العذاب
إذا قضيت في حياتي 60 عاماً، سيكون ثلثهم نوماً، وثلثهم عملاً، والثلث الآخر استحماماً وطعاماً ومواعيد ومتع حياة، ولنفترض أنّ مجموع الساعات التي عصيت الله بها من عمري هو 10 سنوات بالمتوسط، فهل يعقل لأني عصيت الله 10 سنوات فقط، أن يدخلني النار خالداً مخلداً فيها للأبد! وما هو الجرم الذي ارتكبته بهذه الشناعة لأعذب كل هذا التعذيب القاسي! وغيرها من الأسئلة المهمة، سنراها في هذا الشأن.
يتهاون كثير من المُسلمين في موضوع عذاب الأقوام الأخرى وذلك لمُجرَّد أنهم ولدوا مُسلمين، ويقولون لمَ لا يتعذبون خالدين في النار بكل بساطة، مع أنه من المؤكد أنّ الله لم يخلقنا لكي يعذبنا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأنّ نتاج ثمرة الجهد في الدنيا وإن كان ناقصاً سنراه في الآخرة، ويُجيب بعض المتدينين عن سؤال المخلدين في النار حينما يسألون الله عن سبب تخليدهم في النار: لأنكم كنتم أشراراً منذ الأزل وستبقون كذلك، ويكمل بعدها شرب الماء وكأن شيئاً لم يكن.
هل يا رب أنا اخترت روحي وذاتي هكذا شريرة؟ هل لو كان اختياري لذاتي لرغبت أن أكون هكذا؟ أنت يا رب من خلقتني وأنت أدرى بي، ولو كان الأمر بيدي لاخترت أن أكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودون أي تعب في حياته أيضاً، كذلك يا رب أنا لم أرَ نفسي إلا في هذه الدنيا، لا اخترت نفسي أن أخلق، ولم أختر لنفسي أن تتعذب إلى الأبد، يا رب كيف تعذبني عذاباً أزلياً على أمر أنا أجبرت عليه، أرجوك يا رب، عذبني على قدر سنين عمري ثم اجعلني نسياً منسياً، فأنا عبدك العاصي الضعيف، لماذا أُخلد في العذاب وأنا كلي طوع يديك يا رب. هذه تساؤلات كل إنسان ضعيف يخشى عذاب النار الأليم.
صحيح أنه لا معنى للحياة دون وجود هذه النار وإلا كيف سيأخذ الظلمة والقتلة والمرتزقة والمغتصبون جزاءهم، هتلر وشارون وغيرهم من الأوغاد الذين أوغلوا في دماء الأبرياء دون وجه حق، لأنهم اعتبروا أنهم أعلى من البشر وأنه يحق لهم ذلك، هل من المعقول أن يفارقوا الحياة دون أن يتم محاكمتهم وتعذيبهم! لا يُريحني هذا، بل يُريحني أن يكون هُنَاك عذاب لهؤلاء الأوغاد، ويُريحني الاعتقاد بأن بعض الجرائم تستحق عقاباً أعلى درجة مما تبدو عليه الجريمة، وصحيح أنّ بعض الجرائم لا تتطلب القدر نفسه من العقوبة بالمثل، فشخص ضرب شخصاً في غرفة مغلقة، عقابه يختلف عن شخص ضرب شخصاً أمام حشد ليهينه بعد أن شتمه، في الحالة الأولى من العدل أن يرد له الصاع صاعين، لكن في الحالة الثانية لا تكفي عشرات المرات من رد الصاع بالصاع، وهذا ما يجب أن يحدث لبعض الجرائم، رد الصاع بمئة.
ولكن، ماذا عن شخص عمره 15 عام صغير السن مات في الحرب ضد المُسلمين لأن عشيرته أو القوانين شجعته فقط على الخروج دون وعي؟ هل غلطة واحدة كهذه كافية أن يخلد في النار، ألا يوجد تجربة أخرى، ألا يستحق هذا الشخص منا أن نفكر أنّ مصيره قد لا يكون النار، قبل أي شيء، فقط لنفكر أنّ الله قد يحاسبه حساباً غير حساب هتلر.
