إنّ اختلاف الجينات بين الحيوانات كالخفاش والحيتان يجعل لكل من الخفاش والحيتان أدوار مُختلفة للجينات نفسها، وأحياناً تقوم الجينات نفسها بوظائف مُختلفة في كائنات مُختلفة، يقول التطور لقد حدث تغيير ما ليلائم الوظيفة دون أي تفسير، لو أخذنا موضوع مثل الجينات التي تتنبأ بالتغيير في الكائنات الحية، فإنّ العُلماء المُؤمِنون بالتطور يرونها دليلاً على التطور، والخلقيون يرونها دليل على التصميم، فمثلاً يرقة الفراشة الملكية caterpillar monarch butterfly تأكل نبات الصقلاب milkweed، وهو نبات سام كان يجب أن يقتلها، وما نراه عكس ذلك، فإن اليرقة تنمو على النبات وتأكل الأوراق وتخزن السم في أجسامها كنظام دفاعي ضد الطيور الجائعة.
يقول العُلماء المُؤمِنون بالتطور إنه تطور مذهل أدّى إلى تكيف اليرقة مع النبات والسم، بل وأدّى إلى تطوير آلية لحفظ السم كنمط دفاعي، ولكن الخلقيون يتساءلون كيف طورت الحشرة هذا الأمر، كيف عرفت السم، وكيف ميزته، وكيف عزلته عن الطعام، وكيف بنت مناطق لتخزينه وكيف وكيف وكيف، كل هذا يدلل على وجود تصميم ذكي وليس طفرات عشوائية، ومهما حاول التطور توضيح الفكرة ببساطة، مثل أنّ الحشرة طورت آلية لتمييز السم، فإنهم لا يبينون ذلك على المستوى الجزيئي، وجود مواد كيميائية سامة تقوم الحشرة بإنتاج مستشعرات مُعقَّدة لتمييز هذه المادة ونقل هذه الآلية المُعقَّدة إلى الجينات، كأننا أمام مهندس جينات ساحر يلعب بالجينات بخفة ونتكلم هنا عن مئات الجينات المتراكبة لإتمام هذه العملية … إلخ.
قام العُلماء أيضاً بتحديد ثلاث طفرات جينية على الأقل، تجعل اليرقة لا تموت من أكل السم، قام العُلماء بنقل هذه الجينات الثلاث إلى ذبابة الفاكهة، فأصبح لدى الذبابة مناعة ضد هذا السم، ورأى العُلماء أنّ وجود هذه الجينات بهذه الدقة لا يعدو كونه أمر خارج عن الصدفة، وهنا نتكلم عن ثلاث جينات كي لا تموت اليرقة، أما عزل السم وتخزينه فهذه آلية أخرى.
حدثت الفكرة نفسها في الجليكوسيد القلبي cardiac glycosides وهي مواد كيميائية تستخدم كدواء لمرضى القلب فهي تزيد من قوة عمل عضلة القلب، فهُنَاك مجموعة من الناس لا يستفيدون جيداً من هذه الأدوية مصنفين تحت عوامل مُختلفة 47 taxa، فقد وجد العُلماء أثناء الفحص أنّ هذا يرجع إلى إحلال أحماض أمينية في أربع مناطق وهي 111, 119, 120, وهُنَاك علاقة بين نوع عدم استجابة الدواء ومنطقة الإحلال في الكائنات، إذ يرى العُلماء المُؤمِنون بالتطور أنها صدفة عجيبة، بينما الخلقيون فيرونها تصميماً مدهشاً، ومهما أثبتنا إحصائياً أنّ الصدفة صعبةٌ هنا، فلن يهتم أحد بالأرقام [122].
نرى في كل فترة من الفترات تغييرات جوهرية في النظريات والفرضيات وذلك نتيجةً للاكتشافات العلمية، ولا شك أنّ العُلماء المُؤمِنين بالتطور قد قدموا كثيراً للعلم أثناء بحثهم عن إثباتات لفرضياتهم، لكن اتجاه العالم المادي للنظرية كأيديولوجية أكثر منه للعلم أمرٌ مقلق، لأنها باعتقادهم هي البديل عن وجود شيء اسمه الله خلق الكون، وهي تكمل البناء المادي الذي أوجدوه، يجب أن نعرف أنّ داروين حينما آمن بالتطور غير الموجه وبعده العُلماء، كانت أفكارهم عبارة عن أحلام ونظرة فلسفية، فهم افترضوا مجموعة من النظريات الكبرى لبناء الكائنات بالاعتماد على ملاحظات بسيطة جداً وتمنوا مستقبلاً أن يتم تأكيدها من قبل الباحثين والعُلماء، ورأينا أنّ الاحتجاج في كثير من الأحوال كان فلسفياً أكثر منه علمياً.
