لا مُشكِلة لدي من الاستهزاء بالدين أو بالنبي أو حتى بالإله إن كان هُنَاك ما يدعو للسخرية حقاً، مثل أنّ الله يلهو مع أحد مخلوقاته يومياً، لكن أن تستهزئ لمُجرَّد الاستهزاء فهذا يجعلك شخص غير موضوعي.
ومن الأمثلة على الاستهزاء الأعمى تكرار استدعاء فكرة وجود حديثين متعارضين عن زواج الإنسان بالبهيمة، الحديث الأول ضعيف ولا يقبل به علماء المُسلمون “من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة” والحديث الثاني قوي وهو “من أتى بهيمة فلا حد عليه“، وبما أنّ الموضوع منتهٍ بهذا الشكل عند دين المُسلمين، لماذا تكرار الاستهزاء!
ثم هل وجود سؤال لدى العرب قديماً للرسول حول هذا الموضوع يجعلهم في مرتبة دنيا؟ إذا علمنا أنّ الإنسان طوال الدهر كان يتزاوج مع الحيوانات وبشكل شرِه في أوروبا وأفريقيا، فما المانع من سؤال الرسول أو من التطرق إليه، مع العلم أيضاً أنّ الحُريّة في أوروبا سمحت للبرلمانات الكبرى نقاش هذا الموضوع، وقد توصلت الدول الأوروبية بسبب شيوع هذه الظاهرة مع الكلاب والقطط والأبقار والحمير إلى إصدار قرارات صارمة لإنهاء ظاهرة البهيمية، وبعد أن كان الجنس مع الحيوانات أمراً يُجيزه القانون، فقد بات ممنوعاً في ألمانيا عام 2012، ثم السويد وتبعتهم دول أخرى، وذلك بعد الدراسات المرعبة التي تبين انتشار هذه الظاهرة، ففي دراسة دنماركية جرت عام 2011، ظهر أنّ 17% من الحيوانات الأليفة قد تم استغلالها جنسياً! لذلك إذا كنا نوافق على هذا الفعل علينا أنّ نشهد للإسلام أنه سبق العالم في الحديث عنه، أما إذا كنا لا نوافق فعلينا أن نشكر الإسلام أنه نهى عما وافقت عليه أوروبا.
العديد من الكتب والمقالات التي تُهاجم الدين ليست دقيقة، مثلاً ترى الكثير من الكتب تنتقد الحديث ولا تأخذ به، والبعض يقول أنّ أغلب الأحاديث ضعيفة جداً ولا يجب الاستشهاد بها، ولكنهم يقعون في الخطأ بمهاجمة أحاديث ضعيفة لا يقبلها حتى المُسلمون، ولنا مثال في كتاب رحلة الدم (القتلة الأوائل) وكتاب الفرفشات وغيرها من الكتب التي تستهدف فئة تكره الدين وتريد أي شيء لتقوية كرهها ولو دون أي خلفية قوية وحتى البرامج المنتشرة على الإنترنت التي تناقش أكاذيب الإسلام، يعيبها أمران:
- الكذب غير الجميل، الكذب في كل جملة يجعل الكذب قبيحاً جداً.
- السذاجة، فمناقشة أتفه الأمور تجعل الفكرة منفرة، لماذا لبس محمد قميص أحمر ولم يلبس أزرق!
تدّعي هذه البرامج أنها أتت بما لم يأتِ به الأوائل، والحقيقة كل ما فيها إما أتى به الأوائل أو أنه افتراءٌ متأخرٌ، فمثلاً في برنامج يهاجم الدين، يدّعي فيه أنّ كل ما ينقله هو من كتب الصحاح، ولكن بعد متابعته ستجد أنّ كثيراَ مما ينقله ليس من كتب الصحاح، تراه يستشهد أنّ الأكراد جيل من الجن، وأنه حديث صحيح، والحقيقة أنّ هذا ليس بحديث أصلاً، بل مُجرَّد عبارة وردت في كتاب لاحق جداً للسلف، وغيره الأمثلة الكثيرة، عن مكان مكة، ومكان فرعون، واسم النبي حتى ووجوده وغيرها من الأمور العجيبة التي تجعل الحليم حيراناً، وإنها محاولة لنشر كل تشكيك في أبسط الأمور لتدخل في قلب كل متدين عبر كاريزما للإلقاء، وأسلوب لبق ومدهش يجعل كل غير مختص يصدق الكلام وينجر وراءه.