ولكن، ماذا عن شخص عاش في غابات الأمازون السحيقة في قرية منعزلة لا يملك حتى لُغة حديث مناسبة، كل ما يعرفه في حياته هو الصيد والالتقاط، لم يصله من يبلغه الرسالة الأخيرة، ومات على فعل الخير وعدم إيذاء من حوله رغم أنه عبد النمر كإله، هل بتفكيرنا البسيط هذا الشخص يمكن أن نصنفه ككافر في النار؟ كيف لهذا الشخص الذي لم تصله أي رسالة في هذه الغابات ولا يعرف بوجود عالم خارجها أن يدخل النار!
ولنرَ صورة أخرى لقد أتى لهذا الأمازوني شخص يبلغه الرسالة من الجزائر يتكلم العربية، ولكن الأمازوني لم يفهم منه شيئاً، هل يُعد هكذا قد وصلته الرسالة! قطعاً لا، لم تصله الرسالة وبذلك تسقط عنه حجة أنه تم تبليغه.
ولكن، ماذا لو نُقلت إليه الرسالة بطريقة خطأ، ففهمه أحد المُسلمين المتشددين أنّ الدين كله قتل، ومن ثم لم يسلم، هل هكذا تكون الرسالة قد وصلته! من المعلوم أنّ الكافر هو من وصلته الرسالة واضحة وصريحة عدة مرات وليست مرة واحدة وأنكرها لمصلحة دنيوية.
ماذا عن بروفيسور في الفلسفة المادية، ذهب ليبلغه رسالة الله رجل أشعث أغبر ليته يستطيع تهجئة اسمه، هل نكون قد أقمنا الحجة على البروفسور بتبليغ رسالة الله؟
صورة أخرى، هُنَاك شخص بدأ بالبحث في الأديان ليهتدي إلى الله، وقرأ الهندوسية والبوذية والمسيحية وأثناء قراءته للكنفوشوسية توفّاه الله قبل أن يصل إلى الإسلام، فهل هذا يُعد كافراً، إنه في طريقه للبحث لكن لم يسعفه الوقت!
ماذا عن شخص قرأ في الدين الإسلامي أثناء رحلة بحثه، ولكنه قرأ كتاباً قام بتأليفه شخصٌ متطرف، فوجد أنّ الإسلام لا يناسبه ومضى عنه، ما المطلوب منه أن يصنع أكثر من قراءة كتاب، هل من المفترض أن يُصبح عالم لاهوتي في كل دين يقرؤه! مع العلم أنّ أبسط دين بحاجة إلى 10 سنوات من تعلم اللُغة وقراءة كتبه لكي نتعرف عليه قليلاً، ولا أجمل من هذا الحوار الذي دار بين مُسلم وصديقه البوذي لتوضيح الفكرة إذ قال:
– إن لم تعتنق البوذية فأنت في النار!
– وماذا إن كنتُ قد ولدتُ في اليمن ولم أسمع بالبوذية؟
– وكيف يمكن ألا تسمع عنها، هل أنت جاهل؟
– حسناً، حتى لو سمعت عنها، هُنَاك ثلاث آلاف طائفة دينية في العالم كما تعلم، فكيف يمكن أن أقرأ عنها كلها وأتعرف عليها واحدةً واحدة لأقارن بينها وأصل إلى اختيار الدين الحق منها!
– لابد أن تبلغك الرسالة بشكلٍ أو بآخر فقد أصبح العالم قريةً صغيرة ولابد أن يَمُنّ الله عليك بالتعرف على بعض البوذيين ليهدوك إلى طريق الصواب.
– وماذا إن كنت لم أرَ من البوذيين إلا التكفير والإرهاب والعمليات الانتحارية في بلادي! كيف يمكن أن أقتنع أنّ هذا الدين الحق؟
– عليك أن تقرأ وتبحث عن البوذية الحقيقية وهي تؤخذ من كتابنا وليس من أفعال “المٌتبوذيّن”.
– إذن، يجب أن أتعلم اللُغة السنسكريتية لأفهم البوذية الحق بعيداً عن تحريف الناس ودعايات “البوذوفوبيا”.
– نعم، رائع!
– وأنت، ربما عليك أيضاً أن تبحث في جميع عقائد أهل الأرض وتقارن بينها قبل أن تجزم بأن دينك هو وحده دين الحق!
– لا، لقد أكرمني الله أن وُلدت على البوذية وهو دين الحق، ونحن البوذيون وحدنا الفرقة الناجية يوم القيامة والباقون كلهم في النار.
