صورة 11 تعقيد ينم عن تصميم
تفترض نظرية التطور أنّ الأعضاء والأنسجة في رحلة تطورها تمر في سلسلة من المراحل الانتقالية، ويقوم الانتخاب الطبيعي بتعديلها ببطءٍ شديد، ثم تُحافظ الأعضاء والأنسجة بذكائها على التغيرات المُفيدة ذات الوظيفة وتُزيل كل ما هو غير صالح أو أقل تكيّفاً، وقد أدرك داروين العقبات التي تواجه فرضيته وذلك في إنشاء التراكيب المُعقَّدة داخل الكائنات، وقد أطلق عليها تسمية: أجهزة مفرطة الإتقان والتعقيد.
الأعضاء المُعقَّدة لا تستطيع القيام بوظائفها إلا إذا وُجدت كاملة، والمراحل الانتقالية المتتالية التي يتوجب أن يسير بها العضو في طريق تطوره الطويل ليس لها أي دور وظيفي إلا إذا كانت موصوفة بدقة كمراحل من المنتج النهائي، ولا تقدم أي ميزة انتقائية، وبذلك يستحيل الدور المفترض للانتخاب الطبيعي في الحفاظ عليها وتثبيتها لأنها مُجرَّد أجزاء حيوية مشوهة ناقصة تُمثل عبئاً على حاملها يجب التخلص منه، فلا فائدة من نتوء في وجه يحتوي على 10 خلايا، سيعرف الجسم بعد مليون سنة أنها ركيزة لعامود من الخرسانة العصبية المسلحة سيرتبط بأنسجة معينة وتراكيب أخرى سيكون اسمها العين، الجسم لا يملك خريطة بنائية حتى يقول: أبقوا هذا النتوء فهو حجر في الموضع 384 حسب الخريطة سيتصل به الموضع 925 ليمر به عصب اسمه ج1426 فيكمل الدائرة.
الانتخاب الطبيعي كما بتنا نعرف عملية لا هدف لها، عمياء عن رؤية المستقبل، لا تمتلك أهدافاً أو غايات، لا يعلم الانتخاب فائدة تلك الخطوات الأولية لأنه يتعامل مع كل تقدم بشكل مستقل، ومعيارا التقييم في الانتخاب هما: النجاح في البقاء، والنجاح في التكاثر، وهو ما يجب أن يتوفر في كل خطوة من خطوات التغيير في نشوء العضو الحيوي، لكن الطبيعة غير الاختزالية للأجزاء الحيوية التي لا تقبل التدرج الوظيفي أو الإنقاص تفشل في هذه العملية تماماً، كذلك إذا كان هذا التغيير تم دون غاية مخططة مسبقة، فما الهدف أو الحكمة من البحث عن تفسيرٍ لشيءٍ نتج جراء الصدفة!
ولتبسيط الفكرة، لنطبق الفكرة نفسها على خطوات رسم شكل مُعقَّد على الورق، ليكن وجه إنسان، ولتكن الخطوط التي نخُطُّها على الورق هي الطفرات، وليكن الانتخاب الطبيعي هو الممحاة التي تُزيل أي خط رُسم عن طريق الخطأ في وجه الإنسان، أول مُشكِلة ستواجهنا في عملية رسم الوجه هي أنّ الخطوط المرسومة (الطفرات) تتم بشكل عشوائي، ونعي جيداً أنه لا يمكن لعدة طفرات أن تحدد بُنية الوجه المُعقَّدة، الأمر يتطلب تقدماً تدريجياً بطيئاً مُتمثلِاً في آلاف الطفرات المُتراكبة، ثم سنرى أنّ أي تقدم بطيء تُقدمه الطفرات أثناء مرورها في المراحل الانتقالية لا يحمل أي دور وظيفي للبنية النهائية لأنّ المخرج النهائي لا يمكن اختزاله وظيفياً، أي أنه لا يمكن لهذه الأجزاء غير الناضجة أن تمارس دوراً مُحدداً إلا إذا وُجدت مكتملة.
هنا يمكننا أن نستنتج أن الانتخاب الطبيعي (الممحاة) لا يستطيع تحديد الخطوط الصحيحة من الخطوط الخطأ التي رسمتها الطفرات المُتعاقبة لتقوم بإبقائها أو إزالتها، وبهذا سيبدو منطقياً أنّ فكرة نظرية التطور مُستحيلة التحقق، ونرى هنا أنّ آلية تطور البُنى المركبة لن تحرز أي تقدم، فهي مجرد مجموعة من الطفرات (خطوط عشوائية) التي سيقوم الانتخاب الطبيعي بمحوها أولاً بأول، لأنها ليست ذات فائدة، وهذا المثال البسيط لا يُساوي نقطة في بحر بناء عضو مُعقَّد كالعين، فالخطوط فيه ستكون بعيدة وفوضوية ومُختلفة الشكل والحجم واللون، أي أنّ التعقيد سيكون بمستويات متعددة.
يستعرض البروفيسور مايكل بيهي أحد منظري التصميم الذكي في كتابه صندوق داروين الأسود أمثلةً متعددةً من النظم غير القابلة للاختزال Irreducible complexity في الكائنات الحية على المستوى المجهري والآلات الجزيئية داخل الخلايا، ويُعرّف البروفيسور النظام غير القابل للاختزال بأنه نظام مركب من العديد من الأجزاء التي تتفاعل بتناسق شديد لإنتاج الوظيفة المسندة بالنظام، ويُتبع ذلك بأن إزالة جزء واحد من أجزائه يُعطل هذا النظام ويُوقفه عن العمل، وهذا يعني أنه قد تم تصميمه من البداية مع جميع أجزائه، وبذلك لا يمكن أن يتكون بعد سلسلة طفرات طفيفة يتم انتخابها، فالتطور لا يمكنه بناء وظائف مُعقَّدة خطوة بخطوة؛ لأن تلك الخطوات لا يمكنها توفير أي ميزة لحاملها، وهذا يعني أنّ الانتقاء الطبيعي لن ينتقي هذا النمو التطوري ويثبته، ولن يسمح لنظام غير كامل وغير فعال بالانتشار من جيل لآخر، فهو لا يُثبت سوى التغيرات الوظيفية وهذا ما تفتقده تلك النُظُم التي لا تعرف وظيفتها إلا بوجودها مكتملة.
لن يُحرز التطور أي خطوة دون وجود مَهمة وظيفية للمراحل الوسيطة؛ لأنه سيفقد معناه الحقيقي المتمثل في قدرة الانتخاب الطبيعي في تثبيت الميزات الوظيفية، وكان الحل الوحيد المتاح أمام التطور هو إيجاد وظائف لكل خطوة انتقالية في سبيل تطور التراكيب المُعقَّدة، وهنا تم استدعاء فرضية إضافية سُميت بفرضية التكيف المسبق Co-option أو exaptation، إذ تقترح فرضية التكيف المُسبق أو الخيار المُشترك آلية غير مباشرة لتطوير البنى الجسدية المُعقَّدة غير القابلة للاختزال الوظيفي، وذلك بافتراض وجود وظيفة ثانوية لأجزاء النظام في تراكيب أخرى والتي يمكنها أن تتكيف فيما بعد لإنتاج النظام الجديد، هذه الفرضية تفشل حين الحديث على المستوى الكيميائي أو حتى على مستوى ترابط الأجزاء المعقدة، كذلك لا تفسر من أين أتت معلومات الأجزاء الثانوية، إذ تفترض وجودها مسبقاً والمزيد من العقبات كما سيتم توضيحه.