كثير ممن يرون فتاة محجبة يحاربها ويقول لعل الفتاة بائعة الهوى أفضل عند الله، أو من يرى مدمن كحول، فيقول لعله أفضل من إمام مسجد عند الله، وهذا خلط للصحيح والخطأ معاً، لأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل ولا توجد آية واحدة تقول الذين آمنوا فقط، بل الآيات تقول الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لأن العمل يظهر أثر ذلك الالتزام على العامل، والالتزام بالحجاب أحد هذه المظاهر.
ومن غير المنطقي أن تسمع أحداً يتأخر عن الحضور إلى الدوام لكنه يقول: صحيح أنني لا أحضر للعمل أو أني قليلاً ما أحضر إلا أني أحب الشركة أكثر من كل من يحضرون ويعملون.
أركان الإسلام مطبقة في مظاهر عملية كالصلاة والصيام والزكاة والحج، لتُعبّر من خلالها عن إيمان مقرُّه القلب، ولذلك فالإيمان قولٌ وعمل ولا معنى للإيمان القلبي دون أن يصاحبه العمل وليس هُنَاك ما يدل عليه، فقد رفض إبليس تطبيق العمل رغم إيمانه الشديد الحقيقي بعينيه، والذي هو أعلى بمراتب من إيماننا، ومن هذا يتضح أنّ القلوب ليست مقياساً في عُرفنا نحن البشر لأن أمرها يعود إلى خالقها. ونحن نحكم بالظاهر.
وفي سياق قريب يقول إدوارد سعيد في كتابه خيانة المثقفين: “اتبع المستشرقون كل الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافهم من خلال التعليم الجامعي، وإنشاء المؤسسات العالمية لتوجيه التعليم والتثقيف والمؤتمرات والندوات ولقاءات الحوار والمجلات ونشر المقالات وجمع المخطوطات العربية، والتحقيق والنشر وتأليف الكتب ودس السموم الفكرية فيها بصورة خفية ومتدرجة، وإنشاء الموسوعات العلمية الإسلامية … إلخ”، وهذا كله كما يقول لدعم وجود الغرب في البلاد العربية، إذ يجب أن يرى العرب والمُسلمون أنفسهم أقل من غيرهم، وهُنَاك مُشكِلة في جيناتهم وفي دينهم، نجد هذا بوضوح في الفرنكفونية الفرنسية مثلاً، لكن لا يعني هذا أن الحرب على الدين كما يتم نشره، إنها أمر استعماري بحت.
بول البعير
ومن أمثلة الاستهزاء الأعمى تكرار التهكم على قضية شرب بول البعير لدى المُسلمين، وباختصار فإن قصة شرب بول البعير في الإسلام هي آلية تداوي وصى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لقوم أصيبوا باختلاف المناخ حينما انتقلوا إلى المدينة، ولا يوجد كلام إضافي آخر عن هذه المسألة، إذ لم يوصِ القرآن بالتداوي بها، فقط أوصى بها مرة الرسول في حالة واحدة خاصة، وهذا يعني أنّ المرض كذا كان في سنة الرسول علاجه بول البعير، وهذا يعني وعي طبي بمقاييسنا اليوم، فلذلك الداء هذا الدواءٌ.
إنّ فكرة التداوي ببول البعير قبل 1500 عام بالطب البديل والطب الشعبي، هي نفس فكرة التداوي بعصير الليمون أو بالعسل أو حتى بحليب الناقة، في تلك الأيام لم يكن هُنَاك ديكلوفين، وكانت فقط هذه الطرق البسيطة والفعالة أيضاً، لماذا من الطب البديل القديم نتهكم على استخدام البول، ولا نتهكم على استخدام العسل، وكلاهما مادة من كائنات أقل من البشر تنتجها، وكلاهما نستخدمهم في حالات معينة! هل لأن العسل حلو والبول لا؟ العسل به مكونات كيميائية، والبول به مكونات كيميائية مثل اليوريا والبولينا، البول به بكتيريا والعسل كذلك.
أنا ضد شرب بول البعير بالمطلق لأن العلم تقدم وهُنَاك علاج لكل مرض معروف، لكن في العصور حتى القريبة منها كان البول علاج يستخدم للكثير من الأمراض والعمليات، فمثلاً بول البقر يجمع ويتم تجفيفه ليستخدم لتعقيم الجروح، بل واستخدمته أوروبا في تنظيف الأسنان هو طب قديم إلى أن ظهر الطب الحديث فلا أرى داعياً للتهكم بهذا الشكل على أدوات الماضي، كأن نتهكم على رجل الكهف لاستخدامه الحجر في تقطيع الطعام وليس السكين، ولو سافرت بالزمن ورأيت شخصاً في إسبانيا ينظف أسنانه بالبول، لكان في ذلك الزمن كأنه يستخدم فرشاة أسنان بالليزر، فهي قمة التقدم العلمي.
