قبل الحديث عن قضايا المرأة المُختلفة، لا بد من البدء بأن كل الرجال كانوا نساءً في بطون أمهاتهم، والسؤال الذي أدّى إلى هذه فهم الحقيقة كان: لماذا يملك الرجل ثدياً ولا يستخدمه للرضاعة مثل المرأة؟ الرجل رجل، ولكن لديه أثداء! لماذا؟
في الحقيقة إنّ كل البشر في بطون أمهاتهم في أول 6 أسابيع من الحمل يكونوا نساءً، إلى أن تبدأ عملية التحول إلى رجل أو البقاء أنثى حسب الكروموسوم Y والهرمونات المفرزة له، هذا يُبين أنّ المرأة هي أساس الوجود ثم أتى الرجل لاحقاً منها، ومن هنا يجب مراجعة رواية التوراة بأن الرجل سبق المرأة في الخلق، كما يقول سفر التكوين: “فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم”، لكننا نعلم أن لا شيء من قوانينا العقلية يجب أن يسير على قوانين ذاك العالم، حليناها.
ولو مات كل الرجال في هذا العالم، لتمكنت النساء من التكاثر دون رجال، ولو حدث العكس لفني هذا العالم، فيا أيها الرجل، ما غرك بنفسك الثانوية وتتكبر على الأنثى دائماً، ويا أيتها المرأة، رفقاً بهم، فالرجال ضعاف وهم فروع لكنّ، وتجب عليهم رأفتكم.
لكن نيتشه يرى غير هذه الحقيقة فهو يقول: “لا أستطيع الجزم بأن القسوة على المرأة أحياناً أمر جيد أم لا”، ومن بعده رأت علوم النفس أنّ هُنَاك جزءاً مازوخياً في الإنسان يحتاج إلى تغذية من حين إلى آخر، وهناك نوع فريد من الحب يأتي بعد أن يحتضن الأسد الغزالة بعد أن يُمسك بها فتتوقف عن الركض وتركع بين براثنه، وقد آمن داروين عبر فصلٍ كاملٍ في كتابه أصل الإنسان بأنّ المرأة أقل كثيراً من الرجل وأنها تملك خواص الأعراق الأدنى، ورغم بساطة جملة داروين إلا أنّ أثرها في نظرية التطور هائل، واتفق العالم الفرنسي الشهير جوستاف لبون مع هذه الأفكار قائلاً: “إنّ أكثر النساء الذكيات حجم أدمغتهن أقرب إلى الغوريلات من الرجال الأكثر تطوراً، والنساء أقرب للأطفال السذج منهن للرجال البالغين المتحضرين”، أما فيلسوف الأنوار روسو رأى أنّ المرأة لم تخلق للعلم أو للحكمة، بل لتشبع الغرائز، وقد اعتقد كانط أنّ مستوى عقل المرأة لا يرقى إلى مستوى عقل الرجل وكذلك شوبنهاور وجون لوك وغيرهم.
ولكن، لربما هذه الفكرة وليدة العصور الحديثة، ماذا عن العصور القديمة؟ لقد قرر أرسطو أنّ المرأة تصلح فقط للإنجاب وأنه لا يمكنها ممارسة الفضائل الأخلاقية مثل الرجال، سوّد الله وجهك يا أرسطو، لنرى غيرك، لنرى سقراط، لقد رأى سقراط أنّ المرأة مثل الشجرة المسمومة فقد تكون جميلة من الخارج لكنها تقتل كل من يأكل منها، وأفلاطون يرى أنّ قدرة المرأة على الفضيلة أقل من الرجل، ولا أعتقد بعد هؤلاء الثلاثة أهمية لذكر بقية الفلاسفة [170].
