يحتوي دماغ الإنسان على ما يقارب ١٠ مليار خلية عصبية، ترتبط كل خلية فيه مع آلاف الخلايا الأخرى، مما يسمح للدماغ بتخزين ونقل المعلومات، وذلك عبر نقل الإشارات الكهربائية داخل الخلية والإشارات الكيميائية بين الخلايا في شبكة مُعقَّدة تمتد من الدماغ إلى الجسم، وهُنَاك ملايين الخلايا العصبية الحسية التي تحتوي مستقبلات تحوّل المُثيرات من البيئة كالضوء واللمس والصوت والرائحة إلى إشارات كهربائية تنقل للدماغ، كما وترسل خلايا عصبية حركية أخرى معلومات من الدماغ إلى العضلات والغدد المفرزة للهرمونات، وتنقل الخلايا العصبية الوسيطة المعلومات بين الخلايا العصبية الحسية والحركية [10].
وترى إنساناً يحظى بجسد مكون من 37 تريليون خلية، كل خلية فيها مولدات طاقة ومصانع وأجهزة تخزين وتشفير ونسخ بيانات وجسور ومقابر وشرطة ونواقل، وينظر إليك بعينين تملكان نظام تصوير مميز بدقة فائقة بآلية مدهشة لالتقاط وتخزين الصور في أجزاء من الثانية، وبجسده المذهل الذي تديره 640 عضلة، مع قلبه الذي يعمل منذ عشرين سنة بلا توقف، وآليات إدراك ووعي وتفكير لم يتمكن العلم من فك أدنى أسرارها بعد، ولا يزال فيه من الغموض ما يُمَكّنه من تحريك اللسان المرتبط بالفك بـ17 عضلة، ويسألك بغرابة: ما هو دليلك على تعقيد الكائنات؟!
إنّ طول شريط الدنا الموجود في الخلية الواحد يصل إلى 2 متر ولو تم توصيل كل شرائط الدنا الموجودة في كل خلايا الإنسان لملأت المسافة بين الأرض والشمس 100 مرة! وهذا ما دفع الملحد الشهير أنتوني فلو إلى الإيمان بوجود خالق بعد أن ألّف عشرات الكتب العلمية في المادية، وكان مُتَمسكاً برأيه حول عدم وجود خالق لهذا الكون ما يقارب نصف قرن!
تَخيَّل، 2 متر في الخلية الصغيرة! ولدينا 37 تريليون خلية في أجسامنا، كل خلية تحصل على الغذاء والطاقة وتخرج الفضلات وتتواصل مع غيرها في نظام متكامل، يستحيل أن يكون هذا الأمر نتاج صدفة ما، شريط الدنا في جسمنا يمكن أن يلف محيط الشمس 4 آلاف مرة على الأقل! والشمس أكبر من الأرض مليون مرة، وهذه الأشرطة ليست صماء، بل في كل ثانية يتم قراءتها ونسخها وأخذ المعلومات منها ملايين المرات! أرقام لا يتحملها العقل، هي نتاج الصدفة! أي عاقل يقول هذا! ولو قمنا بكتابة المادة الوراثية على ورقة بيضاء بحجم A4 لتطلب الأمر منا أوراق بيضاء سيصل طولها مرتبة فوق بعضها إلى ارتفاع ناطحة سحاب وهذا كله في الخلية الواحدة!
إنّ جسم الإنسان مليء بالأرقام، ولنكن سطحيين ونذكر بعضها، إذ يبلغ عدد العظام 206 عظمة، بينما يصل عدد العضلات إلى 640 عضلة، ويملك 24 ضلعاً، ويحتوي القلب على أربع غرف، وتبلغ درجة حموضة الدم 7.4، وعدد فقرات العمود الفقري 33 فقرة، ويبلغ عدد عظام الأذن الوسطى 6 عظمات، بينما يبلغ عدد عظام الوجه 14 عظمة، وعدد عظام الجمجمة هو 29، العضلات في الذراع البشرية وحدها عددها 72، ومتوسط طول الأمعاء الدقيقة هو 7 متر، ومتوسط طول الأمعاء الغليظة هو 1.5 متر، ومتوسط حجم الدم من 4 إلى 5 لترات، وعدد العظام على القدم البشرية هو 33 عظمة، وعظام اليد 27 عظمة، وعدد عظام الأطفال حديثي الولادة هو 306 عظمة.
لو أردنا تدوين المعلومات التي يحتويها جينوم الإنسان (3,3 مليار زوجاً من القواعد)، بافتراض أننا سنكتب كل 1000 منها في كتاب يضم 100 صفحة، فإننا سنحتاج نحو 3300 كتاباً بهذا الحجم لكتابتها! نحن نتحدث عن نواة خلية بشرية واحدة، أما إذا قمنا بقراءة جينوم إنسان ما بسرعة ثانية لكل حرف على مدار 24 ساعة يومياً، فسنحتاج قرناً كاملاً لنتمكن من قراءة كتاب الحياة ويفض الهوى سرها المغلقا.
ويحتاج الكاتب الماهر على لوحة المفاتيح الذي يكتب بسرعة 360 حرفاً في الدقيقة في مدة ثمان ساعات كل يوم إلى ما يقارب 50 عام ليطبع كتاب الحياة دون أي خطأ وكأنه روبوت لا يخطئ، وإذا فردنا دنا أي إنسان يمكن لخيط الدنا المجمع الوصول من الأرض إلى الشمس ذهاباً وإياباً 600 مرة.
لو قمنا بجمع عشرات المصانع الحيوية في مصنع واحد، لما وصلت إلى الدور الحقيقي الذي يمارسه مصنع الكبد في جسم الإنسان، هل يظن أحد ما أن يكون مصنع شركة تيسلا لبناء السيارات قد جاء عبر عشوائية أنتجت هذه الدقة، أو فوضى أنتجت هذه المعرفة، أو لاوعي أنتج هذا الوعي، أو لامنطق أنتج كل هذا المنطق من العدم، أو أنّ مصنع تيسلا قد تحول بالصدف عبر الزمن من مصنع رقائق بطاطس قديم هجرناه ملايين السنين!، كل الذكاء البشري والخبرات البشرية والعمل ليل نهار لبناء مصنع بضخامة مصنع مثل شركة صناعة سيارات تترابط مع عشرات المصانع حول العالم المتخصصة في صناعة قطع ما لتتكامل في المصنع الأخير، وحتماً أي مصنع تركناه لملايين السنين لن يتطور بفعل الرياح والشمس والتفاعلات، بل سنراه مُسح عن الوجود بالفعل بعد مئات السنين بفعل قوانين الديناميكا الحرارية، فأنت لا تتوقع أن يتطور مصنع مركون من إنتاج الرقائق إلى إنتاج البسكويت، فما بالك بإنتاج سيارات ذكية، كما لا ننسى أن جميع العناصر الأساسية للحياة مركبات نشطة كيميائياً، وأي لقاء لها في الهواء الطلق، سيجعلها تتحلل حسب القوانين الفيزيائية والكيميائية، ولن تطول أيام انتظارها.
اترك تعليقاً