وحين احتمى أعراب بالعيش في المدينة ووصف لهم رسول الله بول البعير لعلاج المغص، إنما كان يصف دواء ذلك الزمن، ولو وُجد طب حديث على زمنه، لأمر الأعراب بالذهاب إليه، ولكن ماذا لو قال الطب الحديث اشربوا بول، وماذا لو قال الطب الحديث كلوا الغائط! هل سنتهكم أم سنقول وااو على التقدم! مع العلم أنّ العلاج بالغائط متوفر هذه الأيام. إن الجسم الصحي السليم تتوفر في أمعائه مجموعات من البكتيريا المُختلفة التي تقوم بوظائف مهمة جداً جداً، وكثير من الأمراض سببها عدم انتظام هذه البكتيريا ولعلنا نذكّر أنّ جسم الإنسان يحمل 10 أضعاف عدد خلاياه خلايا بكتيرية أخرى، أي أنه مقابل كل خلية حية إنسانية هُنَاك 10 خلايا بكتيرية، ونقوم هذه الخلايا بتنظيم العديد من العمليات وتفرز مواد مهمة وتحميه من كائنات ضارة.
الآن في بعض الأمراض يختل توازن هذه البكتيريا فتنمو بكتيريا غير مرغوبة، يتناول المريض اللبن فلا يتحسن ولا تحل محل البكتيريا الضارة، يقوم بعدة خطوات بلا أمل، فيكون الحل أن يتناول مستحلب من غائط شخص سليم تنتظم البكتيريا في جسمه فيتحسن مباشرة، مع العلم أنه يجب إجراء ما يزيد عن 50 فحصاً للتأكد من أنّ الشخص السليم يجوز استخدام غائطه للعلاج، لعلك تعتقد أنني رأيت هذا في صفحة فيسبوك وتقول يا لهذه السخافة، فأنصحك بالبحث في محرك البحث عن زراعة الغائط أو العلاج بالغائط، فأنت لا تنطلي على عقلك هذه الأقوال.
الأسد
رأيت البعض يستهزئ بأبسط أبسط الكلمات في الحديث واستغلالها بحيث لا يقبله صاحب نقد موضوعي، فالتهكم على حديث “وفر من المجذوم كما تفر من الأسد” خصوصاً بعد تفشي فايروس Covid19 أصبح مادة منتشرة، ويقول المتهكم، وهل لا يفر أحدنا من المرض ويلتصق به، وهذا منطقي لكنه اقتطاع وتلاعب، فالحديث له مقدمة “لا عدوى ولا طيرة ولا مهمة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد” إذ يعالج الرسول مُشكِلة عند العرب وينصحهم بها، وأن العدوى والمرض كله بأمر الله، لكن عليكم أن تبتعدوا عن المجذوم وليس فقط ترك مسافة عادية بل فرار كما تفر من الأسد، ولعل الأمر أتى في سياق حديث عدوى الجمال فسأله أحدهم، يا رسول الله هل المرض معدٍ على سبيل المثال، فقال له نعم واهرب من مريض الجذام بكل قوتك، كما أسأل اليوم الطبيب، فيخبرني لا تشرب من إناء واحد مع أبنائك لأنك مصاب بالأنفلونزا، أو يخبرني أنّ ابني مريض بالجدري وابتعد عنه وأنه يجب عزله في المنزل، وهذا كلام الرسول نفسه فلِمَ التهكم! هو يوجه نصيحة بناءً على سؤال فأين الخلل، كأن أسألك كيف مذاق البوظة، فتخبرني أنّ مذاقها رائع ولذيذ، فتقوم بالتهكم على جملة “إنّ مذاق البوظة لذيذ” وتقول، الجميع يعلم أنّ مذاق البوظة لذيذ، ما هي الفكرة الجديدة التي جلبتها بقولك هذا!
لا نعلم بدقة كيف تعامل الناس قديماً مع الأمراض، وهذه النصيحة جيدة ولا غبار عليها كما نصيحة حديث “إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها” وهذا أمر لا يذكروه للتهكم لأنه محرج لكم هذا الحديث القديم الذي يبنى عليه فكرة الحجر الصحي الحديث، وكلاهما حديث في السياق الطبي نفسه للعدوى.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.