في مجتمع مُتطرف، كلما تطرفت أكثر، أمسيت طبيعياً فيه، وكلما فكرت وتعقلت أصبحت غريباً فيه، وقال لي رغم أنّ هذه المرأة غير محجبة ومنفتحة إلا أنه يا للخسارة زوجها متدين وجبان لا يستطيع إجبارها على لبس الحجاب، قلت له وهل له في الدين أن يغصبها على لبس الحجاب أو حتى الصلاة وما ودليل ذلك، ماذا عن عشر آيات من القرآن تحث على حُريّة المعتقد والإيمان؟ ولا يجوز إجبار أحد على العبادة، مثل )لا إكراه في الدين(، )أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مُؤمِنين(، )لست عليهم بمسيطر( وغيرها من الآيات، ولو شاء ربك لخلق كل الناس مُؤمِنين يصلّون كما يشاء، ولكنه خلق العقل وترك له حُريّة الاختيار، اختار شخص على سبيل المثال الذهاب إلى النار، جل ما يمكنك فعله هو نصيحته، هو اختار الطريق هذا، ما دام لا يؤذيك فلا شأن لك به، وما للزوج إلا النصيحة والكلمة الحسنة، أما الإجبار في الدين فليس من الدين وليس من المنطق، لأنك ستخلق مجتمع منافق يتعبد لأجلك لا لأجل الله، وماذا لو تزوج مسيحية؟ هل له أن يغصبها على الصلاة مثلاً؟ بالمنطق لا.

ويمكن القول أنّ أهل القِبلة كلهم مُؤمِنون، لا يمكن تكفير أي شخص منهم مهما قلل من فرائض الدين أو زاد، ما دام لم يعتدِ على غيره، وما يؤكد هذا أيضاً أحاديث كثيرة أذكر منها لا الحصر، عن أبى ذر الغفاري رضى الله عنه أنه قال: “أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبٌ أبيضُ، وهو نائمٌ، ثم أتيْتُه وقد استيقَظَ، فقال: ما مِن عبدٍ قال: لا إلهَ إلا اللهُ، ثم ماتَ على ذلك إلا دخَلَ الجنةَ. قلتُ: وإن زنى وإن سَرَقَ؟ قال: وإن زنى وإن سَرَقَ. قلتُ: وإن زنى وإن سَرَقَ؟ قال: وإن زنى وإن سَرَقَ. قلتُ: وإن زنى وإن سَرَقَ؟ قال: وإن زنى وإن سَرَقَ على رَغْمِ أنفِ أبي ذرٍّ. وكان أبو ذرٍّ إذا حدَّثَ بهذا قال: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذرٍّ”.

ويَصِف الشيخ محمد الغزالي (غير الغزالي الفيلسوف الذي سبق ذكره) من يُسارع بالتكفير بالجهل التام في هذا الدين، ويقول الإمام محمد عبده، لو صدر من رجل كلام يحتمل 100 وجه كفر ووجه واحد فقط إيمان فسنعتمد الإيمان، وقد كان أيام الرسول أشخاص يكفرون ليلاً ويؤمنون نهاراً لم يقتلهم الرسول والصحابة من بعده، لكنهم عندما سرقوا ونكلوا وقطعوا الأشجار تم إقامة الحد عليهم، وإذا أراد شخص اختيار طريق الإلحاد فهو حر، لكن بالقياس، إذا أراد نشر الشرور من جنس وخمور ومجون وتحرش واغتصاب في المجتمع فهذا ممنوع، شأنه شأن المُسلم بالضبط إن أراد ذلك.

ولا شك أنّ تكفير الناس جملة من أكبر الكبائر، كما هو تكفير الأفراد الذين لم يثبت كفرهم، فعلى الأغلب هم دخلوا الإيمان بيقين حين نطقوا بشهادة أو ولدوا من أبوين مُسلمين وما ثبت بيقين، يجب أن يزول بيقين ينفيه، ومن الخطأ اشتراط الحكم بإيمان من قالها أن يكون قد فهم معناها، على الوجه الحزبي أو الخاص بجماعة إسلامية معينة، فلقد آمن الناس في بلاد الله غير الناطقة بالعربية، دون أن يُقال لهم: يجب أن تخلعوا الحكام الذين لا يشبهونكم، وتُكَفّروا من لم يعلم ما علمتم من كتاب أبو الأعلى المودودي المصطلحات الأربعة، الذي لم يكن موجوداً في بلاد السند والهند والتتر والملايو وأندونيسيا وأفريقيا السوداء قبل قرون بعيدة [147]، وقد أجمع المُسلمون، على أنّ من نطق بالشهادة ثم مات قبل أن يصلي ركعة مات مُسلماً، فكيف يدخل في قلوبكم هذا التطرف في التكفير لأن دين الله يقول )لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ(، وفي كل الأحوال ما دام الإيمان والكفر اختيار فردي حر، فأولى بأولى الاختيار داخل ذات الدين أكثر حُريّة! وماذا سنفعل أيضاً في كل هذه الآيات! 200 آية في القرآن الكريم عن حُريّة العقيدة والمعتقد قد جمعهم الشيخ محمد الغزالي.

  1. )وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ(.
  2. )لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً(.
  3. )وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا(.
  4. )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً(.
  5. )وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى(.
  6. )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمِنينَ(.
  7. )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُختلفينَ(.
  8. )وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً(.
  9. )إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(.
  10. )لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(.
  11. )وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ(.
  12. )وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ(.
  13. )لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ(.
  14. )فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ(.
  15. )فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً(.

وغيرها من الآيات في القرآن الكريم، ويبقى السؤال هنا، متى طبَّق المُسلمون هذه الآيات بعد عهد الخلفاء الراشدين؟ للأسف نحن أتباع التشدد ولا ندري! وأما اليوم فقد فشلنا في المواءمة بين التطور العصري وأحكام الدين وهذا ما نتج عنه التحريم السريع، أو التشديد في الحكم، وإطلاق أحكام التكفير، فما أسهل أن نقول لأي شيء حرام، والحلال هو رخصة من ثقة يعطينا إياها فنتبعها.


كلما نظرت إلى كوكب بلوتو، تيقنت أن هُنَاك مكان يجب أن تتحقق فيه كل أمنياتي ورغباتي، فأنا لا أكاد أطيق اللحظة التي تطأ قدمي فيها هذا الجمال، ولكنها متعذرة في هذه الحياة، شأنها شأن لقاء والداي من جديد، ورؤية أبطال التاريخ والزواج بمونيكا وسكارليت وقائمة طويلة من الجميلات، حتماً سيكون هُنَاك مكان يصبرني لتلبية كل الرغبات، تحقيق الخيال، فما يتخيله الإنسان كما عرفنا موجود، وإن لم يوجد هنا، فسيوجد هُنَاك، وإذا وجدت في نفسي رغبة لا يرضيها شيء في هذا العالم، فأقرب تفسير لذلك أنني خلقت لعالم آخر.


اترك تعليقاً