تحاول بعض كتب الفلسفة صياغة عقيدة فكرية فلسفية كأسلوب حياة بديلة عن الدين، ولا أعلم ما الفائدة من طرح هذا البديل أمام الدين الذي يطرح نفسه كلاعب أساسي في هذا المضمار، إنّ البحث عن بديل ليحيد عن هدفه الأساسي حتى ينافس الدين يشبه شراء سيارة بهدف تحويلها إلى غواصة، بدلاً من شراء غواصة مصممة لهذا الغرض.
يحاول أن يخبرك الفلاسفة في قالب فلسفي أنّ بالإدراك العقلاني الهادئ يمكّنك أن تتحرر من الانفلاتات السلبية البدائية كالغضب والخوف والكراهية، ولكن لماذا فلسفة البساطة وهي موجودة في الدين، الدين يخبرك في كل مواضعه ألا تغضب، عشرات الأحاديث والآيات والقصص عن الغضب إن لم تكن مئات، وكذلك المواعظ عن الخوف والكراهية في إطار متكامل من الحبكة الدرامية والعاطفية والشعورية والاجتماعية التي تجعل من شخصٍ غضوبٍ مثلي حملاً وديعاً بين أنامل زوجتي.
إنّ الفلسفة كما رأينا تخبرك بحقيقة الحياة على أنها بلا أمل غالباً، وأنها بلا معنى، والتفكير الزائد ضار، وما سعي الإنسان فيها إلا لإيجاد معنىً في ظل هذا العبث الوجودي، وأنّ الانتحار خيار الأقوياء، بل إنّ الفلسفة لا تقف مع المُعذَّبين، بل تخبرهم أنّ هُنَاك الأقوياء والسادة، والبشرية معيوبة هكذا، وعليك بقٌبول الحياة، وأنّ الأمل أسوأ الصفات البشرية وهُنَاك الكثير من الأمل في غياب الأمل!
أما الذي يعطي النفس البشرية أفكاراً دافعة له في الحياة هو الدين، الدين هو ما يجعل الضعف قوة، الدين هو ما يمنحه أمل التغيير الفردي والجماعي ويعطيه القوة العظمى، ويشجعه على السعي وإن أفنى عمره أو مات في سبيل حريته ومبادئه، أفكار الجنة والخلاص والبطولة غير موجودة إلا في الدين، أما الفلسفة فتخبرك غير هذا، الدين من يخبرك أنّ الكون مصمم لأجلك، ويسير معك، وأهلك وأحبابك سند فيه، والمحبة والإخلاص أسلحتك ضد الضعف، العاطفة والتضحية هي أسمى ما يملك الجنس البشري في مواجهة مآسي الوجود.
بعكس ما يرى الفلاسفة أنّ الخوف من الله ومن عقابه وغضبه وتقدير المجتمع هي أمور غير محمودة، وأنّ الشعور بالذنب حينما يقترف الإنسان الأخطاء والآثام هي أمور مفسدة للجنس البشري، ولعمري أتعجب من إنسان يعتقد أنّ الشعور بحقيقة الجنس البشري وبضرورة مراجعتها حينما تضع رأسها على الوسادة ضعفاً وليس قوة.
تعيب الفلسفة على الدين أنه يُنمي الأجواء الحزينة أحياناً كالخوف من الله، كما رأى نيتشه أنها من غرائز الانحطاط لأنها تؤدي إلى تأثيم النفس، ويراها فرويد أنها من قوى الموت، لكن الندم على اقتراف الشرور لهو الدافع الأساسي الذي يمنعنا من اقترافها مرة أخرى، إنّ ظلم الناس والشعور به أو الخوف من عقاب المجتمع أو عقاب الله إن لم يرَنا المجتمع لهي أعظم الهبات في حماية البشرية من طغيانها على بعضها البعض، إني أستطيع أن أغتصب فتاة في مكان منعزل ولا أحد يمكنه أن يدري، ولكن خوفي من الله هو ما يمنع تحطيمها نفسياً إلى الأبد، شعوري بالخوف من غضب الله لهو دافع لا يمكن تناسيه في هذه اللحظة، خوفي من انتقام الله أو من ناره لهو ما يخبرني أن أصبر لأن الله سيعوضني في الجنة، لا أعني أنّ هذا هو الخيار الأمثل، لكن البشرية طبقات، منهم من يعمل الخير لنفسه، ومنهم من يعمله خوفاً ومنهم من يعمله طمعاً.
إنّ الكره الناتج في قلوب المُؤمِنين جرّاء رؤيتهم لشخص ظالم أو كاذب أو قاتل لهو أمرٌ أساسيٌّ في الإنسانية، أم هل المطلوب من البشرية أن تضحك في وجه قاتل مفتري! أليس من الصواب أن نغضب حينما نرى سياسي شرير يأكل حقوق البسطاء، أم أنّ الغضب هنا صفة سلبية عزيزتي الفلسفة!
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.