللاكتوز lactose tolerance يتم تنظيمه بواسطة العوامل فوق الجينية، مثل مَثيلة مستويات من جينات MCM6 و LCT، [115] وهذا ليس نتاجاً تغييراً تطورياً بعكس ما كان يُعتقد سابقاً، وقد وتم مقارنة بكتيريا معزولة منذ ٢٥٠ مليون سنة بقرينتها الحديثة وتقريباً لم يتغير شيء ظلت بكتيريا كما هي [116].

وبشكل عام فإن التكيف البيئي وتغيير الصفات الظاهر في الكائنات ينبع من آليتين أساسيتين هما:

  1. عوامل فوق جينية موجودة مسبقاً في الكائن الحي.
  2. فقد أو تلف في البيانات يُؤَدِي إلى ترتيب المعلومات المتبقية.

على سبيل المثال، يؤثر الطعام وآلية التغذية على الكائنات بطرق شتى، فأسلحة الخنافس المقاتلة تتغير وفق عوامل فوق جينية مثل HDACs و PcG [117]، وكذلك يؤثر الطقس وتغيير المناخ على عمليات مَثيلة الدنا التي تقوم بتفعيل الجينات بغزارة [118]، وكذلك يؤثر الضغط النفسي على عمليات مثيلة الطبقاتGNAS isoforms وهُنَاك نتائج واضحة لهذا الأمر على عمليات تجديد الخلايا الهيكلية [119]، كذلك العوامل الضارة في البيئة مثل السموم تؤدي إلى تغييرات فوق جينية، فقد تم رصد تغييرات واضحة نتيجة لعوامل سامة في أسماك دانيو المخططة Zebrafish [120].


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *