كون منظم

يستعرض العالم بول دافيس والعالم جورج جرينشتاين كثير من النقاط المُدهشة في بناء الكون، والتي تنال درجةً عاليةً من الدِّقة والتنسيق الهائل، منها الاحتمالات الضعيفة لتكون الكربون والهيليوم بالطريقة التقليدية؛ لأنّ تكوينهم يتطلب مسارات متوازية وإلا ستفشل العملية برمتها، ويوضحان أنّ أي انفجار ينتج عنه تشتت للمادة بطريقة عشوائية، لكن الكون بعد الانفجار العظيم تشتت بطريقة منتظمة في كافة الأنحاء، فضلاً عن دقة أرقامه الفيزيائية، فمثلاً قوة الجاذبية مناسبة لتشكل الكون وإلا لو تغيرت قليلاً لَمَا تكون الكون بعد الانفجار، ولو كانت أقل قليلاً لَمَا تكونت الذرات، ولو كانت أعلى قليلاً لتلاصق الكون واندمج بطريقة عجيبة، وكذلك القياسات نفسها تنطبق على باقي القوى الضعيفة والقوية.

كذلك غرابة بعض الأرقام التي تجعلها غير منطقية، فمثلاً النقطة المتفردة أصغر من طول ثابت بلانك وهذا أمرٌ مُستحيلٌ في مفاهيم الكون، وثابت بلانك ثابت دقيق ولو اختلف أيضاً قليلاً لما حدث الكون، والنسبة بين شحنتي الإلكترون والبروتون دقيقة جداً جداً فلو اختلفت واحد من مليار جزء لانتهى الكون، وغيرها من الأرقام التي تزيد عن 100 رقم دقيقة بشكل خيالي، 1 من مليار من مليار أي اختلاف في أي هذه الأرقام سيجعل تكوّن الكون أمراً مُستحيلاً، وأستشهد بما قام به عالم الرياضيات البروفيسور روجر بنروز إذ قال: “إنّ نسبة دقة العوامل والثوابت الكونية لكي يتشكل الكون صدفة هي 1 من 10^123 “، أي احتمال واحد من 10 أمامها 123 صفر وهذا رقم كبير لا يمكننا تخيله، كما أسلفنا العد للمليون يتطلب 86 يوم، وهو ذو 6 أصفار، العد للمليار وهو ذو 9 أصفار يتطلب حد أدنى 50 سنة، ألف مليار يعني 1 وأمامه 12 صفر يتطلب 50 ألف سنة، فما بالك بواحد أمامه 123 صفر، إنّه رقم يفوق قدرة حتى الحواسيب على حسابه [6] وهو عدد يفوق بكثير عدد الذرات في الكون التي تقريباً تساوي 10^80، يعني 10 أمامها 80 صفر، وهو أيضاً أكبر من عدد البروتونات والإلكترونات في الكون، احتمال مرعب لا أتجرأ على التفكير في تخيله.

يرى مجموع كبير من العُلماء أنّ التوافق الدقيق للكون عبر توافر أرقام دقيقة معينة من ثوابت فيزيائية بدرجة معينة أدّت إلى قيام الحياة في الكون، ويرون أيضاً أنّ أقل تغيير في هذه الأرقام أو الثوابت الكونية كان سيُؤَدِي في النهاية إلى تغييرات هائلة في هيكلية الكون ستؤول إلى عدم تكونه، أو على الأقل انعدام الحياة فيه، وهذا ما يصفه ستيفن هوكينغ في كتابه تاريخ موجز للزمن إذ يقول: إنّ قوانين العلم كما نعرفها الآن تحتوي على الكثير من الأرقام المهمة مثل حجم شحنة الإلكترون الكهربائية، والنسبة بين كتلة البروتون إلى الإلكترون، وغيرها من الأرقام، والحقيقة المُدهشة أنّ هذه الأرقام تبدو وكأنها قد ضبطت لتتطور الحياة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ سرعة تمدد الكون من الثوابت المهمة في تكوينه وتعرف بالحد الحرج، التي لو تغيرت بنسبة ضئيلة جداً بنسبة تصل إلى درجة من 10^-17 (وهذا رقم يصعب فهمه أيضاً) لانهار الكون بالكامل، هذا الثابت مع غيره من الثوابت الكثيرة والتي تصل إلى 30 ثابت منها ثابت بلانك، وسرعة الضوء، ودرجة حرارة الصفر المطلق، تجعل استحالة وجود الكون بهذا الشكل دون هندسة، وفي حين ذكر الهندسة، ماذا لو تكون الكون بنظام ثنائي الأبعاد وليس ثلاثياً من الأساس؟ لن يكون لكل ما نكتبه معنى، وثَمّة أسئلة مُشابهة يمكن طرحها في سياق نشوء الكون.

ومن كل الكلام السابق توصلنا إلى الآتي:

  1. إنّ الكون ليس سرمدياً، وليس مُوغلاً في القدم، بل حدثٌ عارض له بداية ونهاية، هيوستون أكرر، الكون حادث وليس أزلياً أو سرمدياً!
  2. الكون نشأ من العدم، ومن عدة ظواهر لا تتقبلها الفيزياء الحالية.
  3. سار الكون بطريقة منظمة ليظهر بالشكل الحالي.
  4. الشكل الحالي للكون مقصود حتى نخرج – نحن البشر – بهذه الكيفية،

وهذا ما دفع العُلماء إلى التفكير للأعلى قليلاً، والتفكير في خصوصية الأرض وموقعها المميز والتفكير أيضاً في المبدأ البشري.


اترك تعليقاً