والظاهر أنّ العُلماء كلما بحثوا أكثر، وجدوا أدلة واضحة على الخلق المباشر، فقاموا بتعديل المسار قليلاً ثم انطلقوا من جديد، وللآن لا توجد آلية تطورية واضحة تظهر كيف يمكن إنشاء أجزاء جديدة تطورية أو بنية خلوية أو عضوية جديدة، رغم محاولة العُلماء تلبيس فكرة التطور الإبداعي بواسطة الطفرة الموجهة، وما يفرضوه ما زال مُجرَّد أحلام ولا يرقى للنظريات العلمية التجريبية، مثلاً انتقلت الحياة من البحر إلى اليابسة، والحوت تحول إلى دب وهكذا، هذه الجملة البسيطة بحاجة إلى 2 مليون خط وتوضيح، مثلاً هل يتطور الكائن البحري بناءً على بيئته الحالية أم بناءً على بيئته المستقبلية؟ إذا كانت الأولى فكيف يعيش على اليابسة والماء أنسب له؟ وإن كانت الثانية فمن أين أتته مواصفات البيئة المستقبلية؟ أترون أبسط الأفكار تفشل حين نقاشها علمياً، وهذه بعض المشكلات الأساسية التي لم يقم العُلماء بحلها إلى الآن، وعلى هذا ستفشل كل فرضياتهم لاحقاً:
- لا توجد آلية تشرح كيف تكون الحساء البدائي Primordial Soup، وكيف تكونت الخلية الأولى، أو نواة الحياة الأولى.
- كافة العمليات الكيميائية غير الموجهة لا تشرح كيف تكونت الشيفرة الوراثية، بل على العكس، ما هو واضح أنها صممت بواسطة مصمم أبدع منا جميعاً.
- الطفرات العشوائية لا تشرح أبداً الزيادة في المعلومات، بل على العكس تنقصها وتتلف الدنا، ولا توضح كيف تكونت الأجهزة المُعقَّدة غير القابلة للاختزال، الدنا لا يبين الصفات الشخصية للإنسان ولا خطة مسيره.
- الانتخاب الطبيعي ما زال يحاول جاهداً إصلاح الصفات المُفيدة في التنوع السكاني.
- غياب كامل للمستحاثات في السجل الأحفوري التي تبين التطور، وهنا على الشقين، الشق الذي يبين وجود ملايين المراحل الانتقالية بين الكائنات، والشق الذي يبين وجود عدد قليل جداً من المستحاثات والتي أثبت الخلق وليس التطور.
- علم الأحياء الجزيئي فشل في رسم شجرة الحياة، والتعارض الواضح بين أجنة الفقريات، يدحض السلف المُشترك.
- الدنا الخردة والأعضاء الأثرية والتلخيص وغيرها من المواضيع تظهر الكذب الدائم في فرض التطور.
- توزيع التنوع الحيوي على المكان والزمان أفشل العُلماء الجدد المُؤمِنين بالتطور.
- التغيير المناخي والتغييرات الهائلة في البيئة تؤدي إلى الانقراض وليس التنوع، فمثلاً 40% من الحشرات معرضة للانقراض بسبب تغيير المناخ والتلوث وغيرها من العوامل، ففي آخر 30 عام كان عدد الحشرات في العالم ينقص بمقدار 2.5% سنوياً، وهو ما يجعل العُلماء يعتقدون أنّ الحشرات قد تنقرض في القرون القادمة القريبة وهذا كله لنقص التنوع الجيني وليس لزيادته.
- تنوع عمر الشيخوخة في شجرة الحياة يقودنا إلى أنّ التطور لم يحل المُشكِلة الأساسية الدائمة وهي مُشكِلة الموت، بل كرّسها وقد كانت قبله غير موجودة كما البكتيريا.
فإذا قمت بوضع كتاب هندسي عن طريقة بناء ناطحات السحاب لمليون سنة في المكتبة، فلا يمكن للكتاب أن يبني ناطحة سحاب واحدة، إلا إذا جاء مهندس بعقل واعٍ وهدف مُحدد وقام بقراءة الكتاب وطبّق ما فيه، هذا الأمر هو نفس فكرة أنّ الدنا لا يمكنه أن يبني خلية من تلقاء نفسه، يجب أن يكون هُنَاك مهندس ذكي ليقوم بذلك، فالمعلومات وحدها لا تكفي، نحن بحاجة إلى ذكاء لربط المعلومات،
ولو كان التطور حصل لكانت هُنَاك ملايين الأدلة عليه، ولكن ماذا يقول العلم حول الأبحاث العلمية بشكل عام؟ حتماً يقول العلم الكثير، ولكن دعنا نرَ الأبحاث العلمية كلها جديرة بالنظر والأخذ بعين الاعتبار؟
في مقال بعنوان Why we can’t trust academic journals to tell the scientific truth، (لماذا لا يمكننا الثقة فيما تنشره المجلات العلمية حول العلوم) [123]، يقول الأستاذ جوليان كيرتشير: “إننا نعتقد أنّ إعادة التجربة العلمية سيُفضى إلى النتيجة نفسها، لكن ما يحدث في أغلب التجارب أنّ النتيجة تختلف عن المذكور سابقاً” وعلماء كثر حاولوا وفشلوا في الحصول على نتائج حتى متقاربة ورأينا هذا في تجربة الشُذُوذ كمثال، هُنَاك مشكلات أخرى كثيرة، كالدراسات غير الموثقة، والأبحاث التي لم يتم التأكد منها ومراجعتها، مُجرَّد أوراق تنشر ويتم تقديسها والبناء عليها، بل كل عملية العلوم تتم غالباً بالصدفة وليس كما يريد الباحث، وكل ما سبق بين يديك، عليك اتخاذ القرار بنفسك، وهي المُشكِلة الأزلية.
ولكني سأقرأ وأتخذ القرار، لا أحد يملك قراري أو حق توجيهه، أنا أرى المشاهد والتجارب من العُلماء مشكورين، ولكن حقي أن أٌعمل عقلي وأقوم بما أراه منطقياً، فالقرار هو قرارنا.
اترك تعليقاً