يُعد ريش الطيور من الأمثلة الشهيرة على التكيف المُسبق، الذي يفترض التطور وجوده لتدفئة الحيوانات قبل أن يتكيف ويُصبح عاملاً رئيسياً للطيران، ويلجأ التطور في معظم القضايا المشابهة إلى مثل هذه الأفكار دون الخوض في تفاصيل علمية لتجنب الحرج، فنقاش الإشكالية على المستوى المجهري في تراكيب الآلات الجزيئية مثل السوط البكتيري، وآلية استشعار الضوء في نظام الرؤية، ونظام تخثر الدم البشري كمثال شهير استخدمه مايكل بيهي للاستدلال على حجته يظل عَصِيّاً على الحل، فدقة هذا التركيب تجعله يشبه الآلة الميكانيكية، فمثلاً الريش مصمم بآلية واضحة ودقيقة لكي يساهم في الطيران وليس مُجرَّد مادة للتدفئة، وكونه يحمل وظيفة أخرى تفيد في العزل والتدفئة لا يعني أنه تكيف من هذه الوظيفة تماماً بالضبط كأن نقول أنّ وجود جيوب بمعطف التدفئة لكي نضع بها متعلقاتنا يعني بأن المعطف الشتوي قد صُنع في البداية للاحتفاظ بالمتعلقات، هُنَاك نقطة أخرى إضافية فربط تطور الطيران بوجود الريش ليس صحيحاً، لأن الخفاش يُمكنه الطيران دون ريش كما تفعل الفراشة واليعسوب، وإذا احتاج الحيوان أن يُمسي طائراً فلن ينفعه زغب التدفئة في تطوير تلك الخاصية، وتقع تلك الطرق الاستدلالية تحت إطار مُغالَطة رجل القش، كما أنّ عضلات الجناحين وعظمة القص وباقي عظام الطيور بل وحتى رئتيها مصممة بطريقة معينة لأخذ الهواء وحفظه وإطلاقه بطريقة فيزيائية تساعد على الطيران، والعظام خفيفة والعضلات قوية، كله في نظام متكامل وليس كما يقول التطور.
تظهر في الصورة مكونات سيارة من نوع سكودا، هذه الأجزاء مجتمعة تكون السيارة العاملة، وهي بلا معنى إن لم يكن هُنَاك مصمم ذكي قد صنعها لمهمة ذات قيمة أسمى من هذه الأجزاء، فالأجزاء مجتمعة لا تؤدي غرضها دون وجود نظام أو سائق يقود السيارة، ودون برنامج تشغيلي داخل أجزائها منفردة أو مجتمعة، ولو قمنا بوضع هذه الأجزاء كما تظهر في الصورة لمدة ألف عام أو أكثر، لن تتكون السيارة، بل سنلاحظ أنها تآكلت بفعل الصدأ واهترأت، ولو تلف أحد هذه الأجزاء فلن نتمكن من شرائه من الطبيعة، بل علينا انتظار الصدفة وعوامل الزمن عبر ملايين السنين أن تصنع غيرها.
كما ونلاحظ أنّ الأجزاء في (شكل 42 قطع السيارة) كلها عبارة عن أجزاء كاملة منفصلة، خذ مثال البطارية أو الشكمان، هي ليست بالمستوى الكيميائي أي ليست في صورة زنك وهيدروجين وكربون، بل هي وحدات كاملة مستقلة تم تصميمها بمهارة وحرفية عالية لتتوافق مع الهدف الذي أُعدت له من قبل المهندس الأعلى، وعلى الرغم من وجودها في حالة وظيفية عليا وليست في صورتها الكيميائية البسيطة، إلا أنّ السيارة لن تتشكل بوجود الأجزاء الكاملة هذه قرب بعضها أو حتى فوق بعضها، فهذه الأجزاء مُصممة بطريقة تكاملية مع كل الأجزاء الأخرى، فالبطارية مُهيأة بقطبين وبقدرة كهربائية معينة ومهندسة صناعياً ليسهل تغييرها وصيانتها … إلخ، ومن المفترض أنه لا هدف نهائي من هذه الأجزاء إلا إذا تكاملت سوياً، فالنابض أو المقبض أو الترس لا قيمة له دون الأجزاء الأخرى، ولهذا تُصدم حينما تسمع أحد العُلماء أو ترى إحدى كتب الكيمياء الحيوية تقول أنه وفي لحظة ما تجمعت كل الأجزاء الحيوية الصغيرة للخلية وكونت الخلية الأولى، وكأن الميتوكوندريا وجهاز جولجي كانا مستقلين في حساء الحياة، وحينما تجمعا، يا للصدفة، كانت عمليات الإدخال والإخراج متطابقتين وكأن الصدفة جمعتهما عن حب!
