مقدمة

وكما رأينا فإنّ البشرية قد شغلت نفسها منذ الأزل بالأسئلة الكبرى حول الكون والحياة والوجود والغاية، لم تتوقف هذه التساؤلات في أي زمان وأي مكان، سواء كان سائلها يتكلم العربية أو الفرنسية، سواء عاش في مصر أو في الكونغو، أكان غنياً أم فقيراً، شقياً أم سعيداً، كانت هذه الأسئلة واحدة في مغزاها، وعلى الرغم من التطور الكبير في مفاهيم البشرية إلا أنّ عملية طرح الأفكار استمرت وتوالت، وفي ظل التطورات الجديدة في العلم والمعرفة، استمر البحث عن إجابات على أمل أن يرضى الإنسان بما توصل إليه.

في أزمان سابقة كان يتم تفسير ظواهر الكون بالاعتماد على الخرافة، وفي أزمنة أخرى اعتمدوا على العلم، وفي أزمنة على الدين، وفي أزمنة على الدين والعلم وهكذا، إلى أن وصلنا إلى زماننا هذا، والذي من المفترض أنه درة تاج الأزمنة على كل الأصعدة سواء كانت علمية أم فلسفية أم أدبية أم مجتمعية أم دينية.

من كتاب حتى الملائكة تسأل يقول الكاتب جيفري لانج، تتابعت مشكلاتي مع الجنة، لأني كنت كلما تخيلت الله بقدرته على خلق هذا العالم، تساءلت عن سبب خلقه له، لماذا لم يدعنا في الجنة وللأبد من البداية؟ ولماذا جعل فينا عيوباً كي يعاقبنا بآلامنا على الأرض؟ لماذا لم يجعل منا ملائكة أو مخلوقات أفضل؟ أين قدرة الله اللامحدودة في العدالة؟ ولكن أين العدالة وأنا لم أختر طبيعتي؟ وأنا لم أخلق الغواية والإغراء، أنا لم أطلب منه أن يخلقني، ولم آكل من الشجرة الملعونة [2]، هل خطر ببالكم أنّ عقاب الله لنا يفوق حجم جريمتنا بكثير، وأنّ الحب والرحمة لا تنسجم معهما هذه العدالة.

وقد بدأنا بحثنا في الكون وقد وجدنا أنه مهندَس جداً ومنظم ومنضبط وهو بحاجة إلى مبدع، ثم بحثنا في جسم الإنسان وأيقنا أنه لا بُدّ له من خالق، وأخيراً بحثنا في فلسفة الحياة ورأينا أنها لا تكتمل إلا بنظام ومبادئ من عند الخالق المبدع، بالإضافة إلى أننا يجب أن نبحث عن كُتيب تعليمات أرفقه المصمم حتى نفهم النظام، نحن نرغب أن نفهم شيئاً عن المصمم أو الهدف من تصميمه وأسئلة أخرى في هذا السياق.

لكن، هل هُنَاك مُصممون أعلنوا عن أنفسهم؟ أم أنّ المصمم لا يكترث لما صمم؟ ولو كنتُ مصمماً صغيراً وبنيت شيئاً عظيماً لوضعت توقيعي عليه ولرغبت أن يعرف العالم عني، قد يظهر لنا عدة مصممين أثناء بحثنا في قوائم المصممين، لذلك نحتاج إلى آلية حتى نرى من منهم صاحب الادّعاء الصادق، ومن خلال إعادة استدعاء فكرة أنّ العالم يشبه برنامج حاسوبي أو لعبة فيه والمصمم هو مبرمجه، فإننا يمكن أن نضع المواصفات التالية التي يجب أن تتوفر في المصمم وهي:

  1. عظيم جداً جداً وتَفُوق عظمته عظمة الإنسان بمستويات عدة، وعلى جميع الأصعدة.
  2. تَفُوق قدراته ما يمكن للشخصية في اللعبة تخيله.
  3. أرسل إشارات عنه ودلائل على عظمته، وبصمته ظاهرة في اللعبة يراها اللاعب.
  4. مصنوع من مادة غير مادة اللعبة ولا يمكننا فهمها بدقة حالياً.
  5. بعد انتهاء اللعبة ووصول اللاعب إلى الأهداف، قد يكون هُنَاك خاتمة تليق باللعبة واللاعبين منها التعرف عليه مباشرة.
  6. لا تنطلي عليه قوانين اللعبة فهو من صممها وهو خارج عنها.

إذن أفكار مثل أنّ الإله على شكل حجر يتم نحته أو عجوة يتم أكلها، أو أن يتم حمله على عربة ونقله من مكان إلى آخر، وأثناء نقله يتفتت الحجر ويتآكل، وتُمارس عليه العصافير طبيعتها فنضطر إلى أن نقوم بترميمه أو طلائه ليبدو إلهاً جذاباً وجديداً لا تتوافق مع شروطنا المبدئية، أو أن يكون هذا الإله إنساناً يتغوط ويتبول ويشرب ويأكل ويتزوج ويشيخ، وفي المهد تمسح له أمه سوءته ويضربه الأطفال أثناء لعبه معهم، أو أنّ أحد ما قام بختانه وقذف جزءاً من قضيب الإله في القمامة، هي أيضاً مخالفة لشروطنا.

أو أنّ هذا الإله العظيم تعارك مع مخلوق من مخلوقاته فصرع المخلوق الإله، فبكى الرب وجلس ذات مرة يحلق شعر رجليه بموس مستأجرة في إحدى الخرب ولم ينسَ الرب أن يحلق شعر إبطه فهذا ستايل خاص بالآلهة لا يفهمه البشر، أو أنّ الرب يبكي ويزمجر ويشتم ويلعب، كذلك قد يندم هذا الإله العظيم ويعض أنامله، ويمكن أيضاً أن يجامع امرأة، أو أفكار مثل أن يتمثل هذا الإله العظيم في صورة بقرة أو كلب أو شعلة نار أو فرج امرأة أو أن يكون سيد الشرور وغيرها من الصور المُستحيلة التي لا يمكن أن تنطبق على الإله المصمم العظيم الذي وضعنا له شروطاً منطقية.

صورة 29 الرابط بينك وبين الخالق في لوحة مايكل انجلو هو عُقلة إصبع، قرار البحث عنه لا يتطلب سوى حركة بسيطة من إصبعك.

إنّ خطوة الإيمان الحقيقي تبدأ من التجرّد من كل شيء، والتفكُّر في هذا الكون، والسير في رحلة تساؤلات تبدأ من هل جاء هذا الكون بالصدفة، أم كما يقول البعض هُنَاك من أوجده، لنتفكر، ونستكشف ونتحقق ونتأكد، وبعد أن توصلنا إلى استحالة أن يكون قد جاء بالصدفة، يجب البحث عن هذه القوة العظيمة التي صممته وبنته، لنر هل هُنَاك قوة عظيمة أعلنت عن نفسها، نعم رأينا أنّ هُنَاك عدة قوى ولكن من تنطبق عليها شروطنا هي القوة التي اسمها الله، وقد أعلنت عن نفسها عن طريق شيء يدعى الأنبياء، سنبحث عنهم ونُمَحصُهم بالقدر المستطاع، ولا يتم هذا إلا عبر المنحة الكبرى، الشيء الأعظم الذي صممه وأودعه هذا المصمم المُتقِن، الشيء الأسمى في الوجود الدال عليه، إنه يا سادة العقل بلا تردد.


اترك تعليقاً