حينما تُوفيت خالتي وقفت بجانب جثتها ونظرت إليها وتذكرت الأيام الجميلة التي مرت علينا سوياً، على الرغم من أنها جثة هامدة الآن ولا شيء يربطها بهذا العالم إلا أنّ وجودي بجانب الجثة أمرٌ له مشاعر خاصة لا يمكنني فصلها عن السياق العام للحياة بأن الميت قد انتهى من الحياة، وأتساءل هل الجلوس بجانب الجثة أمر ديني أم فعلٌ وثني، أم مُجرَّد عمل يقوم به الإنسان هكذا دون تفكير وتوجيه مسبق، ولا يمكن فصل مشاعر الإنسان في هذه اللحظات عن كيانه ككل، كذلك حينما أمر من جانب قبر أبي وعلى الرغم أنه قد تحلل الآن رحمة الله عليه إلا أنني أشعر بشيء ما يجذبني إلى قبره وبوجود مشاعر تشدني لكيانه، هُنَاك ذكريات كثيرة ولحظات متداخلة، لا يمكننا فصلها عن الذات البشرية، هذه المشاعر هي ما تجعلنا بشر رغم كل المادية في حياتنا.

 وحينما قمت بذكر والدي وقلت رحمة الله عليه، لم تُضِف هذه اللفظة له كثيراً، فقد انتقل إلى عالم آخر، لربما هي وسيلة للتخفيف عن النفس، وفي حال عدم وجود الدين يمكنني القول كلما تذكرت أبي: عَلا ذكره، أو جل شأنه، أو استمر خيره وهكذا، هي عبارات قد يكون لها أثر كلمات الدين نفسها وهي للإنسان نفسه، شأنها شأن العديد من الأمور التي حث عليها الدين لتمجيد الشعور البشري، ولكن لماذا قلت رحمه الله على والدي؟ هل لأن الأمر ديني؟ لا على ما أعتقد، هو مُجرَّد أمر يريحني وجلبته من الدين، أنت تفعل ذلك وقد تقول، دام نوره، أو حسنت ذكراه أو ما شابه، هذا فقط لكي تحسن من نفسك، وهذا ما يحاول الدين فعله، يحاول ملء كل اللحظات عليك وجعلها جميلة وذات معنى، ويريحك من عناء النحت.

ستبقى البشرية تدور في الدوائر نفسها، صراعات ونقاشات مرتبطة بالصدق والأمانة والشهوة والطعام والجوع والأبناء والجنس والمال، لذلك ستظل المسائل نفسها حاضرة في كل زمان ومكان، فإنّ تساؤلات مثل كيف أكون صادقاً، كيف ألبي شهوتي بطريقة صحيحة، متى أتزوج، ومن أختار وإلى أين بعد ذلك، ستظل قائمة إلى الأبد، قد يتوفر في هذا الزمان مدارس تعلمنا كيف نغتسل بعد الجماع وتؤكد على أهمية ذلك، إلا أنه في أزمان أخرى لم تكن هُنَاك هذه الدروس، لم يكن هُنَاك حصص في المدرسة مخصصة للصحة الجنسية، وقد لا تكون في المستقبل أو حالياً في دول أخرى، فالدين لا يعيبه ذكر التفاصيل البسيطة، بل هي ميزة لديه، وكثير من تعاليم عصرنا هذا انبثقت منه، الدين يخبرك أنّ النظافة مهمة لأنها نظام متكامل لحياتك، المجتمع يخبرك أنّ النظافة مهمة حتى لا يشتم رائحتك النتنة، والحكومة تخبرك بذلك حتى لا تخسر في علاجك، وبوذا يقول لك ذلك لأنه يحبك، أي مصدر يخبرك أنّ النظافة مهمة لنهتم به ونشكره.

