المس

ومن المسائل التي ما زالت تؤخر المُسلمين هي مسألة تلبس الجن بالإنس ومسألة السحر، ولما كانت المسألة خلافية بين علماء المُسلمين ولا اتفاق عليها، فلم نترك رأي العُلماء الآخرين ونتمسك برأي العُلماء الذين يقولون بوجود السحر والمس، ولنعرض الرأي الآخر الذي يقول لا تلبس ولا مس ولا سحر على الإطلاق، وأدلة أنه لا يمكن للجن أن يتلبس الإنسان كثيرة، ونبدأ من القرآن الكريم إذ لا دليل بعده ما دام يدعي أحد الإسلام:

1- )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ(“: كرم الله بني آدم بالعقل واعتدال الخلق والعلم وقوة التحكم بالتفكير، فكيف يكرم الله خلقاً، ويسمح لمن هم دونه أن يركبوه ويسوقونه كالحمار، هذا يتنافى مع التكريم.

2- )إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً(: يبين الله أنّ كيد الشيطان ضعيف بالنسبة لكيد وتفكير الإنسان، ولو كان يساويه أو أقوى قليلاً لقلنا بجواز السيطرة على العقل البشري.

3- )وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إنّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ(: وفي هذه الآية الشيطان جمع أتباعه ممن عصوا الله، وأخبرهم بأنه لم يكن له عليهم أي سلطان، ولا أحد يقول أنني كنت السبب، أنا مُجرَّد أتيت ووسوست لكم (دعوتكم) وأنتم استجبتم، ماذا أفعل بكم، هل يا ترى لو طلب منكم أحد ما أن تلقوا أنفسكم في البحر لصدقتموه وألقيتم أنفسكم؟ أين عقولكم يا قوم (بصوت الشيطان).

4- )إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ”، “إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(“،) “إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً(: وفي هذه الآيات يقول المولى عز وجل للشيطان: إنّك لا تملك على عبادي أي درجة من السلطان، ولا تستطيع أن تفعل لهم شيئاً.

وبعد القرآن لا يوجد دليل أعلى، ومع هذا سنستمر في عرض الأدلة.

ولكن ما معنى المس في القرآن الكريم، هل هو ركوب الجن أم له معنى آخر؟ نتفق أولاً، هل يمس الجن الأنبياء؟ أي هل من الممكن أن يأتي شخص قائلاً إن الجن قد ركب سيدنا إبراهيم وعامله كالدابة وسيره كما يريد! ليس منطقياً وهذا كلام مُعيب.

يقول القرآن عن النبي أيوب )وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ( هنا المس من المنطقي ألا يكون الركوب، بل هنا معناها الوسوسة، أو أنه حاول أن يضره ويؤذيه، أي معنى ممكن أن يكون إلا أن الشيطان أعزكم الله يركب النبي كما يركب أحدنا الحمار، وهذا لا يليق بالأنبياء، فتكون آية )إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ(، أي الذي يشغله الشيطان من الوسوسة وتكرارها فيشعر بالاختناق والضيق جراء تكرار التفكير، والآية تقصد يقوم يوم الآخرة، إذ لم ير أحد أكلة الربا في الشوارع مصروعين.

أما السنة النبوية ففيها أحاديث تعد على أصابع اليد الواحدة يستشهد بها البعض للدلالة على المس مع أنه يمكن فهمها بطرق أخرى، وعلى صعيد آخر فإن هُنَاك أحاديث أخرى عكس هذه الأحاديث يقول فيها الرسول بوضوح أنّ الجن لا يمس الإنسان، وكل موضوع التلبس لم يعرفه الصحابة ولا النبي ولا السلف، وظهر من بعدهم بقرون، وهذا ما يؤكد أنه مصطنع.

الحساب

كيف سيحاسب الله إنساناً ممسوساً حينما يرتكب معصية، يخرج لنا شيخ قائلاً حسب أحكام الممسوس، وسنسأله من أين جلبت هذه الجملة هل وردت في كتاب الله أم سنة رسوله؟ نعرف أنه قد رفع القلم عن ثلاثة، ولم نسمع أنّ الممسوس من بينهم، فإذا لم يكن لديك في شيء غيبي نص، فلا تذكره.

درست في مصر دبلوماً بعنوان المرض النفسي والإدمان، وكان يضم خيرة أطباء الوطن العربي النفسيين، وكان كبيرهم الشيخ الدكتور النفسي كمال ماضي أبو العزايم، وهو أيضاً شيخ الطريقة العزمية، أي أنه صوفي متمرس في السنّة، فمن المفترض أن يقول كلام المتشددين في وقوع المس، وقد أعطانا كتاباً عن المس كان قد كتبه فيه ملخص حالات المس التي عالجها، وقال أنه من سنوات طويلة -لا تقل عن 40 سنة- تأتيه حالات مصابة بالمس، وحين يبدأ بفحصها تكون مُجرَّد أمراض نفسية، وأضاف بل جزم أنّ الحالات المصابة بالمس هي أمراض نفسية موثقة في كتب الطب النفسي ولها علاج، والأمراض النفسية تفسر كل شيء يمر به من يدعي أنه ممسوس، من تغيير صوت المصاب وحركاته، والأمراض كثيرة ومتنوعة مثل انفصام الشخصية، واضطراب ثنائي القطب، وغيرها.

أيضاً لماذا لا يمس الجن إلا المُسلمين، لم نسمع عن وجوده عند غير المُسلمين إلا في الأفلام، وحينما يصاب غير مُسلم بأعراض مشابهة يذهب ويتعالج عند طبيب مختص ويشفى، ولِمَ لا نرسل مجموعة من العفاريت الجبارة لكي يتلبسوا أعداءنا ويُؤدبوهم! ومن شدة إيمان الناس بهذه الخرافة، أُرسل صديق لي إلى مشعوذ طلب أن يساعده بأن يتلبس جن ما ضابطاً يقف على أحد المعابر لكي يستطيع الهرب دون أن يقبض عليه، ودفع مبلغاً مرتفعاً من المال، وبعد مرور شهر راجع صديقي المشعوذ سائلاً إياه ماذا حصل، فقال المشعوذ، لقد أرسلنا جناً قوياً ليتلبس الضابط على المعبر، لكن للأسف الضابط مُحاط بمجموعة من العفاريت القوية التي حمته! عاد صديقي مُصدِّقاً وسعيداً ولم يفكر حتى بطلب إرجاع المبلغ الذي دفعه! إذ أن هذا المجال من المجالات المربحة للدجالين بكثرة.


اترك تعليقاً