ماذا عن العصر الحديث الذي نعيشه؟ يمكن أن نذكر برنامجاً واحداً في الدولة التي تترأس العالم وتمثله، ففي برنامج أنت لست الأب الذي بثته قناة NBC في الولايات المتحدة عام 1991م، تقوم فيه سيدة على الهواء مباشرة بدعوة عدد من الرجال كانت قد أقامت معهم علاقة جنسية، ليخضعوا لفحص الحمض النووي DNA لتأكيد هوية طفلها التي تريد أن تربيه مع أب لا تعرف من هو، وبعد سلسلة من الحوارات، يتم إعلان نتيجة الفحص وفي الغالب كانت النتائج كلها سلبية، وظهرت خيانة الأزواج، وحالات كثيرة منها وصلت إلى 18 ذكر أقاموا علاقة مع السيدة ولم يكن أحدهم الأب! يا بنت الحلال لقد أعلنتِ عن 18؟ لم لا تكملي باقي القائمة، لِمَ الخجل! تسببت هذه الأحداث بانهيار النساء أمام أزواجهم وانهيار الأطفال أمام الشاشات، تجاوزت عدد حلقات البرنامج 3500 حلقة، تم عرض 3 حالات على الأقل في الحلقة الواحدة، وهذا جزء بسيط من صور تسليع المرأة بين الرجال هُنَاك واعتبارها وعاء لتفريغ الشهوة، أما الأبناء فليسوا لنا، الرفيقة للشهوة والطفل للشارع، كمية اضطهاد وإهانة لم تحدث منذ ولادة البشرية!
لترى مصدر فكرة كون المرأة كائن أدنى من الرجل وأنها كائن تتحكم به مشاعره ويمكن في لحظة ما خديعتها ومطارحتها الغرام وهي لا تصلح لأي عمل انظر إلى السينما، انظر إلى هوليوود، على سبيل المثال انظر إلى سلسلة أفلام جيمس بوند، وسترى أنّ الصورة التي طبعها 24 فيلم على مدار السلسلة هي واحدة: المرأة كائن أحمق يخدعها الرجل، وتنقلب على فريقها حين سماعها كلمة غرام واحدة، نظرات عيون جميس بوند تطير عقلها وتنومها مغناطيسياً وتغير موقفها الدولي في لحظة شاعرية واحدة، هي لا تصلح إلا للخداع والغواية والفراش، إنّ عالم الإغراء الواسع هو من قام بزرع فكرة تسليع المرأة والحط من مكانتها، وهو المكان الأول في يومنا هذا الذي يجب العمل على تغييره، لتغيير الصورة النمطية.
من الصواب أنّ العلاقة بين الذكر والأنثى يجب أن تكون قائمة على التكامل وليس على الندية والصراع، لكن من المؤسف أنّ بعض النشطاء من كلا الجنسين ينطلقون في معالجة الأمر كما لو أنّ هُنَاك حزباً اسمه المرأة يتصارع مع حزب اسمه الرجل، هذا المنطلق معاند للفطرة ويُؤَدِي إلى عدم الاستقرار النفسي والمجتمعي، صحيح أنّ النساء في فترات من التاريخ لم ينلن حقوقهن، ولكن حقبة الصراعات الكبرى انتهت، والمطلوب الآن مطالبات في إطار السياق الطبيعي.
صورة 28 لوحة دورا مار للفنان بابلو بيكاسو، يظهر بها حبيبته من عدة زوايا في آن واحد دون مزايا خاصة.
وفي إطار المساواة والدعوة لها بين الرجل والمرأة يقول البروفيسور جوردان بيترسون في لقاء معه [171]، إنّ أكبر الفوارق بين الرجال والنساء في الطبائع والاهتمامات كانت في الدول الإسكندنافية، وقد تزايدت تلك الاختلافات نتيجة لسياسة المساواة الصارمة التي تتبعها، وكلما كانت دولتك تؤمن أكثر بالمساواة بين الجنسين، زادت الاختلافات الشخصية بين النساء والرجال، ولقد طور علماء النفس أساليبهم في قياس الشخصيات خلال الثلاثين عام المنصرم بنماذج إحصائية متطورة جداً مكنت العُلماء من قياس الاختلافات بدقة، والطريقة هي أن تعرض على الرجال والنساء اختبارات موثقة ودقيقة تختبر بها ميولهم وشخصياتهم، وتفعل ذلك في جميع أنحاء العالم مع عشرات الآلاف من البشر في عينات تشمل الرجال والنساء، ثم تنظر إلى الاختلافات بينهم ثم ترتب وتصنف وذلك بحسب درجات الثراء ودرجة المساواة الاجتماعية المفروضة وما ستجده هو أنه كلما زادت المساواة في المجتمع، زادت الاختلافات بين الرجال والنساء.
