صُنفت دببة الماء Tardigrade بأنها أعتى الكائنات على الأرض، وهي كائنات مجهرية تتحمل أقسى البيئات دون أن تتأثر أو تصاب بسوء، مثل الغليان أو التجمد أو السحق أو التجفيف أو حتى إطلاقها إلى الفضاء الخارجي فهي تبقى حية، وتستطيع هذه المخلوقات العجيبة أن تعيش في أي مكان، فقد أظهرت البعثة الفضائية TARDIS (دب الماء في الفضاء) والتي أُجريت عام 2007م أنّ بإمكان دببة الماء أن تبقى على قيد الحياة حتى في الفراغ الخاوي للفضاء الخارجي، وتُشير أبحاث أخرى إلى أنّ دببة الماء تعود لعصور غابرة تمّ تأريخ أحافيرها لفترة تعود إلى ما قبل 500 مليون سنة.
هل تستطيع أي نظرية تفسير كيف لدب الماء أن يستطيع تطوير جينات تتحمل الإشعاع الفضائي؟ في حين لم يستطع تطويرها أذكى المخلوقات، وهل فهمت الجينات والكيمياء آلية عمل الإشعاع بعد عدة تجارب أجرتها، ثم اتخذت قراراً ذكياً بكيفية التصدي له؟
صورة 12 دب الماء، المصدر Shutterstock
تستطيع دببة الماء الصمود في درجات الحرارة القُصوى، إذ بإمكانها البقاء على قيد الحياة في بيئات فائقة البرودة، في درجات حرارة تصل إلى 272.8 سلزيوس، وتُعتبَر الحياة من دون ماء مُستحيلة تماماً لمعظم الحيوانات، لكن هذا لا ينطبق على دببة الماء التي تستطيع الصمود أيضاً في حالات الجفاف الشديدة، وقد وجد الباحثون أنّ دببة الماء في حالات الجفاف تدخل في حالة سُبات عميق يتجعد فيها الدب إلى قشرة جافة كما لو أنه كائن غير حي، تستطيع هذه المخلوقات المُدهشة البقاء في حالة السبات لعدة عقود، إذ ينخفض النشاط الأيضي لدببة الماء إلى مستوىً متدنٍ جداً يصل إلى 0.01% من المستوى الطبيعي.
تمتلك دببة الماء بروتينات فريدة مقاومة للجفاف، توجد هذه البروتينات بشكل هُلاَمِيّ (لزج) عند وجود الماء، لكنها تتحول إلى بنية شبه زجاجية في حالات الجفاف الشديدة فتحمي بذلك جميع المواد الحساسة للجفاف في داخل الخلية من التعرض للأذى، ففي عام 1995م، تم استعادة حياة دب مائي مُتيبس منذ ثمانية أعوام، كما بإمكان دببة الماء أن تتحمل تكوّن الجليد داخل خلاياها في حالات البرد القارِس؛ إذ تنتج مواد كيميائية تدعى عوامل الثلج النووية ice nucleating agents، التي تساعد على تشكيل بلورات الثلج خارج خلايا دببة الماء بدلاً من داخلها لتؤدي بالنهاية إلى حماية جزيئاتها الحيوية من التلف بسبب البرد الشديد.
كما بإمكان دببة الماء تَحمّل حالات الضغط الشديد والتي قد تؤدي إلى هلاك معظم الحيوانات على الفور، إذ تستطيع البقاء على قيد الحياة (في حالة السبات) تحت ضغط 600 ميغا باسكال، وبإمكانها أيضاً تحمّل كميات ضخمة من الطاقة الإشعاعية؛ فهي تحتوي على بروتين يدعى بالبروتين المرتبط بالـ DNA-associating protein Dsup والذي يحميها من أخطار أشعة X، وهذا ما يجعله كائناً خالداً من الموت عبر الظروف المحيطة.
وإذا حاول الناس التفكير في الخلود فعلى الأغلب ستدور في رؤوسهم تصورات مثل امتلاك قُدرات شفاء غير محدودة، وامتلاك القدرة على عكس عملية التقدم في السن بصورة غير محدودة (الخلود البيولوجي)، وأخيراً عدم القابلية للتدمير؛ أي عدم الموت مهما حصل من ظروف مؤثرة، وإذا حدث وتوفرت الصفات السابقة في كائن واحد فيمكننا القول عندئذ أنه كائن خالد، حسناً، هذا الكائن غير موجود، لكن هذا لا يعني عدم وجود كائنات تمتلك قدرات خلود جزئية كما دب الماء.
يتمتع السلمندر المكسيكي Axolotl بقُدرات شفاء وتجديد خارقة، فتجديد الأجزاء المبتورة أحد أبسطها، مقارنة بإمكانيته لإعادة توليد أعضاء أكثر حيوية، بما يتضمن أجزاء من الدماغ، ويقبل جسده أية أعضاء تُنقل إليه ويقوم بإخضاعها إلى سيطرته بشكل كامل، بما يتضمن العين وأجزاء من الدماغ، أما القنديل الخالد Turritopsis Dohrnii، من الكائنات القليلة المعروفة التي تمتلك خلوداً بيولوجياً، إذ بإمكانه عكس تحوله الجنسي بالكامل إلى مرحلة ما قبل النضوج بعد أن يتخطى مرحلة البلوغ، ونظرياً بإمكانه فعل هذا الأمر لعدد غير محدود من المرات، هذا الأمر يُماثل قولنا أنّ هُنَاك شخص يمكنه العودة ليصبح طفلاً في كل مرة يبلغ فيها سن الثمانين، لعدد لا نهائي من المرات [142].
صورة 13 السلمندر المكسيكي المصدر: stock.adobe.com
اترك تعليقاً