والعين حينما يضرب الضوء خلاياها الحساسة، تحدث سلسلة من التفاعلات الجزيئية المُتعاقبة والتي يمكن تشبيهها بانهيار قطع الدومينو المُتراصَّة حين نسقط أول قطعة لتؤدي في النهاية إلى نقل النبض العصبي إلى الدماغ، وإذا ما فُقِد جزء في سلسلة قطع الدومينو أو كان معيباً لن يحدث بث للنبض العصبي مما يعنى ببساطة انعدام الرؤية، ويبين هذا أنّ العين أتت بضربة واحدة كما هي الآن، وسنذكر أيضاً عملية تَخثُر الدم، وذكرنا سابقاً سوط البكتيريا، وغيرها من العمليات في الكائنات الحية، فكل عملية هي نتاج التخطيط غير القابل للاختزال.
تفترض نظرية التكيف المُسبق وجود الأجزاء المُختلفة للنظام الحيوي المُعقَّد في سياقات وظيفية مُختلفة في وقت سابق خلال عملية التطور، وهذا الزعم لا يحل الإشكالية بقدر ما يزيدها تعقيداَ، فالأجزاء والبروتينات كانت موجودة في نظام مُعقَّد سابق آخر، وبذلك تم نقل المُشكِلة فقط من النظام الحالي إلى النظام السابق الذي لا يزال يواجه المعضلة نفسها، وسنتحول إلى سلسلة لا متناهية من الانتقالات دون الوصول إلى حل لأصل الإشكال القائم، علاوة على ذلك نوجه تساؤل حول السيناريو غير المعقول الذي سيجبر قطعة من نظام وظيفي قائم لتتخلى عن النظام الذي كانت تُشغله لتُدمره وظيفياً وتُهاجر بطريقة غير معقولة الكيفية، لتجد نفسها متوافقة تماماً مع أجزاء أخرى في نظام أخر قائم بوظيفة مُحددة، فتتداخل في النظام بدقة لتحول الوظيفة إلى وظيفة أخرى.
ليتمكن التطور من وضع اختبار حقيقي حول تفسير أصل آلة جزيئية متكاملة غير قابلة للاختزال وظيفياً يتوجب عليه تتبع الخطوات والشروط التالية وفقاً للبروفيسور أنغس مينوج:
- توافر وإتاحة كل الأجزاء اللازمة لتشكيل النظام المطلوب.
- تموضع الأجزاء في موقع البناء في الوقت الذي يتطلب وجودها فيه.
- التنسيق والتوافق لتلك الأجزاء في الوضع الصحيح لملائمة التركيب في النظام وفقاً للتوقيت والمكان المناسبين لتتفاعل بشكل صحيح داخل النظام.
ويسبق ذلك كله توفر تعليمات التجميع الخاصة لتلك الوظيفة على شريط الحمض النووي وإلا لن يتمكن من الاستمرار عبر الأجيال التالية، وهذه العملية يستحيل إرجائها إلى عمليات عشوائية فمصدر المعلومات الوحيد المعروف عبر التجارب البشرية هو التصميم الواعي، وهذا ما لم يتطرق إليه أنصار رواية التكيف المسبق.
يقول أحد العُلماء المُؤمِنون بالتطور سرعان ما سيتضح فيما بعد أنّ بيهي مخطئ، وأن التعقيد غير القابل للاختزال فتح باباً كبيراً لدعم نظرية التطور نفسها، وحديث هذا العالم هو ما يحيلنا إلى فكرة أيديولوجية التطور وليس إلى نقائه العلمي، يمكن مُراجعة تفكيك عالم البيولوجيا كينيث ميلر لمفهوم مصيدة الفئران، وكيف يمكن أن يتم اختزالها للاستزادة؛ فالعين التي ادّعى بيهي أنه لا فائدة من كونها نصف عين أو أقل، يتبيّن أنها قد تطوّرت وفقاً لعدة مستويات يمكن تلخيصها بالصورة التالية في عيون اللافقاريات البحرية، ابتداءً من البطلينوس Limpet وحتى الأخطبوط Octopus وهي خطوات بسيطة لكن البساطة لا تسعفنا في هذا المقام، لذلك سنسأل باستفاضة:
- تكون العين بسيطة وفقط تستطيع أن تكشف لك الليل من النهار دون أي رؤية أخرى.
ونستفسر هنا من العالِم، ماذا تعني بسيطة؟ مثلاً العين تحتوي على 10 مليون خلية، هل البساطة تعني 3 خلايا مثلاً؟ 100 خلية؟ وأبسط مُستشعِر يكشف الليل والنهار مكون من عدة أجزاء مثل العدسة والإلكترونيات والكهرباء والدوائر الكهربائية والغطاء والبرمجة، وكل جزء منها مكون من أجزاء أصغر مُعقَّدة ومُصممة بدقة ومن اختصاص مجال علمي منفرد، ولكي نحاكي العضو نحن بحاجة إلى تكامل كل هذه الأجزاء، والعضو لن يأتي بطفرة أو ألفي طفرة، لدينا مثلاً منطقة عصبية في الدماغ تفهم إشارة الليل والنهار، وهُنَاك عصبٌ بصري يوصل الإشارة من العين إلى الدماغ، وهُنَاك أوعية دموية تُوصل التغذية للخلايا الخاصة بالليل والنهار، وهُنَاك الخلايا نفسها وهي ذات تركيب مُعقَّد، إذ تحتوي على مواد كيميائية لتمييز الليل من النهار وتقوم بإخراج إشارة بناءً على ذلك، أيضاً أريد أن أفهم كيف لطفرة تغير في ترتيب بعض النيوكيلوتيدات أن تبتكر خلية ضوئية حساسة لها! مثلاً أنا أخبرك أنّ إطلاق الرصاص على كتاب شعر لعنترة بن شداد، سيحوله إلى كتاب وصفي لبناء خلية حسية كاملة تستشعر الليل والنهار!، هذه خلايا تحتوي على ملايين البروتينات لتعمل بكفاءة، وكيف ستعلم العين أن المادة الكيميائية مستشعرة للضوء، ولو فصّلنا أكثر لوجدنا أنّ الأمر مُعقَّد وليس شيء بسيط.
- يمنح التقعر في العين القدرة على تحديد اتجاه الظل لمن يقع في مجال البصر.
حسناً، تحديد اتجاه الظل، أتصور أن تكون العملية كما يراها العالِم كالتالي، إذ تقول الطبيعة: تفضل أيها الحمض النووي هذه الصعقة الكهربائية لتحدث طفرات حتى تستطيع تحديد اتجاه الظل، لحظة، الطفرة كانت ضارة، نعيد ونجرب غيرها غداً، طفرة أخرى، ما هذا طفرة ضارة أخرى لا معنى لها، ماذا بعد؟ 600 ألف طفرة، حسناً، أخيراً نجحت 3 طفرات، ويا للمصادفة كانت طفرات متتالية وأيضاً كانت رياضية (حسابياً) وذكية، يا لكرم الصدفة، بعد سكب الحبر على الأرض، ظهرت بالصدفة نظرية فيثاغورس مكتوبة بدقة، وهذا الحدث كان في طفرة في الدنا، الطفرة أدّت إلى تراص النيوكليتيدات بطريقة فيزيائية، 5000 نيوكلوتيدية كتبت كود لتحديد اتجاه الظل، ولقد كان هُنَاك تنسيق تصادفي عالي المستوى، بين الطفرة في العين ذاتها، وبين طفرة في الدنا أدت إلى كتابة خريطة بناء هذه الطفرات من جديد لكي تورثها للأبناء، ومن المُفترض أن يكون هُنَاك طفرات أخرى مرتبطة بالطفرات السابقة تقوم بترتيب تعمل على نقل الإشارة بين العين والدماغ، وطفرات أخرى عديدة أدّت إلى بناء العصب البصري وتطويره لفهم الإشارة الكهربائية، كل هذا في خليط من ملايين الطفرات الذكية والمتتالية ذات هدف.
