في عام 1861م، اُكتشفت حفرية لريشة في منطقة سولنهوفن في جنوب ألمانيا وكانت أول حفرية لريشة يتم العثور عليها، وفي العام نفسه تم اكتشاف حفرية الآركيوبتركس Archaeopteryx التي اُعتبرت إحدى أيقونات التطور، وعلى خلاف آثار الريش الذي كان محفوظاً في بعض حفريات الآركيوبتركس، فإن الريشة المعزولة تم حفظها في غشاء داكن بصورة جيدة.
يُوجد في يومنا هذا عشرة أحافير أركيوبتركس تقريباً، الحفرية الأولى كانت في عصر داروين وكتب عنها، وهُنَاك حفرية عام 1877م التي عرفت باسم عينة برلين وهي الأكثر حفظاً واكتمالاً، ثم اكتشفت حفريات أخرى عامي 1993م و2003م.
رسم توضيحي 23 حفرية طائر الأركيوبتركس
السيناريو المعتمد في التطور هو أنّ الأركيوبتركس جد الطيور كلها، وأنه ديناصور تطور وأصبح لديه أجنحة ثم تطورت منه الطيور، دون دليل قطعي افترض العُلماء أنه جد الطيور لمُجرَّد أنهم وجدوه في طبقات سفلى ببعض الأجنحة، وأسنان كما الزواحف، وفعلياً لا يمكن بدقة رسم شكل الكائن من خلال عظام المستحاثات، فعن طريق الأحفورة لا تستطيع تأكيد وجود الغضاريف أو الجلود أو الشعر … إلخ؛ لأنه لا يبقى لها أثر، وكل ما نراه مُجرَّد محاولات نتغاضى عنها، ومن المُفترض أن نجد ملايين الأشكال الانتقالية في فترة ما بين الزواحف والطيور، مُفترض أن يحدث تطور في يد التمساح فتصبح جناحاً، ومرة في ذيله، ومرة في منقار، ومرة ريشة على أذنه، ومرة ريشة على ظهره ومرة أخرى ستتطور ساقه وتطول، ومرة ومرة ومرات، ومن المفترض أن يحدث الشيء نفسه لكائنات أخرى مثل السحلية والأفعى وغيرهم في مراحل تطورهم، لكن حتى الآن لم نجد 100 أحفورة في أفضل الحالات ولا واحدة منها تدل على مرحلة انتقالية من كائن لكائن، وحسب النظرية يجب أن نجد ملايين الأحافير الانتقالية لكننا لم نجد إلا 100 أحفورة وليس بينها أحفورة واحدة تُؤكد عملية انتقال حقيقة.
رسم توضيحي 24 صور مُختلفة لجماجم الكلاب مع الذئب، سيصعب تخيل شكل الكائن منها، جرب أن ترى صورة كلب البكيني، وتقارنها مع كل البلدوغ، كلاهما يختلف في الشكل، إلا أن الجمجمة متطابقة.
رسم توضيحي 25 صور جماجم كائنات مُختلفة تتشابه فيما بينها، سيصعب تخيل الشكل الحقيقي للكائن بناء على شكل جمجمته، علاوةً على تخيل باقي أعضاء جسمه من بعض العظام غير المترابطة.
وقد تم تصنيف الأركيوبتركس على أنه مرحلة انتقالية لسببين: الأول وجود أسنان في فكه، والثاني وجود مخالب يتمسك بها في الشجرة، وهاتان هما الركيزتان الأساسيتان لدى العُلماء المُؤمِنين بالتطور، لكننا نعلم أنه يوجد في الوقت الحالي طيور تمتلك الميزتين هاتين نفسيهماّ مثل طائري Touraco و Hoatzin، وهذا حسب نظرية التطور مُفترض ألا يكون صحيحاً، المراحل الانتقالية يُفترض ألا تعمّر ملايين السنين، كيف أنّ للطيور الحالية هذه المزايا الأصيلة فيها، سؤال بحاجة إلى إجابة من العُلماء، وهُنَاك سؤال مهم آخر كيف تطور الطيران في الطيور Avian flight؟ هذا يقودنا إلى أن نفكر كيف يمكن لزاحف أن يطير، والجواب: عبر طريقة من طريقتين وقد وضع العُلماء بعض النظريات في هاتين الطريقتين ونذكر النظريات أولاً ثم الطريقتين:
- نظرية الهبوط أو القفز من الأشجار، والذي قال بهذه الفرضية هو أوثونيل شارليز مارش عام 1880م
- نظرية القفز لأعلى أو أنموذج العدو السريع، والذي قال بهذه الفرضية صمويل ويندل ويلسون عام 1879م.
- نظرية الانقضاض، التي تحدث عنها التطوريون الثلاثة جارنر وتيلور وتوماس عام 1999م.