– “معترضاً” هل إلهك الرحيم والحكيم الذي تؤمن به سوف يدخلك و٤٠٠ مليون شخص آخرون الجنة لأنكم وُلدتم على البوذية فقط بينما أنا يجب أن أدرس عشرات اللغات وأطلع على مئات المذاهب وأكون ذكياً وفاهماً وواعياً ومحظوظاً بما فيه الكفاية لاختيار البوذية من بينها!
– “غاضباً” وهل من اعتراضٍ على مشيئة بوذا؟
– لا لا، أشهد أني آمنتُ ببوذا والكارما والنيرڤانا والحقائق النبيلة الأربعة والجواهر الثلاث! هل أدخل الجنة الآن؟
– نعم، نعم، لكن، حذار حذار من مذهب الماهايانا؛ فهو مذهبٌ شيطاني دخيل على البوذية وأتباعه شرُّ طوائف الأرض!
– شكراً لأنك هديتني إلى الطريق القويم، جعله بوذا في ميزان حسناتك!
ألا تستحق منا هذه المواقف وغيرها وِقفة جادة في قضية دخول الناس النار، ألا تستحق أن نعتقد أنّ دخول النار ليس كما نراه من الزاوية الضيقة التي ننظر منها، إنه موضوعٌ صعبٌ، لذلك فإن إطلاق الأحكام بسهولة غير مناسب فيه!
كتب الشيح محمود شلتوت كلاماً جميلاً في هذا الشأن، تحت عنوان: الحد الفاصل بين الإسلام والكفر في كتاب الإسلام عقيدة وشريعة، فقال: “إنّ من لم يؤمن بعقائد الإسلام وأصوله، لا يعد كافراً إلا إذا أنكر تلك العقائد، بعد أن بلغته على وجهها الصحيح، واقتنع بها بينه وبين نفسه، ولكنه أبى أن يعتنقها ويؤمن بها عناداً واستكباراً، فإن لم تبلغه تلك العقائد أو بلغته بصورة مفترة، أو صورة صحيحة ولم يكن من أهل النظر، أو كان من أهل النظر ولم يوفق إليها، وظل ينظر ويفكر طلباً للحق حتى أدركه الموت أثناء نظره فإنه لا يكون كافراً”
ولكن، ماذا عن المجرمين، المجرمين العاديين، فقد قال لي صديقي إنّ هذا إنسانٌ مجرم ويستحق ما سيناله من عقاب في الدنيا والآخرة، وأن الأمر في جيناته ولا فكاك منه، قلت له وماذا لو جلبنا هذا المجرم الذي نشأ في وسط سيء وشجعه أهله وأصدقاؤه على السرقة، ووضعناه في بيئة أخرى، في دولة أخرى، ومنحناه التعليم المناسب والوظيفة المناسبة، هل كان سيسرق؟
هل لو كان هُنَاك توأمان وضعنا أحدهما في بلاد حروب وويلات، والآخر في السويد، هل سيكونان بنفس الطباع والأخلاق والصفات وهما توأمان متطابقان؟
عزيزي يجب أن نحزن على المجرمين في بلادنا ونتعاطف معهم لأنهم نتاج بيئة مريضة، لم تُتَح لهم الفرصة الحقيقية ليبدعوا ويكونوا شيئاً ما، يجب علينا ألا نشتمهم لا يجب أن نجد مخارج لهم، أنا وأنت نفذنا من سوء البيئة ولربما نكون في يوم ما مكانه، ودورنا أن نناضل لتحسين الوضع حتى لا يمسي أحد من المجرمين في بلادنا كما في بعض المدن التي أغلقت السجون لعدم وجود مجرمين!
تؤخذ هذه النقاط في عين الاعتبار في القضاء فالاسترحام والتخفيف من الحكم، والله تعالى أعلى وأعدل غداً يوم الحساب، فلا تكن جلاداً يا صديقي لأنه لو كانت جيناته هي السبب، فكيف سيحاسبه الله على شيء وضعه فيه رغماً عنه؟
وماذا لو كنتُ شخصاً مريضاً هرمونياً، بطفولة بائسة وعقدة عقلية، وقمتُ بقتل شخص ما في لحظة هرمونات زائدة، في لحظة هوس ما، أرجو ألا يكون حسابي عندكم كأي قاتل آخر، لذلك لا أتوقع أن يكون حسابي عندك مثل حساب الناس، أنا مريض وهُنَاك أوراق وفحوصات تُثبِت ادعائي، الصورة لديك مُختلفة، وأنا أفعل أفعال دون وعي، وأنا أعاني لأن الله خلقني مريضاً، أرجوك أن تتفهم أنّ فعلتي المشينة ناتجة عن مُشكِلة عضوية، ولا أستحق العذاب للأبد بسبب غلطة واحدة في لحظة ما بسبب خلق الله لي بهذا الشكل!
