مشكلات المُسلمين

إنّ شرط الإفلات من قبضة التخلف هو التعددية الفكرية والانفتاح الثقافي وإنهاء احتكار الرأي وتكافؤ الفرص والتفكير الحر والتعبير المستقل عن الرأي، ولا مجال لهذا إلا عبر الديمقراطية في الحكم، الديمقراطية ليست عقيدة، بل هي آلية لجعل العقيدة تعمل في الضياء وتتنفس الهواء، كانوا سابقاً يحجون راجلين على الإبل والبغال والحمير، ولكنهم يحجون الآن على الطائرات والسيارات والبواخر، تغيرت الوسائل وبقيت الغايات، والعلاقة بين العدالة ككفاية والديمقراطية كوسيلة هي مثالٌ آخر [184].

وإذا سألت أي عالم في الدين، لماذا نحن متخلفون؟ لماذا ما زالت فلسطين محتلة، لماذا ما يزال المُسلمون في ذيل الأمم، لرد عليك قائلاً: هذا بسبب بعدنا عن الدين! مع العلم أنه لا أحد أقرب منا للدين، هل تجد شخصاً يفطر رمضان أم ترى فتيات يخرجون إلى الملاهي الليلية، يرد عليك قائلاً، على العكس هناك الكثير من المظاهر، انظر للشباب تجدهم لا يعفون اللحى والفتيات لا يلبسن النقاب، فكيف سينصرنا الله، ولكن هل يعقل أن يهزمنا الله بسبب كم فتاة لا تلبس النقاب؟ وهل ترك هذا الإله العظيم كل الكفار في العالم يتقدمون علينا وينتصرون على الرغم من فعلهم لكل الموبقات والرذائل ليل نهار، وهم لا يعرفون الله درجة مما نعرفه! أي عقل هذا للتفكير، أي مصادرة للمنطق.

يصعد منكم الخطيب المنبر، ويخطب في الناس عن سبب تخلف المُسلمين عن العالم الغربي، ويستطرد ويقول إنّ هذا يعود إلى البعد عن القرآن وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وفي السياق نفسه نسي أنّ الغرب تقدم دون الدين الإسلامي أساساً، بل تقدم بقوانين حضارية اعتمد عليها دون الاعتماد على الدين.

وهل لو قام الشباب بقص شعره بطريقة تعجب الداعية، أو قامت الفتيات بعدم التزين، هل هكذا نكون قد عدنا إلى الله وطبقنا الدين وسرنا في أولى مراحل التقدم والتحضر، ونكون قد صعدنا أولى درجات سلم النهضة، إنكم أيها الخطباء والدعاة أحد أسباب تخلفنا، إنكم تمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، الناس كلها متدينة، تصلي في المساجد، وتصوم وتحج وتزكي، وتخاف الله ما استطاعت، وحينما ترى أحدهم على فراش الموت، تراه يطلب من الجميع المسامحة، وتراه يعيد المظالم لأهلها، ترى الناس تطلق اللحى، وتستعمل السواك، وتطبق سنن العيد …. إلخ، مظاهر الدين منتشرة، والناس يجتهدون قدر المستطاع أن يطبقوها.

أما عن الأسباب الحقيقية لهذا الانحدار والانحطاط والتخلف في العالم الإسلامي فهي كثيرة ومتنوعة منها على سبيل المثال الاستبداد السياسي والانغلاق الثقافي وغياب العقل النقدي وهيمنة العواطف وسلطة العوام والافتقار إلى العقل العلمي وغياب آلية المراجعة وعدم إدراك التغييرات التي طرأت على الحضارة الإنسانية والتنشئة على أوهام الكمال والتأكيد المستمر على الاكتفاء وإيصاد الأبواب عن الأفكار.