- نظرية الانحدار السريع بمساعدة الجناح، وهو تحديث لأنموذج العدو السريع وظهر في 2008م.
فالزاحف إما كائنٌ كان على الأشجار وهرب من فريسته أو لاحقها، أو كائنٌ كان على الأرض قفز وراء الفرائس أو هرب منها فتطورت قدرته على الطيران، ولو كان الزاحف قد بدأ التطور من الأعلى (الأشجار) فهو حتماً طور شيئاً أشبه بالمظلات، ولو كان الزاحف قد بدأ التطور من الأسفل (الأرض) لساعدته عضلات الساقين في القفز، وهنا نرى أنّ الطريقة الأولى أسهل، فتطوير جلد أشبه بالمظلة أسهل من تطوير عضلات قوية بحاجة إلى غضاريف وأوردة وشرايين معينة وآلية قفز مخصصة، وهذا يعني أننا نبحث عن كائن منتصب أكثر منه يسير على أربع.
هذا الكلام مهم لتحديد السلف السابق، فلو كانت النظرية الأولى الخاصة بالأشجار، فهذا يعني أنّ السلف المُشترك للطيور كائن زاحف يسير على أربع، أما لو كانت نظرية القفز صحيحة، فنحن بحاجة إلى كائن يسير على طرفين بدلاً من أربعة أطراف، ويستخدم الطرفين (اليدين) لاصطياد الفريسة.
في السجل الأحفوري نجد أنّ الزواحف التي تسير على أربعة أرجل كانت تسبق الأركيوبتركس بكثير، وأما التي تسير على رجلين والتي تشبه الأركيوبتركس فقد ظهرت بعده.
هذا يعني أنه لا يمكننا أن نعتمد على الزواحف التي ظهرت بعده، ويمكننا الاعتماد على نظرية الأشجار، وهي منطقية أكثر، لكن للأسف مرة أخرى وجد العُلماء أنّ القدمين الخاصتين بالأركيوبتركس أقرب لديناصور يمشي على قدمين من أطراف زواحف تمشي على أربع، ولكننا رأينا فوق أنّ الزواحف التي تسير على قدمين ظهرت بعد الأركيوبتركس ولم تظهر بعده!
لكن ماذا عن سلف الأركيوبتركس؟ فقد وجد العُلماء أنّ أقرب سلف له هو كائن الكومسوجناثس والذي عاش بعده بعشرات ملايين السنين (شكل 34 الكومسوجناثس)، وعلى الرغم من أنّ العقبات كثيرة أمام التطور في كلا الفكرتين، إلا أنهم يعتقدون أنها غير مهمة، يجب النظر فقط للكائنات التي تشبه الأركيبوبتركس والانطلاق منها، وعدم التفكير في الآلية، تكرم.
وهنا نطرح السؤال المهم، كيف يمكننا تصنيف حيوان بأنه زاحف أو طائر، أو نصف طائر، أو زاحف؟ أليس هذا أول سؤال كان يجب أن نسأله قبل الانطلاق في فهم آليات التطور؟ حسناً يتم هذا على حسب ميزة أساسية، فالطائر يمتلك ميزة خاصة به وهي عظمة القص، يتصل بهذه العظمة عضلات الجناح حتى يستطيع أن يرفرف بواسطتها، ومن المُفترض أن تكون عظمة قوية وتسمح للهواء أن يدخل بنمط معين حتى يحدث الطيران… إلخ، الآن الأحفورة السابعة للأركيوبتركس بوضوح تحتوي على هذه العظمة ظاهرة كما الطيور الحديثة، ولهذا بعد تأكيدها رأى العُلماء أنه طائر كامل ويطير وليس مُجرَّد مرحلة انتقالية، فلو كان الأركيوبتركس ديناصور متطور، يجب أن يكون أقرب إلى الديناصورات من الطيور بشكل واضح، ويجب أن يحتوي على صفاتها، صحيح أنّ التطور يقول أنّ الطيور ديناصورات حية، إلا أننا لا نعتقد أنّ التي ريكس يشبه الدجاجة، فكيف نحكم على أنّ هذا الكائن هو سلف ذلك الكائن، إذا سلمنا بفكرة أنّ الطيور كانت ديناصورات، فيمكننا القول إنّ الإنسان كان سمكة، بالكفاءة نفسها والقوة ولا فرق.