صور كثيرة متنوعة تستوجب منا أن نعيد النظر في دفعنا لتخليد الناس في النار على كل كبيرة وصغيرة، إذ أن هناك صور شتى متنوعة لكل منها حكم خاص، والله الحكم العدل، وقد تكون النار مخلوقة للتخويف أكثر منها للتعذيب نفسه، ويقول الله في كتابه )ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ( وهذا كما أقول لابني، إذا لم تدرس ولم تنجح هذا الفصل أو إذا اعتديت على أختك فسوف أعاقبك بشدة، وفي كل الأحوال لن أعاقب ابني بشدة بالطبع ولكن التخويف أسلوب ينجح مع بعض البشر، ويصبح هنا كثير من فقرات الدين يمكننا فهمها مجازاً كآيات العقاب وأحاديث التغليظ في العقوبة على أنها حث على العمل الصالح ومحاولة للردع أكثر منها للحقيقة.
ويجب أن نسأل الآن، ما دام الهدف منها التخويف، فما الهدف من التعذيب بالنار؟
والإجابة كلها استنتاجات، وقد لا تكون صحيحة، ولكنها الأقرب إلى فهم العقل البشري لرحمة الله ولمفهوم الدين والآيات، النار هدفها تنقية الناس وإرسالهم بعدها إلى الجنة، فمثلاً إنسانٌ قلبه في هذه الدنيا مليء بالأمراض، يجب أن يتم تنقيته وبالطريقة القاسية، حتى يفهم قدره، ويذهب إلى الجنة جديداً وجاهزاً، وفي هذا السياق، هُنَاك اثنان من البشر وجب عليهم العذاب وهم:
1- من عذّب الناس في الدنيا.
2- من كره الناس وكان قلبه مليئاً بالأحقاد.
ولكن، هل النار خالدة؟ إنّ مسألة فناء النار أو خلودها من المسائل الشائكة بين علماء المُسلمين، واختلف عليها العُلماء، وأهل السنة في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب:
- من قال بأبدية النار أبدية مطلقاً.
- من قال بفنائها بعد حقب طويلة.
- من علّق ذلك على مشيئة الله تعالى.
وممن ذهب إلى فناء النار سيدنا عمر بن الخطاب وابن تيمية وابن قيم الجوزية، لأن كون عذاب جهنم أبدياً سرمدياً لا انقطاع له يتنافى مع رحمه الله التي هي صفة من صفاته تعالى، وفي موضع آخر يقول المولى عز وجل: )لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً( أي أنّ البقاء في النار مدة من الزمن (الحقبة قرابة 80 عام) وتنتهي هذه الحقب في النهاية، وآية من الآيات التي تبين أنّ النار قائمة بما شاء الله هي قوله تعالى )خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاواتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ أن رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ(، ومع التعليق على المشيئة المبهمة لا يبقى للجزم بوقوع الأبدية مستساغ، ثم هُنَاك احتمال وهو أن يفني الله تعالى النار مع إفناء أهلها، واحتمال بأن يفني النار ولم يفنَ أهلها والأدلة من القرآن كثيرة، وكله بقدر الله ومشيئته سبحانه وتعالى، وكل ما نقوم به من محاولات تفكير لا تنفع ولا تضر.
ومن هذه الأدلة أنّ العرب في لغتهم يستخدمون كلمة خالد للإشارة إلى المدة الطويلة، وكان العرب يطلقون على الرجل الشاب أنه من المخلدين من الرجال، وحجارة الطبخ تسمى الخوالد، ونرى هذا المعنى واضحاً في لأخلدنك في السجن أي سأبقيك لمدة طويلة ونرى أنّ سيدنا يوسف خرج من السجن ولم يبقى للأبد بعكس المعنى المعتاد للخلود، والمزيد في )يحسب أنّ ماله أخلده(، )ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه(، بل وكلمة أبداً تعني المدة المُحددة وليس الأبد، فنقرأ في القرآن )قَالَ مَا أَظُنُّ أن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً(، )فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً(، )وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا(، )وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا(، فهذا يحيلنا إلى أنّ العذاب إما قصير أو طويل، والطويل هنا يطلق عليه القرآن لفظة مخلدين، كل هذا يا عبادي للتخويف، )ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ( لا تستهتروا فقط، أنا من أنصار أنّ الكلمة تأخذ معناها من سياق الجملة، ولا يجب الربط بين كلمة الخلد في مواضع مختلفة، ولكنها تبقى أمنيات بأن تكون النار غير خالدة.