- إذا كان الاتجاه يمين، فأعطي إشارة للدماغ شمال (العين تعمل بالعكس).
- الإشارة الكهربائية التي قدرتها 4 فولت وتكون متقطعة كالتالي: 0011001 تعني أنّ الاتجاه يمين.
- وإذا كانت 0010011 فهي تعني اتجاه الشمال.
- وإذا كانت 110011 فهي تعني في المنتصف.
- وإذا كانت 11111001 فهي تعني يمين ولكن باتجاه الجنوب وهكذا.
- هل حفظت الإشارات أيها الدماغ أم أعيدها من جديد؟، هذه 50 نيوكليتيدية تكونت بالصدفة أرجو أن تفهم سيدي الدماغ، افهمني ووصل أعصابك وافهم إشاراتك حتى يعتبرك الانتخاب الطبيعي عملية وظيفية وتخزنك.
- حسناً أيتها النيكيوليوتيدات، لقد فهمتكم، عُلم أرسل.
- شكراً أيها الدماغ أرجو أن توثق أيها الانتخاب الطبيعي، الأمور ممتازة، لتنتقل الصدفة إلى الخطوة التالية.
- لقد كتبنا الخوارزمية فقط، باقي أن نعدل في الخلايا، نريد أن نعدل الهيكلية حتى نصنع خلايا مُتراصة وتكون مقعرة بعد تراصها، الخلايا في المنطقة رقم 652 في الشبكة بها مُشكِلة، كل الخلايا مُتراصة ولكن هذه المجموعة مزاحة إلى الأعلى قليلاً، لقد أتلفت التراص الخاص بالتقعر.
- إلى أين أنت ذاهب؟ لم ننتهِ بعد!
باقي أن نعدل في بروتين الخلايا، نريد بروتين ذكي مكون من 1200 حمض أميني يفهم التقعر ويحوله إلى إشارة كهربائية حتى تفهمه الخوارزمية التي تولدت بالصدفة، أعتذر لقد نسيت، نعيد الطفرات من جديد إلى أن تضبط توليفة ما، اتركوني 2 مليون سنة وسوف أوافيكم، انتظروني، أنا صدقاً أتساءل، وهذه وظيفة العلم أن يتساءل ولا يقترح كلاماً دون دليل.
- زيادة التقعر هي المسؤولة عن التركيز.
نريد منك طفرات بحدود 320-502 طفرة جميلات ولطيفات، يأتوك من بين 1 مليون طفرة لأننا نريد حساب التقعر، ونريد أيضاً طفرات أينشتانية ذكية تكون قد درست فيزياء الضوء وبعض الرياضيات حتى إذا تراصّت النيوكليوتيدات وكُتبت خلايا، تكون لديها القدرة على قياس الزاوية الخاصة بالتقعر بطريقة جميلة ونظيفة ودقيقة، تجاوزاً ولأجل الأخوة لنجعلها نصف دقيقة، وأيضاً نريدها أن تتواصل مع العصب البصري وتوسعه قليلاً ليفهم الإشارة ولنرسل معها كُتيب تعليمات الإشارة للدماغ.