بل حتى الحركات الإسلامية تختلف فيما بينها بالشعارات والأسماء، لكنها تتفق بالمنطلقات والرؤى والممارسات، ولا تعرف الشفافية وتؤمن برؤية حيادية مغلقة وترفض آليات المراجعة والنقد وكلها تحيط قادتها بالتفخيم والتبجيل والهالات التي تجعلهم فوق المراجعة والنقد ومن هنا تستمر الأخطاء وتستفحل الانحرافات، ولم يظهر حتى الآن أي اتجاه إسلامي يبرز عظمة التعاليم الإسلامية، مع العلم أنّ الصراع السلمي بين الأفكار والاتجاهات والمدارس الفكرية هو مصدر قوة المجتمعات ولولا هذا التنافس بين الأفكار والثقافات لما حصل هذا التطور.

ولربما الخلل الأكبر في حياتنا بات بسبب التمحور حول السلطة والتزاحم الشديد على الوجاهة والتدافع على النفوذ، وإنّ ارتباط العربان بزعاماتهم العشائرية قد أخر قٌبول العرب الإسلام وظلت القبائل تحارب الإسلام وتصد الناس عنه إلى أن بادر زعماء القبائل، وقد انضموا له حينما صار قوياً كما في عام الوفود، الناس كانوا يسيرون حول الزعامات في الخير أو الشر، وقرارات الزعيم القبلي مرهونة بمصالحه، وحين انتشر نبأ وفاة النبي ارتد الزعماء ومعهم القبائل، الإسلام رفع شأن العرب، لكن البداوة والعصبية لم تستطع الارتقاء بهم.

انظروا إلى أوروبا 25 دولة تتخلى عن عصبات الأوطان وعن الحدود وعن أوهام السيادة والخصوصيات وتتخذ عملة واحدة وتتجه نحو الاندماج ولم يمنعها من ذلك اختلاف المذاهب ولا تعدد اللغات ولا ثارات التاريخ ولا الاختلافات الشديدة في المستويات الاقتصادية وتجاوزوا خلافات الماضي وأنشأوا كياناً عملاقاً، قاموا بالترجيح بين المغانم والمغارم وآمنوا أنه لا يوجد خير محض ولا شر مطلق، الاتحاد الأوروبي أعظم إنجاز بشري إنساني في القرن العشرين أعظم من غزو الفضاء ومن كل الكشوف العلمية.

كما أنني أختلف مع فكرة محاولة الصلح بين الدولة الثيوقراطية والديمقراطية وإخراج الدولة الإسلامية، كما يحاول العديد من الكتاب والمفكرين، منهم لا الحصر فهمي هويدي في القرآن والسلطان، أو محمد الجابري في كثير من كتاباته، فأنا أؤمن أنها محاولات لا تسمن ولا تغني من جوع، هذه الموزة لا يهم لونها أخضر أو أصفر لإنسان جائع، يهمه أن يأكلها وكفى، لا يهمني هل الإسلام أقرب للثيوقراطية أم للديمقراطية أم للبطاطية، بل يهمني التطبيق على أرض الواقع، هل سينفرد الحاكم بتفسير الدين ووضع القوانين أم لا؟ هل سيكون الأساس في المناصب بناء على الدين أم بناء على الكفاءة؟ وغيرها من الأمور التي تعنيني، وحينها لو قلت لي الإسلام أقرب للبطاطية منه للديمقراطية قد أبدأ بالاستماع إليك، كذلك لا أهتم بأفكار الأسبقية مثل أنّ علماء المُسلمين قد سبقوا جان جاك روسو بنظرية العقد الاجتماعي بسبع قرون حينما أقروا كذا وكذا، هذه جمل تدغدغ العقل المُسلم بأننا الأوائل والسابقون وغيرها، والحقيقة ما يهم هو التطبيق على أرض الواقع، نلاحظ أنّ فكرة جان جاك روسو تم تطبيقها، وفكرة المُسلمين لم يتم تطبيقها، كأن أقول أنا اخترعت فكرة الكهرباء قبل 7 قرون ولكني لم أستطع تطبيقها إلى أن طبقها توماس إديسون، ما الفائدة من تكرار هذه الجملة دون عمل؟


اترك تعليقاً