ويستطرد الدكتور جوردان بيترسون قائلاً: “يحدث هذا لوجود سببين الأول ثقافي والآخر نفسي، فإذا قمنا بتضييق الفوارق الثقافية فإننا بذلك نوسع الفوارق الحيوية، في المتوسط الرجال يهتمون بالأشياء والنساء تهتم بالبشر وهذا أكبر اختلاف نفسي نعرفه بين الرجال والنساء”.
ويضيف الدكتور جوردان: “إنّ أغلب المهندسين من الرجال وهذا يدل على نزعة مزاجية تتشكل في اهتمامهم بالأشياء، وأنّ أغلب التمريض من النساء وهنا يظهر اهتمامهن بالبشر، وكلما زادت مساحة الاختيار الحر زادت حدة الاختلاف بين الناس، هذه ليست مسألة خلافية بين العُلماء المطلعين لأن هذا معروف كما أسلفنا منذ ٢٥ عام، وهو تأثير معاكس لم يتوقعه أحد، نسبة هائلة من المساواة تم تحقيقها بواسطة التكنولوجيا والاختراعات، وليس بواسطة القوانين الاجتماعية، مثل موانع الحمل والمرافق الصحية بكافة أشكالها، الفوط الصحية كان لها دور هائل، المناديل المعقمة وتطورات السباكة وتوصيل المياه، كل هذه الاختراعات سمحت للمرأة بالتحرر من القيود وسمحت لها بالتقدم وإزالة بعض المعيقات الجسدية، إذن فثورة النساء جاءت نتيجة التطور التكنولوجي بالدرجة الأولى، ويجب عليهم السير في هذا الطريق”.
ومع كل هذه الآراء، كيف نفهم دور المرأة في المجتمع؟ على الأرجح أنّ هُنَاك ثلاث مسارات لتفسير علاقة الرجل بالمرأة وبالمجتمع وهي:
- المسار الأول هو المسار التطوري، الذي يرى أنّ المرأة أقل من الرجل عقلياً وحيوياً ودورها الأساسي يتمثل في الإنجاب، وهذا مسارٌ ناتجٌ من مبدأ الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى، وهو مسار يُمايز بين أجناس البشر، أي أنه لا شيء جديد حين يمايز بين الرجل والمرأة، كذلك الأمر إذا كنا حيوانات متطورة، فالإناث في الغابة على الأغلب أضعف من الذكور من ناحية السيطرة والقوة والهيمنة وصفات القوة الأخرى، فما الاختلاف الآن حين نتطور قليلاً؟ تطورنا عضلياً وعقلياً، وبقيت الهيمنة للذكر فما الجديد، ما المانع من كسر المرأة بل والبطش بها!
- المسار الثاني هو المسار الديني، وفيه نرى بوضوح أنّ للرجل مزايا وواجبات وكذلك المرأة لها مزايا وواجبات، هكذا خلقهم الله وصممهم ووضع لكل منهم خصائصه، وفي دليل الاستخدام كتب أنّ المرأة تحمل وتلد وترضع أبناءها وتهتم بهم وترعاهم وتعطف عليهم ومهام أخرى متعددة، والرجل هو من يكِدُّ ويتعب لأنه وظيفياً يملك أوردة أمتن وعضلات أقوى ولديه هرمون التستوستيرون، ويمتلك مهارات خاصة، وكذاك قوامة البيت من مهامه في الغالب إذا كان سوياً واستحقها، بينما المرأة عاطفية أكثر وتميل إلى الأشخاص، والرجل يحب الأشياء ويميل إلى البناء لذلك المرأة ممرضة أفضل من الرجل بسبب عاطفتها، والرجل مهندس أفضل لأنه مُولع باللعب بالأشياء وهكذا، وهل هُنَاك فرحة تعتريني أكثر من شرائي للعبة جديدة! ولكن هذا لا يمنع الاختلافات الفردية إن خرج أحدهم وأراد أن يكون الآخر.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.