انتظر! ونريد حين زيادة التقعر، أن نزود عدد الخلايا، ونريد للخلايا المتقعرة أن تكون بناء على دالة قطع زائد + قطع ناقص، دالة دائرة سوف تفشل، نريد طرفها دائرة، ومنتصفها قطع ناقص، وعلى حفتها قطع زائد حتى يكون تقعر لذيذ، وتفضل هذه هي معادلة الخلايا الخاصة بالتقعر:
رسم توضيحي48 شكل القطع الناقص والزائد والدائرة |
معادلة 3 ومعادلة القطع الناقص الرياضية
|
أرجو أن تدمج هذه الدوال مع بعضها البعض، ثم اضربهم في الخلاط مع بعض الخلايا والأحماض أمينية حتى تصبح عجينة الخلايا مقعرة، وأريد أن تفحصها لتتأكد أنها مقعرة جيداً، لا أريد أي خلية من النصف مليون خلية خارج خط الانحراف.
- تشكّل العدسة نوعاً من الوضوح وارتفاع حدّة الرؤية.
لا أستطيع أن أكمل منوال أسئلتي على العدسة الذكية التي تعمل تقريب للصورة ومتصلة بعضلاتٍ خاصة والتي تحتاج إلى أن نذهب إلى مختص بصريات حتى ينحتها ويصنعها لنا لأننا لن ننتهي من تخصيص كل جزئية فيها، وانتبه إلى أنّ العدسة مرنة وتستجيب للعضلات فالعضلات ذكية ومتصلة بإشارات الدماغ، لو ركزنا إبصارنا في كائن ما لقامت بالضغط على العدسة، والعكس صحيح، والتركيز هذا بحاجة إلى إشارات كهربائية من الدماغ لترسلها للعضلات، وتنسيق مضبوط وسائل زجاجي وفهم إشارات جديدة من الدماغ، أي أنّ الصدفة يجب أن تختار مادة خاصة، مرنة وشفافة، ومن المفترض أيضاً كل ملايين آلاف الخلايا الجديدة هذه أن تأتي نتاج 2 مليون طفرة وتكون وظيفية أو على مراحل وظيفية، وانتبه، الطفرة ذكية، فهي جلبت خريطة بناء العدسة في العين، ولم تجلبها في فتحة الأنف، سبحان الصدفة ما أبدعها وما أدقها.
رسم توضيحي 49 تحويل دائرة إلى مربع
إنّ عملية تحويل دائرة إلى مربع عبر طرق عشوائية تتطلب آلاف بل ملايين الاحتمالات، فاحتمالات إخراج نتوءات من الدائرة بشكل عشوائي لا نهائية مما سيُؤَدِي إلى حدوث طفرات لا نهائية تجعل النتوء داخلياً أو شاذاً، لذا هذه العملية البسيطة في هيكلية بروتين أو نسيج لن تحدث مطلقاً بالطفرات، فما بالنا بتغيير شكل عضو!
- زيادة صقل العدسة يُؤَدِي إلى رؤية متطورة جداً.
الطفرة ستجعل العدسة بدقة 120 ميغا بيكسل، وحينما أضع جوالي القديم في حمض أو أعرضه للإشعاع، سنلاحظ عبر ملايين السنين أنّ الكاميرا أصبحت Full HD وتحسن نظام التشغيل وزادت الذاكرة تلقائياً ثم عرضت الشاشة هذه الرؤية المتطورة جداً واسمحوا لي بالتوقف عند نقاش النقطة رقم 5 في طرح التطور لتفسير عظمة العين.
ستعلق قائلاً: سخافة! لكني أنتظر ردك على هذه السخافة بدقة علمية، وأنا سأنتظر الإجابة، لأني حينما رأيت بناء البروتين وبناء الدنا واحتمالية تكون بروتين بالصدفة من 10 أحماض أمينية كان أمراً مدهشاً ولربما يستغرق أعواماً، فما بالك بطفرة عشوائية في أحرف الدنا تُؤَدِي إلى إنشاء أنسجة كاملة بخلايا ذكية ومتخصصة بآليات جديدة مثل كشف الضوء وتُنشئ عصباً وغيره، التعقيد غير القابل للاختزال يعني إما أن يكون كل شيء أو لا شيء، لا يوجد حل وسط، شاشة الحاسوب أو الجوال التي تقرأ منها، إما أن يكون مصممها قد صممها كاملة، أو لا يمكن أن تكون قد وصلت إلى المستخدم على أجزاء على مدار آلاف السنين، ولعلك تصدق الصورة التي رأيتها في بداية الفصل هذا، صورة الحجارة على الشاطئ، لعلك تصدق أنّ هذه الحجارة رُصت بهذا الشكل المنظم نتيجة الصدفة، إياك ألا تصدق لأنك تكون قد كذبت العلم، فعملية رص وترتيب عشرون حمضاً أمينياً أصعب عشرات المرات من رص أضعاف هذه الصخور، فما بالك بابتكار خلايا ورصها، فضلاً عن أنسجة كاملة، وستسمع مصطلحات في عالم التطور مثل Self-Organization أي أنّ المواد الكيميائية كان بإمكانها التجمع بطريقة ذكية لتكوين البروتينات، وهي أبعد ما يكون عن الواقع.
ولكي يهرب التطور من التصميم الذكي، نراه يذكر مصطلحاً مطاطيّاً لا معنى له لكي تسرح فيه “التكيّف المسبق”، وكأن التطور مهندس ذكي يخطط مسبقاً لوجود تغييرات ما لكي يبني عليها أمور مستقبلية، ثم نجد التطور يخبرنا أنّ الأعضاء المندثرة تخلًى عنها الجسم لأنها لا تلزم، أما بناء أمور لا تلزم وتركها ملايين السنين أمر يفعله الجسم ولا يدثره، وهذا يطرح مجموعة نقاط:
- لماذا على التصميم الذكي أن يجيب على آلية حدوثه، التصميم الذكي أصلاً يؤكد وجود مصمم ذكي أوجده كذلك، لماذا عليه أن يجيب كيف قام المصمم الذكي بعمل هذا التصميم؟
- طالما هذا السؤال لا توجد إجابة عليه، لماذا نسير كما يسير التطور، باختراع وتطويع الأفكار لخدمة معتقداتنا غير المثبتة؟
- هل من المنطقي استخدام التقنيات الخاصة بالتطور التراكمي لإثبات التطور الموجه؟ فما نفيته قبل بقليل تحاول إثباته الآن.
ثم إذا احتدم النقاش سيطلب منك المُؤمِن بالتطور أن تجلب دليلك على أنّ العين تناسب دورها وأنّ الأعضاء مصممة بدقة لتناسب وظيفتها، وهذا حقه لكن طلبه يضعه في مُغالَطة عبء الإثبات Burden of Truth، لأن من يجب أن يقدم الدليل هو أنت عزيزي المُؤمِن بالتطور، فأنت من تنكر الوظيفة الحقيقية، بالضبط مثل وجود قطعة ما موضوعة لغرض مُحدد في الحاسوب، فإذا قلت إنها بلا فائدة، وجب عليك أن تجلب دليل على كونها بلا فائدة أو أنها لا تؤدي الغرض بدقة، أنت وليس من أعطاك الحاسوب الرائع لتستخدمه.
إنّ من يفترض أنّ التطور هو الطريقة الوحيدة لفهم العالم هو من يضيّق واسع برفضه وجود تفسيرات أخرى ممكنة، هو من يرفض الشمس التي تشرق بالتصميم الذكي في كل حين، ويغلق عينيه، ومن يرى بالتصميم الذكي هو من يؤمن بالتفسير المنطقي الأفضل في هذا الوجود، لا أمانع أن تقول لا يوجد إله، لكن على الأقل، أعمِل عقلك وقِر بالتصميم الذكي، إلى أن يكتشف العلم اللهو الخفي الذي وضع هذا التصميم، ولعلك تشاهد الفيلم الوثائقي “مطرودون: غير مسموح بالذكاء” فترى كيف أنّ كل عالم أو أستاذ يذكر التصميم الذكي يتم إقصاؤه وتهميشه في العالم الحر.
اترك تعليقاً