إنّ لكل جزءٍ في الجسم مجموعة من المهام المُعقَّدة التي لا يمكن وصفها، كل جزء عبارة عن مئات بل آلاف أجهزة الإرسال WIFI التي ترسل إشارات مُختلفة من خلاياها إلى الخلايا الأخرى لتنسيق عمل الجسم بالكامل، وتستقبل كذلك آلاف الرسائل، على سبيل المثال نحن نعتقد من دراستنا في المدرسة أنّ الكلية وظيفتها تنقية الدم وإخراج البول، لكن الكلى لديها مئات العمليات الأخرى ولديها عمليات كبرى أساسية للجسم، مثلاً المسؤول عن مستويات إنتاج الدم هي الكلى! فهي تفرز هرمون الـErythropoietin المسؤول عن إرسال الأمر إلى نخاع العظام لتنشيط عملية صنع الخلايا الجديدة، والمحافظة على المستوى اللازم من كريات الدم الحمراء، والمسؤولة أيضاً عن الأكسجين في الجسم.

ماذا عن ضبط مستوى الأملاح، ومستوى ضغط الدم؟ فالكلى مثلاً تفرز إنزيم وبروتين الرينين المسؤول عن ضبط الأوعية في الجسم ومن ثم ضبط ضغط الدم، في عملية مُعقَّدة تحت مسمى Renin–angiotensin system، انظر إلى عملية تنقية الدم من الفضلات والمواد الكيميائية الضارة، وانتقائية خلايا الكلى في التنقية، إذ تُخرِج مواداً سامة معينة، ولا تخرج المواد المُفيدة، بل وتخرج المواد الضارة الجديدة التي لا يعرفها الجسم مثل الأدوية، عملية مُعقَّدة بشكل لا تكفي صفحات لشرحها، لقد صُممت من قِبَل مهندس ذكاؤه يفوق ذكاء العقول البشرية مجتمعة، ففي كل جزئية منها هُنَاك مظهر للتصميم الذكي، كمية تدفق الدم، وكمية خروجه، وآليات مُختلفة للتنقية، وآليات مُعقَّدة عبر خوارزميات مصممة للعمل المتناغم، لو فشل فقط 1 من 1000 منها لما نجحت الكلى في عملها ولما رأينا البشر، 180 لتر يتم تنقيته، لإنتاج 2 لتر من البول، والـ178 لتر يتم إعادتها للجسم من جديد صافية وجاهزة للاستخدام! ولنا أن نتخيل فقط فلتر الماء المنزلي الذي ينقي من 3 أو 4 مواد كم هو مُعقَّد، ولنا أن نتخيل الكلية الصناعية التي صنعها الإنسان كم هي ضخمة ومُعقَّدة لتتم بها عملية بديلة عبر الديلزة Dialysis، في الكلى هُنَاك حجرات مخصصة لتنقية الأملاح المُختلفة، كل جزء مخصص

بعناية لغرض مُحدد.

رسم توضيحي 47 مخطط نظام الرينين أنجيوتنسين، هذا النظام الفرعي والجانبي في عمليات الكلى مرتبط بدقة في كل عمليات الجسم، بدءاً بالدماغ مروراً بالقلب والأوعية ومتداخلاً مع الهرمونات والغدد وكل أعضاء الجسم، هذا النظام المُعقَّد الذي أتعب العُلماء في سبيل محاولة فهمه وصُمم من أجله تطبيقات طبية عديدة في حياة مرضى القلب والأوعية والكلى لا ينم عن تصميم عادي، بل ينم عن عبقرية في التصميم.

بل حتى الكلى قد تكون مسؤولة عن متوسط أعمار الكائنات، فدراسة حديثة تبين أنّ متوسط عمر الكائنات يعتمد على معدل الفسفور في الجسم، فالإنسان متوسط عمره 75 عاماً لأن الكلى تحافظ على معدل معين من الفسفور في الدم، وكلما زادت الكمية قل عمر الكائن وهرول إلى الشيخوخة، ولكن الجسم يحتاج إلى الفسفور، إذ تحتاج العظام إلى فوسفات الكالسيوم في وظائفها، ويتم التنسيق بين الكلى والعظام والغدد بآلية مصممة متبادلة على المحافظة على المعدل اللازم لجسم الإنسان.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *