الاستحالة أو التحول Metamorphosis عملية مُدهشة نرى فيها الحيوان بعد أن يفقس أو يولد يتحول من كائن إلى كائن آخر، وفي المرحلة الأولى يكون جسده بحالة معينة، ومن ثم ينتقل إلى الحالة الكاملة في مرحلة تحول كاملة كما لو أنه كائن آخر مُختلف، وتحدث هذه العملية في كثير من الكائنات كالحشرات والبرمائيات والرخويات والقشريات واللاسعات وشوكيات الجلد وحبليات الذيل، وعادة ما يصحب ذلك تغير في الموطن أو السُلُوك [135] [136].

لنأخذ مثال تطور العثة من يرقة إلى فراشة، إنها تتحول بالكامل حرفياً، فيتحول فيها الجلد أو القشرة، وتموت العضلات ويتكون أجزاءً جديدة بدلاً منها، كذلك الجهاز العصبي والجهاز التناسلي بالكامل لا يكون أي منهما في الطور السابق ويأتيان بضربة واحدة في الطور الجديد، العيون المُعقَّدة التي ترى الألوان كما البشر تأتي كاملة في الطور الجديد أيضاً، خرطوم التغذية، الأقدام، قرون الاستشعار، الأجنحة… إلخ نحن نتكلم عن ظهور كائن كامل جديد، وهُنَاك كائنات تمر بعدة مراحل مُختلفة للتحول، فهي تتحول من بيضة egg إلى يرقة caterpillar ثم إلى عذراء pupa ثم إلى الطور البالغ adult، وهذه الأطوار المُختلفة في مراحل حياة الكائن لا يمكن تفسيرها بالتطور، فالتطور يحاول أن يُفسر بالطفرة والانتخاب الطبيعي ظهور جناح من الذراع أو يفسر ظهور جناح من لا شيء، لكنه لا يفسر ظهور كائن كامل من كائن كامل ليتحول لاحقاً إلى كائن آخر، لا يفسر ظهور ثلاثة كائنات وأحياناً أربعة كائنات بمحض الصدفة، ولا يفسر مثلاً تشرنق الكائنات بين الأطوار المُختلفة لأنه كما يبدو أنّ العملية مخطط لها، ولو قسنا بمقياس التطور سنجد أنّ كل كائن جديد يحتاج إلى ملايين السنين لينتج من طفرات، فالفراشة ستحتاج إلى ملايين السنين لتتطور، الكائن الواحد * 4 أي يساوي 200 مليون سنة لتطور الفراشة إذا جاز التعبير.

لا يفسر التطور من الأساس هذه العملية مهما حاول والأمر أشبه بولادة طائرة من دراجة هوائية، لا علاقة بينهم! هل الظروف البيئية هي السبب؟ السجل التطوري؟ للأسف التطور لا يملك إجابات، لماذا لا يحدث لاحقاً تطور إلى الشكل النهائي، لمَ هذا الهدر في الطاقة، ولمَ هذا الجهد في البناء بلا هدف؟ بعض الزيزيات Cicada تبقى 17 سنة مدفونة في الأرض في طور الحورية بلا فائدة تتغذى فقط من جذر الشجرة لتتحول بعد 17 سنة إلى عثّة بالغة، ولتموت بعدها في عدة أيام، كائنات مُختلفة في مرحلة حياة الكائن الواحد، 17 سنة مدفون خامل ليعيش 10 أيام ويموت [137].

تُعتبَر ذُبابة مايو Mayflies من الكائنات ذات الأجنحة البدائية، ولكن كيف نصِف هذا الكائن بالبدائية وهو يعيش تحت الماء بالقرب من السطح ولديه أعضاء كالخياشيم، إذ يستمر خلال عامين إلى ثلاثة أعوام بالأكل والتنفس والنمو تحت الماء، ثم ينطلق منها إلى الهواء لمدة يوم واحد فقط، وعليه أن يلتحق بسربٍ ما ويتزاوج ويضع البيض ثم يموت، وهذا يؤكد حسب نظرية التطور أنّ أصل الذبابة سمكة تحولت فطارت! أليس هذا منطق التطور؟ والشيء نفسه يحدث للبعوض، إذ يعود إلى الماء ليتكاثر ويضع البيض [137] وهذا يقودنا إلى أنّ أصل البعوضة هو ذبابة مايو، أليس من الممكن أن تكون سمكة من نوع آخر ذات خياشيم تطورت بنفس خطوات سمكة ذبابة مايو فأصبح لديها الجناح نفسه وآلية التزاوج والتكاثر نفسها في مسار منفصل!

لا يمكننا نسيان تحول الحشرات الاجتماعية مثل النمل، فيرقات النمل ليس لها أرجل وهي غير قادرة على العثور على الطعام أو الحركة أو التنظيف، لذا تعتمد بشكل كامل على رعاية النمل العامل البالغ 24 ساعة، ومن دونها سيموتون بسرعة، ويحتاج النمل الصغير إلى العمال البالغين لقطعهم من شرانقهم في نهاية مرحلة الخادرة [138]، وهذا يجعلنا نتساءل كيف تمت هذه العملية؟ فإذا لم يكن للنمل العامل والنمل المتشرنق آلية جاهزة، فمن أين أتى هذا التكامل بين الدجاجة والبيضة؟ وهذه المرة يجب أن يوجدا سوياً، يجب أن تُوجد مراحل التحول كما هي لتحمي نفسها من الانقراض، فوجود مراحل مدهشة مُختلفة مثل اليرقات لبقائها في معدة كائن آخر، والحوريات للسباحة، والعث أن تطير وتتكاثر لهو أمرٌ مُدهشٌ، ويَنِمُّ عن تصميم وليس تطفراً وتطوراً.

Stages of Monarch butterfly

شكل 51 تحول الفراشة الملكية Photos by Bob Moul, www.Pbase.com/rcm1840 :Danaus plexippus.

مراحل تحول الفراشة الملكية Danaus plexippus:

  1. اليَرَقة Larva: بعد أن تطل اليرقة من البيضة، تتغذى على أوراق نبتة الصقلاب milkweed وتستمر في هذه المرحلة لمدة أسبوعين حسب درجة الحرارة.
  2. الخَادرة Chrysalis: بعد أن تتخلق اليرقة من بشرتها الخارجية وتصنع الشرنقة، تُعلّق اليرقة نفسها على غُصين مناسب، فتتحول إلى خادرة، وهنا تبدأ الإثارة؛ إذ تذوب معظم أنسجة اليرقة ويتم إعادة تشكيلها إلى فراشة في إطار برنامجها الجيني، إذ تبدو فيه مثل إناء الشمع.
  3. قبل الفراشة: وأثناء استمرار التحول، تصبح الشرنقة شفافة بشكل واضح ونستطيع رؤية ألوان الفراشة.
  4. مرحلة ما بعد القشرة: بعد 9-15 يوماً تظهر الفراشة أخيراً، ويبدأ ضخ الدم إلى الجناح من الدماء التي قامت بتخزينها في عروق الجناح، تنتظر الفراشة حتى تجف وتتصلب أجنحتها لتطير بعيداً وتبدأ دورة الحياة من جديد.
  5. الأنثى البالغة: إنّ وجود أوردة أكثر سُمكاً ونقص العقد في عروق الأجنحة الخلفية العليا يجعل الأنثى مميزة عن الذكر.

ولأن هذا المجال شائكٌ وغريبٌ، فإنّ القليل من العُلماء المُؤمِنون بالتطور طرقوا أبوابه، ونتج كالعادة تفسيرات عجيبة، مثل أنه أصاب بعض البيوض قديماً جفاف أو مشكلات في المحيط، فاضطرت الكائنات التي فيها أن تخرج بحثاً عن الطعام قبل وقت تحولها إلى الطور البالغ، لذا حدث هذا الانتقال العجيب، وكما هو واضح هذا مُجرَّد خيال لا ينطوي على أي علم، مُجرَّد تخيل، وذلك لأن الكائنات في البيوض لا تأكل وكثير منها بلا فم أصلاً، الأكل والمضغ والاستفادة من الطعام والإخراج من صفات الطور البالغ [139] [139].

ما سيُدهشك حقاً ويُعيد إليك فكرة أنّ الدنا لا يقدم أي تفسير لشكل الكائن أو العضو المنتج للمرة الرابعة على الأقل، أنّ الدنا لكل الأطوار المُختلفة في الأشكال المُختلفة هو نفسه، ففي الفراشة التي تمر بأربع مراحل مُختلفة نجد أنّ الدنا نفسه ولا تغيير فيه، فكيف للجينات أن تكون نفسها ولها أربعة أشكال حيوية مُختلفة بالكامل! لو كان الدنا يبيّن المظهر الخارجي phenotype للكائن فلن يحدث التحول الظاهري لهذا الكائن، وهذا يُبيّن أنّ هُنَاك طبقة معلوماتية أخرى غير الدنا تتحكم في الشكل أو المخرج النهائي، وكما أشرنا سابقاً هُنَاك دلائل على أنها طبقة فوق الجينات [140]، وهذا يؤكد فكرة أن جميع التحولات مُخطط لها مسبقاً في نظام جاهز.

وهنا نرى أنّ التطور لا يُقدم تفسيراً لهذا الأمر المُدهش، والدنا يُظهر العكس، لا دلائل في السجل الأحفوري، فلماذا لا نقول أنّ هذا النظام المُعقَّد التصميم قد ظهر مرة واحدة بهذه الهيئة دون تعديل؟ ما العيب في هذا، لنقل هذا الكلام حالياً أفضل من أن نسمع جملة المُؤمِنين: إننا في المستقبل سنحل اللغز.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *