تحظى الأخاطيب بقدرة مُدهشة على التمويه، فهي تقوم بتغيير ملمس ولون جلدها متجنبةً بذلك مفترسيها، لكن الأخطبوط المقلد Mimicus Thaumoctopus أذهل الجميع بقدرته على تغيير أبعاد جسده ولونه بدرجة فائقة كما لو أنه طينة تشكيل لينتحل مظهر حيوانات بحرية أخرى مثل ثعابين البحر والأسماك المفلطحة بل وحتى سمكة الأسد، وهي استراتيجية عبقرية يستخدمها لتجنب الحيوانات المفترسة.

التعايش والتطفل

تتعايش الكائنات سوياً أو تتقايض أو تتعاون أو تتبادل المنفعة، فنحن البشر على سبيل المثال نتنفس ما تخرجه الأشجار، وهي تقتات على ما نزفره، في عملية متكاملة لاستمرار الحياة على الأرض وحفظ المصادر وعدم هدرها، وتترابط الكائنات الحية بعدة صور على رأسها التكافل الذي يشكل علاقة وثيقة بين كائنات حية من أنواع مُختلفة، فهُنَاك الطيور التي تلتقط المواد الغذائية من فراء الغزلان، وتتيح الغزلان ذلك بكل سرور لتخلصها من الديدان والحشرات المتطفلة في فرائها، وتعيش أسماك المهرج بين أذرع زنبقة البحر، وتتمتع بحماية أذرعها الحارقة، وتلتقط زنبقة البحر بقايا الطعام التي تسقط من فم السمكة، وكلما ابتعدت أسماك المهرج عن أذرع زنبقة البحر، تعرضت للافتراس والخطر، وهي العلاقة نفسها بين رجل الحرب البرتغالي Portuguese man o’ war وهو نوع من قناديل البحر، وبين سمكة صغيرة تدعى نوميس البيولا Nomeus albula.

هُنَاك علاقة أخرى موجودة بين الأسماك القوبيونّة والروبيان، فهما يعيشان معاً في جحر في قاع البحر، إذ يحفر الروبيان الجحر ويبقيه نظيفاً، ويحرص على إزالة الرمل من أمام فتحته، وتقف الأسماك القوبيونيّة على باب الجحر لتحذر صديقها الروبيان الأعمى من الخطر، ويحرص الروبيان على لمس ذنب الأسماك القوبيونيّة بواسطة مجسّاته، وتقوم الأسماك القوبيونيّة بإصدار الإشارات له من خلال حركات الذيل للتحذير من الخطر.

كذلك يتغذى طير القراد Tick bird على الحشرات المتطفلة التي تصيب جلد فرس النهر، وكذلك نرى طائر النياح شوكي الجناح Spur-winged أو طير التمساح دائماً في صحبة التماسيح، وتصاب التماسيح بديدان العلق Leeches التي تتغذى عليها الطيور، وبذلك تتخلص التماسيح من طفيلياتها، أما زاحف طراطرة Tuatara فيقطن في أعشاش بعض الطيور التي تبني أعشاشها على الأرض وخصوصاً طيور البحر المسماة بطيور النوء Petrels وهي تحفظ العش نظيفاً من الحشرات والطفيليات إلا أنها قد تأكل بيض العصافير أيضاً إذا لم ينتبه لها الطائر.

وتُصاب الكثير من الخنافس الكبيرة بطفيليات صغيرة تدعى الحلم Mites، يعيش على جسم هذه الخنفساء الكبيرة عُنكبيات تسمى بالعقارب الكاذبة Pseudo scorpions تتغذى على الحلم، فتظهر العقارب الكاذبة كعقارب صغيرة لتخيف المفترسين، وتكون بعض الأزهار مُهيَّأة، إذ يمكن إخصابها بواسطة أنواع معينة من الحشرات، التي تزورها لجمع الرحيق Nectar، ويعتبر هذا نوعاً من الارتباط أو التعايش بين النبات والحيوانات يستفيد منه الطرفان.

أما في علاقة التطفل فإن الطفيلي يكسب حين يعيش على أو في مخلوق آخر، والحاضن يخسر، فالبكتيريا والفطريات مصممة بدقة لتتطفل على كائنات أخرى كذلك قمل الرأس وقرادة الكلب، يتطفل قمل الرأس على فروة رأس الإنسان ويتخذ منها مأوى له كما توفر له الغذاء الكافي والبيئة المناسبة للتكاثر، في حين يتضرر الإنسان من وجود القمل بشكل كبير، وقد يصاب الإنسان بالعديد من أنواع الديدان كالإسكاريس والدودة الشريطية وغيرها، وتشاطرنا الغذاء وهذا ما يُؤَدِي إلى ضرر بالغ للإنسان، كذلك البعوض الذي يشعر بمهمة وطنية حين يتناول وجبة دسمة من الدماء التي تشبع جوعه الدائم.

أما في علاقة المُعايشة فهُنَاك رابح يستفيد من العلاقة، لكن ليس هُنَاك خاسر لأن الطرف الآخر لا يتأثّر بها، على سبيل المثال، البرنقيل هي سرطانات صغيرة تعيش في الماء وتلتصق بظهور الحيتان أو قواقع السلاحف، توفّر الحيتان والسلاحف للبرنقيل عائلاً متنقلاً، كذلك حماية من الحيوانات المفترسة وفرصاً للعثور على الغذاء من دون أن تتأثّر هي نفسها بذلك.

من أهم أسباب عيش الحيوانات في تجمعات هو التحذير من الخطر المُحدق عبر توفير وسائل دفاع وتنبيه ذات جدوى مرتفعة، على سبيل المثال ترفع الأرانب ذيولها بشكل قائم في حال الإحساس بالخطر لتنبيه أفراد القطيع، وتقفز الغزلان كما لو أنها تؤدي رقصة، أما الطيور الصغيرة فتُصدر أصواتاً مُحددة في حال أحست بالخطر، أما الكلاب البرية التي تعيش ضمن مجموعات تضع حراساً مناوبين على مداخل محيطها ويبدأ بنُباح متصل إن رأى أحدهم شيئاً يقترب.

مئات صور التطفل بين النباتات نفسها أو بين النباتات والحيوانات، أو بين الحشرات والنباتات أو الأشنات والطحالب، مئات الصور بين الكائنات المُختلفة كلها تشير إلى تكامل هندسي لا غير، لأن هذه الكائنات بسيطة وليست عاقلة لتفهم في السياسة، لتفهم الألعاب غير الصفرية، وتفهم نظرية السجينان ونظريات الألعاب ككل، والتي توصلنا إليها في القرن الماضي فقط، كذلك يجعلنا نتساءل عن كيف تهيأت كائنات دنيا للتطفل أو التعايش مع كائنات من المفترض أنها ظهرت بعدها بملايين السنين، هل كانت تعرف المستقبل؟


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *