أجرى العالم توماس يونغ عام 1801م تجربةً كان الهدف منها دراسة طبيعة الضوء، سُميت بتجربة الشق المزدوج، فنيوتن كان قد افترض أنّ الضوء ذو طبيعة جُسيمية؛ أي يتكون من جُسيمات، أما تجربة يونغ فقد أثبتت أنّ الضوء يتكون من موجات، لاحقاً، تم استخدام هذه التجربة لإثبات أنّ الإلكترونات وباقي الجُسيمات الذرية ذات طبيعة موجية أيضاً.

على الرغم من بساطة تجربة الشق المزدوج إلا أنها لا تزال بلا حلٍ نهائي إلى يومنا هذا، وتعتمد التجربة على وضع مصدر ضوء أمام حاجز به شقين مفتوحين يسمحان بمرور الضوء، ويوجد خلف هذا الحاجز لوحة رصد يتم استقبال الضوء المار من الشقين.

من المُفترض أن يظهر على لوح الاستقبال خطان واضحان من الضوء نتيجة مرور الضوء من خلالهما كما نرى في (شكل 7 تجربة الشق المزدوج نظرياً)، لكن ما نتج عن التجربة هو مجموعة من الخطوط التي توحي بأن الضوء يسير بطريقة موجية نتيجةً لتداخل الموجات كما مرور موجات الماء من خلال شقين وتداخلهم خلف الشقين، ولكن لو كان في الحاجز شقٌّ واحدٌ فقط، فإن النتائج ستظهر على اللوح كما لو أنّ الضوء ذو طبيعة جُسيمية وسيظهر خط واحد فقط كما في (شكل 8 نتاج تجربة الشق المزدوج)!


شكل 7 تجربة الشق المزدوج نظرياً

نتيجة تجربة الشق المزدوج نظرياً، لو أنّ الضوء ذو طبيعة جسيمية


شكل 8 نتاج تجربة الشق المزدوج

بعد هذه التجربة بمائة عام حاول العالم ماكس بلانك حل مُشكِلة تجربة الجسم الأسود، التي كانت لا تتفق مع قوانين الفيزياء الكلاسيكية، إذ قام بتوضيح أنّ الطاقة يتم إطلاقها من الأجسام على شكل حزم طاقة مُحددة تسمى بالكمات، ولكي تنتقل هذه الكمات من مستوى طاقة إلى آخر فإنها تحتاج إلى كمية مُحددة من الطاقة للانتقال، وإلا فإنها ستعود إلى مستواها السابق، فلا مجال لنصف كمّة أو ربعها، بل كمّة ومضاعفاتها، وقد أطلق بلانك شرارة البحث في علم ميكانيكا الكم وهو لا يعلم.

لاحقاً، تم إعادة تجربة الشق المزدوج على الإلكترونات، وقد أُثبت أنّ الإلكترونات تتصرف كالضوء، وأنها ذات طبيعة موجية، إلا أنّ هذا يتعارض بالكامل مع النظرية الفيزيائية الكلاسيكية، والتي ترى أنّ الإلكترون ذو طبيعة جسيمية، وهذا أمر مُثبتٌ علمياً، فما كان من العالم لويس دي بروي إلا أن صدم العالم في افتراضه العجيب بازدواجية الإلكترون وأنه ذو طبيعية موجية وجُسيمية في آن واحد، وقد استطاع أن يبرهن على فرضيته هذه، وقد تم إثبات أنّ هذه الفرضية تنطبق أيضاً على جميع جُسيمات المادة الأخرى، مثل البروتون والنيوترون وغيرها، وهذا ما دفع أينشتاين للقول: “لدينا صورتان متعارضتان للواقع، إن كانتا منفصلتين لا تشرح أي منهما ظاهرة الضوء بشكل كامل، ولكنهما معاً يشرحانها بصورة مثالية” وهو يقصد الطبيعة المزدوجة للجُسيمات، إذ تسلك الجُسيمات مسلكاً موجياً في حركتها!

ومع استمرار التجارب والنظريات في بدايات القرن العشرين، ظهرت المزيد من التناقضات في قوانين الفيزياء الكلاسيكية عندما تم تطبيقها على المستوى تحت الذري (الكمي)، ومنها أنّ التصور لشكل الذرة الذي يشابه شكل مجموعتنا الشمسية، والذي فيه تمركز النواة في الوسط والإلكترونات في المدارات، يجب ألا يستمر بهذا الحال في ظل قوانين الفيزياء الكلاسيكية؛ لأن الإلكترونات يجب أن تتسارع نحو الجذب المركزي باتجاه النواة، مما سيُؤَدِي إلى بثّها لإشعاع كهرومغناطيسي، وهذا يُحتّم على الإلكترونات أن تفقد طاقتها شيئاً فشيئاً، ونتيجة لذلك تقترب من النواة حتى تصطدم بها في جزء من الثانية، وهذا ما لا يحدث في الواقع، بل تستمر الإلكترونات بالدوران حول النواة بلا توقف، بالإضافة إلى تجربة الجسم الأسود الذي يمتص كل الإشعاع الساقط عليه، ومن ثم يعيده مرة أخرى في آلية تعارض الفيزياء الكلاسيكية.

هذا ما دفع العُلماء إلى استنباط نظريات جديدة مخالفة للنظريات الفيزيائية التي تعمل على الأجسام فوق الذرية، وأسموها النظريات الكمومية في محاولة منهم لتفسير الظواهر على مستوى الذرة والجُسيمات دون الذرية، وقد حاول العُلماء بإعادة تجربة الشق المزدوج مع وضع مصدر لإطلاق الإلكترونات بدلاً من الضوء، مع وضعهم جهاز كاشف بعد الحاجز الذي يقف بين مصدر الإلكترونات ولوح استقبالها، لدراسة شكل الإلكترونات الموجية الخارجة من الشقين، فتفاجأ العُلماء بتغير شكل الإلكترونات الظاهرة على لوح الرصد كما لو أنها أمست ذات طبيعة جسيمية، وظهر خطين من الإلكترونات بشكل واضح، وحصلوا على مناطق ذات شدة إلكترونية ومناطق محرمة على الإلكترونات ما كانت لتظهر لولا أنّ الإلكترونات سارت في طريقة موجية.

حيرت هذه التجربة العُلماء في نتيجتها، وهذا ما دفع العالم هايزنبيرغ إلى إطلاق مبدأه الشهير الذي يُعرف بـ مبدأ الشك أو مبدأ عدم اليقين أو الارتياب، وينص هذا المبدأ على أنه لا يمكننا أن نقيس خاصيتين فيزيائيتين (كالمكان والسرعة) في لحظة معينة لأي جسم كمومي مثل الإلكترون دون وجود قدر من عدم التأكد من إحدى الخاصيتين أو كلتيهما، وإذا قمنا بتحديد سرعة الإلكترون مثلاً، فإنه سيصبح مُستحيلاً علينا تحديد مكانه بدقة، وهذا يعني أنه ما دامت القوانين الأساسية للفيزياء لا تسمح لأي مشاهد أن يُجري تجربةً مهما كانت ظروفه مثالية، فلا يمكننا أبداً أن نحصل على أية معلومات مؤكدة من أي تجربة، وكل ما يمكن أن يكوّنه المشاهد في التجربة هو أن يكوّن تنبؤات إحصائية، فعلى سبيل المثال يمكن للعالم الذي يدرس الإشعاع أن يتنبأ بأنّه من بين كل ألف مليون ذرة راديوم سوف يصدر إشعاع غاما في اليوم التالي من مليونين فقط، كما أنه لا يستطيع أن يتنبأ أي هذه الذرات بالضبط ستصدر الإشعاع، وكلما زادت عدد الذرات، زاد عدم اليقين وهكذا.

لقد أدى هذا الشك المرعب إلى رفض أينشتاين لهذه النظرية في البداية، على الرغم من أنّ ميكانيكا الكم لا تعطينا تنبؤاً دقيقاً بنتيجة رصد أو قياس جسيم كمي، وإنما تعطينا فقط مجموعة من النتائج الممكنة والمُختلفة لكل منها احتمال وجود معين، إلا أنّ العُلماء قبلوا فيها مضطرين لأنها تفسر الموجود، فلم يستطع أي من العُلماء تحديد طبيعة الجسيم إن كانت جُسيمية أو موجية وهي تتغير حسب تدخل الراصد نفسه، فحينما يحاول عالم ما قياس الخاصية الموجية للجسيم تظهر النتائج كما لو أنه ذو سُلُوك موجي، والعكس صحيح.

لم تتوقف عجائب تجربة الشق المزدوج للإلكترون عن إدهاش العالم وحثهم على البحث عن تفسيرات جديدة لحل مشكلاتها، وهذا ما حذا بالعالم فاينمان أن يطلق نظريته التي يرى فيها أنّ الإلكترون ومنذ لحظة خروجه من منبعه حتى وصوله إلى لوح الرصد، يسلك كل المسارات الممكنة له في آن واحد، وبذلك يستطيع الإلكترون المرور من كلا الشقين في وقت واحد، وعلى الرغم من ظهور تفسيرات عديدة، إلا أنها باءت بالفشل في توضيح هذا السُلُوك غير المنطقي للإلكترون، ولكن هل يوجد أعجب من تفسير فاينمان!

وما تراه ميكانيكا الكم اليوم أنّ الإلكترون والجُسيمات الأخرى لا تسير بمسار مستقيم كما نتوقع، بل هُنَاك جُسيمات مُرتبطة بالإلكترون تنتقل مكانياً بطريقة لا نعلمها، فقد تشعل الضوء في غرفتك فيخرج فوتون ما فيلمس القمر، ثم يعود إلى غرفتك لتراه في اللحظة نفسها التي يجب أن يظهر فيها، على الرغم من سُلُوكه مساراً غريباً إلا أنه يصل في اللحظة نفسها مع إخوته الفوتونات، وهذا ما قد يكون مرعباً في العلوم إذ لم تستطع أن تفسر عدم الانتظام أو العمليات غير المنطقية على المستوى الكمومي بهذا الشكل، ويتركنا في لا حتمية أو لا منطقية يراها المُؤمِنون أنها طلاقة قدرة الله وحده.


اترك تعليقاً