إنّ الدين هو فهمنا للنصوص التي أنزلها الله ويحدث أن يحصل لَبس ما بين الكلام المُنزل وبين فهم الناس له واستنباط ما اعتبروه الدين من هذه النصوص، فالناس يعرفون أنّ الربا مُحرّم وفق صيغة النص السماوي الواضح، ونعلم أنّ الربا محرم لأنه يُسبب ضرراً للغير، نتيجةً لذلك وقع الناس في حيرة بسبب الفوائد البنكية فهل تصنف ضمن الربا أم أنها المقصودة من النص السماوي أم لا، ولذلك وقع الاختلاف، قد يقول شخصٌ ما ولكن هذه مُشكِلة عميقة، لماذا النصوص ليست واضحة ومباشرة، فمثلاً عندما يقوم البرلمان بسن قانون جديد فإنه يُقر قراءة أولى وثانية ثم ثالثة، ثم يتم طرح القانون وإعلام الجميع، وإذا بدأت ممارسات التحايل على القانون فإنه يُصدر توضيحاً لمنع المحتالين من ليّ عنق نص القانون، وإذا لزم الأمر فإنه يتم إلغاء القانون ثم إصدار قانون جديد لا يحتمل التأويل أو إحداث اللبس عند الناس.
وهذه مُغالَطة من جوانب كثيرة منها أنّ النص السماوي لم يقل أنّه دستور قانوي، وإلا لو قال قبل 2000 عام: إنّ تعامل البنك ليس بربا، كيف كان سيفهمه السابقون؟ هو يضع مبادئ عامة، ومفاهيم وقيم عليا ونحن نسعى إلى تطبيقها، ولو قال النص السماوي مثلاً في نص دستوري واضح: لا يجوز تبديل الذهب بالذهب، لما صلحت لزماننا، ولدخلنا في دوامة القياس والتفسير والتأويل أيضاً، ثم هل لو كان النص السماوي مكتوباً في بُنود ونقاط مثل الدستور هل سيقبل الجميع به؟ بل ستوجه له انتقادات أكثر، ولدخلنا في دوامات أعمق في زماننا هذا، ثم هُنَاك قوانين من الدولة لا تعجب الجميع ولا يتفهمها أو تتقبلها كل المجتمعات، وتدور حولها صراعات إلى الآن، لِمَ لا نقبل قوانين الدين التي تحاول صناعة حياة جميلة كما تحاول القوانين التي يضعها البرلمان والتي قد لا تعجب المجتمع أيضاً ولكنها للمصلحة العليا.
مثال آخر تحريم الظلم وجعله محرماً بين الناس، والظلم كلمة شاملة لأفعالٍ كثيرة لا تُعَد ولا تحصى، هل لو أخبرك النص السماوي، أنه ممنوع أن تضرب من هو أضعف منك لكانت الأمور واضحة جداً؟ ماذا عن آلاف الصور الأخرى للظلم؟ لربما كان من الظلم أن تمر بجانب قطة تشرب الماء وقمت بتخويفها، هل هذا أمرٌ يجب ذكره في الدستور السماوي، أم أنه قانونٌ خاص يمكن استنباطه في زماننا هذا وفي كل زمان؟ كيف سيقول النص السماوي، أنّ قيادتك للسيارة مسرعاً في جو ماطر والمياه تملأ الطرقات والطريق مزدحمة أمر فيه حرمة كبيرة، وأنه يجب عليك التأني وألا تسرع حتى لا تؤذي غيرك، هل سيكون ذكر السيارة قبل 2000 عام أمراً منطقياً؟ وحتى في الدستور، بعد سنوات لن نر السيارات ولربما سيستخدم الناس الطائرات مباشرة، ماذا سيكون موقف قانون تحريم السرعة في الدستور؟ ألا ترى أنّ الأمر غير منطقي، وأنّ النص السماوي بذكره كلمة الظلم يعتبر كافياً، وفي كل زمان ومكان تقاس الأمور بناء على المعيار الأعلى الذي وضعه الإله!
الآن حينما نعود إلى النص القرآني فإننا في مُشكِلة مشابهة لفهم الناس لا حل لها، فالنص تفهمه كل جماعة وفق عاداتهم وتقاليدهم الخاصة، وقد يفهموه خطأ أو ليس بالشكل الأمثل، والمُشكِلة أنه لا توجد جهة مخولة بالكامل لتقول أنّ هذا خطأ وأنّ ما قصده الله مُختلف، فالمسألة مفتوحة، وفيها مقاربات كثيرة، وقد سبق وأنّ قالت فئات في التاريخ الإسلامي أنها مخولة فقط بالتفسير والتوضيح، لكنها كانت تعمل بأمر الحاكم أو أنّ تأويلها لم يعد سوى مطابقة لبيئتهم الضيقة، لا حل واضح لكن الفكرة العامة أن نصوص الدين صور وقيم عليا يجب فهمها وتبنيها وهي ليست قوانين حرفية يمكن التحايل عليها.
يقدم الإسلام نفسه كآخر الأديان السماوية الإبراهيمية، وهو يدعو إلى توحيد الله وعبادته وحده لأنه من يستحق العبادة، ويقدم فكرة الثواب والعقاب يوم القيامة، يرى أنّ الإنسان هو محور الكون لكن عليه ألا ينسى أن هدفه الأساسي هو عبادة الله مع تعمير الأرض.
صورة 34 الإسلام
وقد انقسم المُسلمون إلى عدة طوائف أكبرها طائفة أهل السنة، ثم الشيعة، وهُنَاك طوائف أقل تأثيراً أو اعترافاً مثل الإباضية أو الزيدية أو المعتزلة، والخلافات بينهم ليست عقائدية في الغالب، بل في الفروع مثل من كان أجدر بالحكم، وهل مرتكب الكبائر في الدين كافر أم له توبة، ويحتوي الإسلام على عدة مذاهب فقهية مثل المالكية والشافعية التي تختلف في حكم بعض القضايا دون خلاف جوهري فيها بينهم، ومرجع المُسلمون هو القرآن بالدرجة الأولى الذي تم تدوينه فور نزوله، ثم سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم التي تم تدوينها خلال عقود من وفاة صاحبها.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.