ومن صور تعقيد جسم الإنسان هو آلية تعامله مع الضغوط الحياتية stress، فمُشكِلة عصيبة تواجهه تؤثر عليه جسدياً ونفسياً، بل ويعد الاستيقاظ باكراً من النوم والقفز من السرير الدافئ إلى العمل البارد وسيلة تنبيه (ضغط stress)، فتبدأ عشرات العمليات في الجلد على الأقل لموازنة اختلاف الحرارة، ثم تنطلق مئات العمليات المتعاقبة من الإشارات والهرمونات والإنزيمات للتغيير الطفيف هذا.

لتتم هذه العملية -البسيطة في نظرنا- يقوم الجسم بإفراز هرمون الكورتيزون الشهير من خلال منطقة مخصصة له هي قشرة الغدة الكظرية، فضلاً عن أنّ الكورتيزون محكوم بالهرمون ACTH الموجه من الغدة النخامية أم الغدد والمايسترو الذي يضبط إيقاع جميع الهرمونات في عملية مُعقَّدة جداً جداً، إلا أنها أيضاً عملية متراكبة، فهذا الهرمون من الغدة النخامية يتحكم به هرمون آخر من Hypothalamus اسمه CRH والذي يرتبط بجهازنا المناعي، ويرتبط أيضاً بالبكتيريا المُفيدة في الأمعاء، نعم يا عزيزي هرمون CRH مرتبط ببكتيريا الأمعاء، هذا يعني أنّ النظام قد وضع مرة واحدة هكذا، لا يجوز أن تخبرني أنّ السيارة قد صممت على حدة، والطريق وإشارات المرور قد صمموا على حدة، ومصادفةً وُجد شرطي مرور يربط العمليات، والبكتيريا حسب التطور هي دخيلة وليست من بناء جسم الإنسان.

إنّ إنتاج الكورتيزون البسيط هذا يجب أن يتم بدقة بالغة، لأنه هُنَاك على الأقل 140 عملية مرتبطة بتأثير الكورتيزون، فبمُجرَّد إنتاج الغدة الكظرية لهذا الهرمون البسيط من المئات في الجسم، تنشط عملية الارتجاع السلبي negative feedback في الجسم، وهي عملية مفصلة طويلة في جسم الإنسان، خلاصتها أنّ جسم الإنسان يسير وفق نظام مترابط محكم لو فلت شيء منه لمات الإنسان.

يوضح (شكل 41 تجاوب جسم الإنسان مع الضغط). أنّ جهاز المناعة لديه تصميم مُعقَّد غير قابل للاختزال، فلا يمكن لعملية أن تسقط سهواً في النظام، وإن فشلت عملية فقد فشل النظام ككل.


شكل 41 تجاوب جسم الإنسان مع الضغط.

أما جهاز المناعة، فهو يُشكّل منظومة متكاملة تسير وفق آلية شديدة التعقيد، إذ يحتوي على خلايا متخصصة في الكشف والفحص والتبليغ والهجوم وتسجيل الأجسام المضادة وآليات قتل وتحشيد مُختلفة، وآليات أخرى لحفظ وتسجيل آلاف إن لم يكن ملايين المستقبلات للأجسام الغريبة لفحصها والهجوم عليها، وتتكامل هذه الخلايا والآليات المتنوعة في عملها مع أعضاء أخرى كالغدة الدرقية، والأوعية الدموية، والـHypothalamus ومع هرمون الكورتيزون ومع كل أجزاء الجسم الأخرى، بل حتى مع نظام الحياة مثل الصيام الذي يبدو كأنه مُصمّم لتحسين جهاز المناعة وتحسين إصلاح الخلايا،


اترك تعليقاً