الطاوية ديانة صينية تُرجع الأمور إلى الطبيعة بعيداً عن الحضارة والمدنية، وهي تعود إلى مؤسسها المسمى لوتس، الذي وضع كتاب القوة الذي يحتوي على مبادئها، يؤمنون بالإله طاو السابق للكون، والمنتمي إليه لاحقاً، كما ويؤمنون بوحدة الوجود، وعلى الشخص الطاوي أن يتجرد من الماديات، ليصل إلى الدرجة الروحية المطلوبة.
لو أحضرنا لك أكثر إنسان كرهته في الكون وترغب بالانتقام منه، نفترض أنه قام بقتل أمك وأبيك وأخواتك وأبنائك أمامك دون رحمة، وقلنا لك تفضل عذّبه، قمت أنت بذبحه، ومن ثم أعدنا لك الرجل إلى الحياة من جديد لكي تعذبه مرة أخرى، فقمت بحرقه ومات، ثم قطعته ومات، وبعدها صعقته ومات، وبعدها أطلقت عليه النار، وبعدها قمت بفرمه، ورأيت في كل مرة صراخه وشدة عذابه وأشفيت غليلك، بعد 4 أو 10 مرات، هل ستحتمل تعذيبه أكثر من ذلك، ألا تشعر أنه أخذ عقابه؟ فما هو الداعي أن يتعذب للأبد ما دمت قد اكتفيت من هذه المرات ورغبتك انتهت منه، فأقبح الجرائم لن تأخذ منك أكثر من 10 مرات قتل.
صورة 39 مفهوم الين واليانغ في الثقافة الصينية يعبر عن الازدواجية أو الثنائية في هذا الكون.
في اللحظة نفسها سيقول لك هذا الشخص المعذَّب، لقد أطلقت النار على أخيك وقتلته، فقمت أنت بإطلاق النار عليّ مرة، وقطعتني مرة، وصعقتني مرة وغيرها، فهل من العدل أن أقتل أخوك مرة وأنت تقتلني 10 مرات.
هل من العدل أنّ جرمي قتل شخص مرة، يكون عقابي قتلي مرة أو تجاوزاً قتلي 10 أضعاف، ولكن ليس من العدل أبقى أموت رمياً بالرصاص، لقد أخطأت خطاً كبيراً مرة، وأستحق العقاب لكن ليس للأبد، وكلنا نخطئ يا أخي.
أنت حينما حاسبتني أخبرتني أنّ جرمي في قتل أخيك، وأنك قد أتيت لتوقع بي العقاب المناسب، لقد وزنت بنفسك جرمي حتى تحاسبني على قدره، وأمّا لو كنت تريد أن تعذبني للأبد، لما قست بالميزان مقدار جريمتي، بل لأطلقت الحكم دون ميزان، صفعة مقابل صفعة، عين مقابل عين، نضاعف القصاص مرتين، مرة للعين ومرة للعربدة، هذا هو مقياس الحسنات والسيئات الدقيق، وإلا إذا كان العذاب للأبد، فما الداعي للميزان الدقيق! أرجوك أنا قبلت هذا العذاب لأني فهمت أنّ الموضوع تحقيق عدالة، وليس مُجرَّد تشفٍّ.
ولكن، لماذا لا يريد البعض هذه المحاولة في الاطمئنان؟ لأنهم يعتقدون أنهم قد ضمنوا الجنة، فلماذا أقاتل في قضية أنا ربحتها مسبقاً، وهذا إما أنانية فلا نحب الخير لغيرنا أو جهل فلا يوجد من ضَمِن عمله، أيضاً الإيمان مستويات، وكذلك الإلحاد، ومن غير الممكن أن يبلغ الإنسان أقصى درجات الإيمان بعقله الناقص، وكذلك من غير الممكن أن يبلغ الإنسان أقصى درجات الإلحاد بقلبه النابض، لا لحظة نقول فيها، هذا ملحد خالص يستحق النار أو العكس.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.