الموت مرة أخرى
على ما يبدو أنّ الإنسان حينما يموت فإنه ينقطع تماماً عن الدنيا، ولا شيء يربطه بها بعد ذلك، وأما أحاديث تحسين الميت مثل إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث هي من باب التحفيز على صناعة الخير، إذ يشجعك الدين على مُمَارسة الخير دائماً ويستغل كل موقف ليبقيك مرتبطاً بالمبدأ الأسمى ألا وهو فعل الخير، ولنفترض أنّ شخصاً ما قد مات وكان مصيره النار، هل يمكن لدعاء أحدنا أن ينقله إلى الجنة؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال، إن كنا مع الأمر فإن أكثر ما يمكن الدعاء أن يصنعه هو تخفيف العقوبة، فلا يمكن أن يكون شخص قد قتل وله عقاب ٢٥ سنة سجن أن تقلل من سنوات العقاب كثيراً لو تبرعت لمدير السجن بالنقود، يمكن أن توفر له خدمات أفضل ولكن العقوبة الأساسية تبقى كما هي، ولله المثل الأعلى ولا تشبيه.
ولنفترض أنّ هذا الشخص كان ذاهباً إلى الجنة، هل إضافة المزيد من أشجار النخيل لشخص يتنعم في ملكوت الله أمراً ذا قيمة! إذاً فكل دعاؤنا عائدٌ علينا بطريقة غير مباشرة وهو فقط لاستمرار تحسين مشاعر الإنسان، كما يفعل الدين دائماً، يخبرك أنه لا داعي للقنوط، هُنَاك متسع دائماً وهُنَاك أمل وهُنَاك فرصة دائماً للتحسين واللحاق.
وهذا أمر في صالح الدين لا ضده إذا تم إيصاله للجمهور بشكل سليم، ولننظر إلى ما قدمه هذا للبشر حول العالم، فأعمال عظيمة قد أُقسمت على أرواح الموتى، وبعض البخلاء الذين ما كانوا لينفقوا ديناراً واحداً في حياتهم على أنفسهم، قاموا بالتبرع بالمبالغ الطائلة على أرواح من يحبون حينما توفي شخص ما من أحبابهم، فمنهم من بنى مستشفى ومنهم من تبرع لأبحاث السرطان حتى يكافح سبب وفاة أمه، وغيرها من الأفعال العظيمة.
قد تقول أنّهم لم يتبرعوا على أرواح من يحبون، هم أرادوا تخليد ذكراهم، ولكن ما الفرق هنا، أنت تريد تجريد فكرة الروح بالعمل السامي، وتريد الربط بفكرة تخليد الاسم، تريد الابتعاد عن الدين، وما فعلته فعلياً هو ما يحث عليه الدين، العمل الصالح للأحياء، أنت لا تريد تقبل الفكرة من منطلق ديني، تريد ربطها بما تعتقده أنها فكرة مُجرَّدة.
وأما عن آلية الموت فإني أتوقع أنني سأغمض عيني في الدنيا، وفي اللحظة نفسها ستتفتح عيني في مكان آخر مباشرة، فأنا لم أغِب عنه لحظة، وحياتي سارت معه في خطٍ متوازٍ لا علاقة لها بالجسد في هذا العالم، كأن أقول لصديق، انتظرني لحظات ألبس معطف الشتاء وأخرج لك لكي نتمشى سوياً، فأنا مع صديقي طوال الوقت وما طرأ هو تغيير ملابسي ولا شيء آخر.
أحد الأسباب التي تجعل الناس لا تتقبل عذاب القبر أو حتمية الآخرة والحساب، هو خوفها مما فعلت في حياتها، قد يكون تاريخها مليء بالذنوب والمعاصي والمظالم، أو أنه سعى لفعل الموبقات، لذلك يحاول الإنسان لكي يفعل ما يحلو له أن يتخلص من رداء الدين حتى يريح كاهله ويفعل ما يشاء، ولكن عزيزي لكي تفعل ما تريد لا يجب عليك أن تحاول هدم الدين، افعل ما تريد واعترف أنك بشري، ولا تضع المُشكِلة في الدين، ولو عدت بعد 50 عام للدين ستجده يستقبلك ويحتضنك، لن يكون الدين عدوك إذا أردت أن تشرب وتزني، بل أنت عدو نفسك وعدو فعلك المشين، فلا تحاول كسر الدين لتقول لا دين وأنا حر في أفعالي، تقبل عيبك وتصالح معه، حتى لا يحدث الشرخ الدائم والقطيعة النهائية مع الدين، وحينما تهرم، لا تشعر بالحرج في العودة للدين، خجل من المصالحة، كذلك قد يكون لديك خصومة مع المتدينين وأصحاب اللحى، لا مُشكِلة فلدينا نحن كذلك، لكن لا ترم نفسك في براثن المادية.
موت الفجأة
ولكن ماذا عن موت الفجأة الذي يذكره المُسلمون دائماً؟ وإنّ الحديث الوحيد المقٌبول عن موت الفجأة هو أنه من علامات نهاية الزمان[9]، وباقي الأحاديث غير صحيحة ولا يقبلها العُلماء.
وفي ظل تطور العلم والفحوصات الدورية لا يوجد موت مفاجئ للبشر، ولو حدث موت مفاجئ لشخص يفحص دورياً، سيكون قصوراً في العلم، وكلما تقدم العلم، كان أضمن لمن يفحص ويتابع ألا يموت فجأة، ولكن هل يتعارض هذا مع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟
لا يتعارض، فمن لا يفحص ولا يتابع يموت فجأة، وهو ما قد يكون أشار إليه الرسول والله أعلم بهذا، ولهذا نبه الرسول منه لأنه سيكون من الغريب في هذا الزمن المتقدم أن يحدث موت الفجأة، فكيف لا يفحص إنسان ويطمئن نفسه! لكن، لماذا لا يكون موت الفجأة أمراً عادياً؟
لأن الله خلق الكون بنواميس ثابتة لا تتغير، غيرها في عصر الأنبياء فكانت المعجزة، أما بعد الأنبياء فلا معجزات، والكون يسير كما وضع الله القوانين له، إلا في حالات مُحددة، فكيف مثلاً لشخص يقع في النار ألا يحترق؟ هل سيكسر الله قوانينه؟ وضعت على الطاولة مفاتيحي وأنا أنظر إليها فاختفت، هل سيجعل الله الناس تصاب بالجنون؟ كلا لن يحدث، لذا من سيموت سيكون له أسباب حسب النواميس أيضاً.
إِن يَكُ المَوتُ قِصاصاً أَيُّ ذَنبٍ لِلطَهارَه ….. وَإِذا كانَ ثَواباً أَيُّ فَضلٍ لِلدَعارَه
وَإِذا كان وَما فيهِ جَزاءٌ أَو خَسارَه ….. دَلِمَ الأَسماءُ إِثمٌ أَو صَلاحٌ
لَستُ أَدري
أَيُّها القَبرُ تَكَلَّم وَاِخبِريني يا رِمام ….. هَل طَوى أَحلامَكَ المَوت وَهَل ماتَ الغَرام
مَن هُوَ المائِتُ مِن عام وَمِن مِليونِ عام ….. أَيَصيرُ الوَقتُ في الأَرماسِ مَحواً
لَستُ أَدري
إِن يَكُ المَوتُ رُقاداً بَعدَهُ صَحوٌ طَويل ….. فَلِماذا لَيسَ يَبقى صَحوُنا هَذا الجَميلِ
وَلِماذا المَرءُ لا يَدري مَتى وَقتُ الرَحيل ….. وَمَتى يَنكَشِفُ السِرُّ فَيَدري
لَستُ أَدري
اترك تعليقاً