سيظل موضوع النظافة قائماً لمئات السنين كما المواضيع الأخرى، فالبشرية كما هي، إلا إذا توصل العُلماء مستقبلاً إلى عملية تعديل جيني ليصبح الإنسان مثل الروبوت بلا مشاعر وأحاسيس ويمكن برمجته فيستيقظ في الثامنة صباحاً، ثم يقوم بتنظيف أسنانه تلقائياً، ولماذا أصلاً الأسنان، نبرمجه جينياً فيولد بلا أسنان، ونجعله يتناول الطعام شراباً فقد مسحنا من جيناته شهوة الطعام، وسيصبح مُجرَّد آلة عاملة تأكل لتتزود بالوقود اللازم لإنتاج الطاقة، في هذه الحالة يمكننا القول أنّ كل هذه التعليمات الدينية والنصائح تشكل أعباءً لا تلزم، فالبشرية لم تعد بشرية.

قد تسمع تهكمات حول موضوع النظافة والغُسل بعد الجنابة، ولماذا يجب على الدين أن يأمرنا بالغسل وأنه أمر بديهي، لكن لو جربت القيام بالبحث في محرك جوجل فستجد أنّ هُنَاك 145 مليون نتيجة عن كيفية الاستحمام بعد الجماع، وهذا يعني أنّ الأمر البديهي بالنسبة لك، هو سؤال يراود الملايين غيرك، تتنوع العقول ومستويات الفهم والثقافات، والدين يستوعب ذلك كله ويجيب عليه.

الدين يشجع على النظافة، ونحن نعرف أنّ هُنَاك أشخاصاً لا يغتسلون رغم تركيز الدين على النظافة، وهذه الفئة يجب أن تجد مشجعاً لها أو عاملاً حافزاً للاستحمام في الحالات المُختلفة. على سبيل المثال، بعد عملية الجماع هُنَاك غُسل، وفي يوم الجمعة يُستحب أن تغتسل، وفي الأعياد كذلك، كما نرى يحاول الدين أن ينظم حياتك في هذه الحالات، إذا أحببت النظافة ستكون سعيداً أنك تسير على الدرب، وإذا لم تحب النظافة نحن سنشجعك، وإذا لا ترغب أن تستحم لن نعزرك ولكن لن يكون هذا أمراً جيداً.

هُنَاك العديد من الأمراض التي يمكن انتقالها عبر الاتصال الجسدي، فقد تلتصق البكتيريا والفطريات بأعضاء الإنسان، ومن ثم ستتكاثر وتنقل له عدوى، إذن فالغسل أمرٌ صحيّ جداً، فضلاً عن شعور النظافة المريح، ولأنك ولدت في مجتمع مُسلم أو متدين قد تعودتَ النظافة، لكن العالم لم يعرف النظافة إلا بعد وصول الدين، ولعلي أذكرك بملكة أسبانيا إيزابيلا التي لم تغتسل في حياتها إلا مرة واحدة، والقصص كثيرة في عالم النظافة قبل الإسلام، فشكراً للدين الذي جعل العالم نظيفاً، ثم يعتقد العالم أنه جيد دونه، انظر إلى إحصائيات النظافة حول العالم، إحصائيات الاستحمام، إحصائيات الغُسل، إحصائيات تنظيف القبل بسبب الصلاة، لن تجدها مرتفعة إلا عند المُسلمين، مَن مِن غير المُسلمين ينظف قُبُله بعد كل عملية تبول للمحافظة على الطهارة؟ لقد اعتاد المُسلمون الأمر سواء كان هُنَاك صلاة أم لا، يجب عليهم المحافظة على الطهارة، ومن يُولد في وسط مُسلم وإن لم يكن مُسلماً، سيرى أنّ النظافة أمر بديهي.

النظافة مثال واحد على دور الدين في الحياة اليومية، والدين يرتبط في تحسين وتنظيم كل الفعاليات اليومية الأخرى، إنه نظام حياة متكامل مترابط.


اترك تعليقاً