الإنسان

يختلف الإنسان عن كل ما هو موجود في هذا الكون من كائنات وجمادات وأفكار، فالظاهرة الإنسانية لا تتشابه مع أي ظاهرة أخرى، ولا يمكن مقارنتها بالظاهرة الطبيعية التي لا تمتلك إرادةً حرة أو وعي أو قدرة على التصرف خارج نطاق قوانين المادة، ولا ذاكرة ولا مشاعر، والتي هي صفات من صميم إنسانية الإنسان.

يتأثر الإنسان بالتجارب المنفذة عليه، بعكس الظواهر الطبيعية التي لا تتأثر بالتجارب التي تجري عليها، فإن أُخضع إنسان لتجربة عَلم أنه فيها مراقب فسيتصرف بطريقة مُختلفة عن سُلُوكه في حياته اليومية، فالإنسان يملك وعياً بنفسه وبما يدور حوله، بالإضافة إلى أننا نستطيع دراسة كل الظواهر الطبيعية عبر نماذج بسيطة مُحددة مردودة إلى المادة، أما الإنسان فلا يمكن فهم كل جوانبه ولا يمكن تفسيره تفسيراً كاملاً، ولا يمكن إحالته إلى قانون عام [166].

صورة 23 لوحة بعنوان فاطمة بنت محمد للفنان جورجي فيرتوسو.

يُعد عالم الطبيعة عالماً أحادياً بسيطاً إذا ما قيس بعالم الإنسان المركب المحفوف بالأسرار والتحديات، وكلاهما له حيّزه الخاص المُختلف عن الآخر، إلا أنّ الحيّزَ الإنساني نرى فيه احتوائه الحيّز الطبيعي في جسده بالإضافة للحيز الروحاني الذي تتجاهله الفلسفات المادية ولهذا يحدث الاختلاف حين محاولة تفسير الإنسان تفسيراً أحادياً، وعلى الرغم من ثراء الأدلة على ثنائية الإنسان، ترى من يزال يحاول أن يفسره تفسيراً أحادياً، لذلك فإن التفسير المبني على الحيّز الأحادي للإنسان لا يعادي الإله بقدر ما يعادي الإنسان نفسه، لأنه يضعه في مكان غير مكانه الصحيح.

ويرى الفيلسوف بوبر أنّ المعرفة الإنسانية في هذا العالم تتبع ثلاثة مستويات وهي:

  1. المستوى الأول، العالم الفيزيقي المادي: وهو عالم الحالات الفيزيقية والأشياء المادية.
  2. المستوى الثاني، عالم الذات: وهو عالم الوعي والشعور والميول النفسية والمعتقدات والإدراكات.
  3. المستوى الثالث، عالم المحتوى الموضوعي للفكر: وهو عالم العلم والفلسفة والأعمال الأدبية والفنية، وعرض المشاكل ومحاولات حلها، المناقشات النقدية، والنظم السياسية والتقاليد والقيم.

ويُبين بوبر أنّ العالم الأول عالم مستقل بذاته، والعالم الثاني هو الوسيط الذي يربط العالم الثالث بالأول، وهكذا يتصل الإنسان مع الطبيعة، يتصل فكره مع ذاته ليتفحص الطبيعة ويستكشفها، وكان أفلاطون وسبينوزا وشيلنغ وغيرهم يرون الله في الطبيعة، ويروا في روح العالم أنّ الكائنات كلها مترابطة كما لو أنّ الروح والجسد مرتبطتان في الإنسان، والإنسان وحده.

ومع تقدم العالم، بدأ الإنسان يأخذ مكانه فيه كما يجب، وما قيمة الإنسان دون وجود الله، سيكون مُجرَّد تفاهة كيميائية، وفي عصر النهضة بدأت الرؤية الإنسانية (الهيومانيزم) بالبزوغ، والتي تتبنى الإنسان كأساس لكل العمليات، وترى أنّ مركز الكون كامنٌ فيه، وهو الوحيد الذي يملك قدرات تستوعب العالم والهدف من وجوده فيه، هو الوحيد الذي يقدّر قيمة وجوده وقيمة الكون المصمم له، وإذا لم يكن الإنسان في هذا الكون، فمن سيفهمه ويُوجد له معنىً غيره، لكن على هذا الإنسان ألا ينسى حدوده ويغتر في نفسه، فما هو إلا مجموعة تجارب، تختلف من مكان إلى آخر، ولكنه لم يُحَط بكل التجارب، عليه أن يتواضع ويبتعد عن التبجح فنصف العلم أن تعرف أنك لا تعرف شيئاً لتستمر في البحث وتتوقف عن التهكم فيما لا تعرف.


اترك تعليقاً