من المُفترض أيضاً أنّ هذا الطائر هو مرحلة انتقالية، ولكن هُنَاك مستحاثات طيور كاملة ظهرت قبله ب 70 مليون سنة على الأقل منها طائر الببروتوافيس Protoavis [71] وطائر Aurornis xui و Longisquama، فالأركيوبتركس متوقع ظهوره منذ 150 مليون سنة، وهُنَاك مستحاثات طيور ظهرت منذ 220 مليون سنة! هذا يعني أنّ الطيور موجودة قبل المرحلة الانتقالية هذه، إذن لا يمكن اعتبار طائرنا مرحلة انتقالية، وهُنَاك طيور أخرى ظهرت بعده بفترة قريبة جداً كاملة مثل طائر اللونجسكواما Liaoningornis وبناءً على هذا يصعب القول أنّ الأركيبوبتركس هو الطائر الأول أو المرحلة الانتقالية الأولى.
ولكن ماذا عن أسنان الأركيوبتركس؟ هل هي أسنان زواحف أم أسنان طيور؟ أم هي مرحلة وسيطة؟ في الحقيقة هي أسنان طيور بنسبة 100%، فأسنان الطيور مفلطحة وغير مشرشرة وجذورها عريضة، بينما أسنان الديناصورات (الزواحف) عكس ذلك، العُلماء المُؤمِنون بالتطور أنفسهم يقولون الآن من المُستحيل أن تكون الطيور تطورت من الزواحف لأسباب كثيرة جداً بل من المفترض العكس أنّ الزواحف قد تطورت من الطيور، ويقولون أيضاً أنّ الأركيوبتركس طائر حقيقي مكتمل الصفات وليس حلقة انتقالية، ومنهم العالم التطوري الشهير ألان فيدوتشيا، في كتاب أصل الطيور وتطورها، إذ قال إنّ الأركيوبتركس طائر كامل وليس مرحلة ولا يصلح ليكون مرحلة، سأسمع أحدهم يقول إنّ النظرية غير معتمدة على العُلماء الكبار حتى التطوريون منهم، وحينها سوف أسألك علامَ هي معتمدة؟ على إيمانك!
تشبه عظام الأركيوبتركس في تجويفها عظام الطيور الحالية، وهذا يعني أنه طائر كامل وليس زاحفاً متحوراً، فالريش يبين أنه من ذوات الدم الحار وليس من ذوات الدم البارد، أي أنه طائراً وليس زاحفاً، وهُنَاك دليلان قويان من الأحفورة يؤكدان عكس ما يقوله العُلماء المُؤمِنون بالتطور الأوائل بأنه يشكل حلقة انتقالية وأنه كان لا يطير، أما الدليل الأول فإن الريش غير متماثل asymmetrical feathers وهي من صفات الطيور القوية، والدليل الثاني وجود درع أو عارضة لعظمة القص keeled sternum تؤكد أنه خُلق جاهزاً للطيران.
وقد قام الباحثون في مجلة Scientific Reports باستخدام تقنية تصوير الفلورسنت المحفز بالليزر LSF لحل لغز الريشة التي تحدثنا عنها في منطقة سولنهوفن في جنوب ألمانيا والذي دام لأكثر من 150 سنة، إذ تُظهر الدراسة الحالية أنّ الريشة مُختلفة عما هو في الطيور الحديثة بافتقادها للخط الوسطي على شكل حرف S، وتقول الدراسة أنها ربما تعود إلى نوع غير معروف من الديناصورات، وأنّ إسنادها إلى أركيوبتركس كان خطأً أي أنّ الموضوع من الأساس فقد جدواه [72].
إنّ قصة سلف الطيور طويلة ومليئة بالمشكلات والهفوات والتلاعب، بل بها فضائح قوية هَزّت العالم حينما تم اكتشافها مثل فضيحة البامبيرابتور وفضيحة الأركيورابتور وفضيحة الحمض النووي للديك الرومي [68] وعلى ما يبدو أنها لن تنتهي قريباً!
رسم توضيحي 26 حسب نظرية التطور فإن التي ريكس هو سلف الدجاجة.
هُنَاك في جزء ما في دماغ الطيور منطقة لحسابات الطيران المُعقَّدة، ثم السرعة اللازمة، الارتفاع المطلوب، الحمولة الممكنة، الاتجاهات الحالية، البوصلة المخصصة، الوقت المُحدد، جميعها متناسقة مع خلايا الجسم، كما ولديه أجهزة استشعار الطعام عن بعدـ وآليات لزيادة أو تقليص كل هذه الخيارات في حالة الراحة في الهواء أو الهروب من الأعداء، آليات مُختلفة للهبوط والإقلاع، كذلك مُحددات مُختلفة للطيران المرتفع والمنخفض، وهذا كله دون برج مراقبة أو GPS أو قمر صناعي أو موجات راديوية أو غيرها، إنّ الطيران عملية مُعقَّدة سواء على المستوى الحسابي أو على المستوى الفسيولوجي، إذ يجب على الطيور أن تمتلك قدرات متكاملة لتستطيع الطيران ولا مجال للتجربة والخطأ.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.