حدود الدين

يحاول بعض المتدينين تكليف الدين أعباءً إضافية وإلباسه أثواباً لا تليق به ومنحه أوسمة لم ينلها، مع أنّ الدين قد صرّح في مرات كثيرة أنّ هذه الأوسمة ليست له وليست في صالحه، مثل محاولة زرع فكرة شمولية الدين لجميع الجوانب غير الروحية والاجتماعية والأخلاقية والتشريعية، كمحاولة زرع فكرة تغطية الدين للجوانب الكيميائية والفيزيائية والكونية والعلمية والجغرافية وغيرها، وهي سرعان ما تنصدم بالواقع وتجعل منفتح العقل في مُشكِلة مع الدين، مع أنّ الدين لم يذكر هذا الأمر، لم يذكر أن سيدنا محمد أنه بعث طبيباً أو بعث عالماً في الكيمياء أو الفيزياء، وإنّ القرآن كتاب نور وهداية وليس كتاب فيزياء وكيمياء وأحياء وطب بشرى، هو يضع لك القواعد الأخلاقية للانطلاق في هذه العوالم، والباقي عليك.

لا يزال هُنَاك من يعتقد أنّ ملعقة من العسل ستشفي أي مرض، ستشفي التهاب اللوزتين وعسر الهضم والسرطان والسكري وتصلب الشرايين والشيخوخة المبكرة وغيرها، متجاهلين أنه حينما أخبرنا الله عن العسل، أخبرنا بشكل عام أنه مُفيد ولم يذكر أمراض معينة يعالجها، وفي ظل تطور الكشف الطبي ووجود أجهزة الرنين المغناطيسي والمناظير وفحوصات الدم، ووجود أدوية مصنعة بدقة تستهدف أنسجة معينة، فإن فاعلية العسل والحجامة والكي وغيرها أصبحت أقل جدوى في علاج أمراض مشخصة، وهي ليست ذات فائدة تذكر إذا تم تشخيص المرض ثم وصف العلاج المناسب، بل ولربما كانت ضارة كما في مرضى السكري، وللأطفال تحت سن معين، أخبرني بالله عليك ما علاقة العسل بشفاء أمراض مثل مرض ويلسون، أو مرض الساركويد، أو حتى الإيدز أو السرطان، وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه على علم بهذه الأمراض وإمكانية تشخيصها؟ ولو كان في زماننا مع هذا التقدم حوله، هل كان سيترك العلم ويلجأ لها!

إنّ فهم الدين يتطلب أن نستخدم الأساليب العلاجية الموثقة المتوفرة في الوقت الحاضر، وأن نتفهم أنّ باقي التقنيات مثل تصوير خلطة أعشاب ما في الكعبة أو الكنيسة، لهي خداع باسم الدين، وتسويق بائس من تجار لا يهتمون إلا بجيوبهم.

ثَمّة أساليب أخرى يتم استغلالها لتوسيع رقعة الدين، والذي قد يفتح الحوض قريباً ويصبح لاعب بهلوان بدلاً من بقائه على شكل رجل حكيم يحترمه الناس، فمحاولات تسخير القرآن في العلاج عبر قراءته أحد هذه المحاولات، هل ‏تعاني من ضيق، إذن عليك بقراءة سورة البقرة، أما إذا فقدت الأمل فعليك بسورة يوسف، وسورة الشرح إذا استعصى عليك فتح أي باب، وللرغبات العاجلة اقرأ سورة يس، أما إذا كنت تخشى الفقر فلا مناص من قراءة سورة الواقعة، وإذا ضاع منك شيء ما فستجلبه لك سورة الضحى، لكن في الحقيقة أنّ هذا الحديث لم يرد في القرآن أو السنة، لأن القرآن ليس بتعويذة أو حجاباً أو بديلاً عن التعليم والعمل الجاد، القرآن في كل آياته يحثك على العمل وعدم طول الأمل، ويطلب منك الأخذ بالأسباب في كل الأحوال، إنّ المحاولات السابقة خبيثة لأنها تجعلك كسولاً متواكلاً على قراءة تعاويذ هاري بوتر لكي يأتي السحر، تقرؤه فتحل مشكلتك، وفي الحقيقة العلاج لا يكمن في استخدام تعويذة آفادا كادابرا، بل إذا كنت تعاني من ضيق، فحاول أن تخرج وتُرّفه عن نفسك، وإذا كنت تعاني من مشاكل مع الأمل والاكتئاب فاذهب إلى طبيب نفسي، أما إذا استعصى عليك أمراً حاول مرة أخرى بطريقة مُختلفة، وإذا رغبت بشيء فاسعَ له، ولتتجنب الفقر، قم واعمل، وإذا ضاع منك شيء فابحث عنه، هذا ما يخبرك به الدين، وهذا ما فعله سيدنا محمد وصحابته الكرام من بعده، العمل والسعي والأخذ بالأسباب وكأن الله لا يسببها.


وفي هذا السياق، فإن وصف القرآن للعالم اقتصر على منطقة جغرافية ضيقة، ولم يذكر على سبيل المثال حضارة الإينكا أو المايا، أو أستراليا، ولو ذكر القرآن أستراليا التي لم تكن مكتشفة قبل 500 عام من الآن لكان أمراً عجيباً، ولكن الآن نحن نتكلم عن استعمار المريخ، سيتساءل أحدنا فيقول، لماذا اقتصر القرآن على الأرض ولم يذكر المريخ؟ وغداً سيقول أحدهم لماذا لم يذكر مجرة المرأة المسلسلة وهكذا، ونعود ونتساءل هل القرآن مطالب أن يكون كتاب جغرافيا أو كتاب فلك ليفوز برضاك؟

صورة 33 آيات من إنجيل يوحنا، الديانة المسيحية أكبر الديانات التي تنتشر حول العالم، فقد جاءت لتكمل مسيرة الديانة اليهودية على يد النبي عيسى، لذا على كل مسيحي أن يؤمن بالتوراة (العهد القديم) بالإضافة إلى الإنجيل (العهد الجديد)، ومجموعهم يسمى الكتاب المقدس، وهي تدعو إلى التوحيد والتسامح، وتم نشرها على يد شاؤول الذي جعلها ديانة عالمية.

تضم المسيحية عدة كنائس أكبرها كنيستي البروتوستانت والكاثوليك، وقد رفضت الطائفة البروتستانتية بعض بُنود الدين المسيحي مثل عصمة البابا ومرتبة الكهنوت، وصكوك الغفران، كما ورفضت سبعة أسفار تعترف بهم الكنيسة الكاثوليكية واعتبرتهم أسفاراً محرّفة (أبوكريفاه)، وترى المسيحية أنّ الله واحد إلا أنه تمثل في ثلاث صور أو أقانيم، فالله هو الآب وهو الابن الذي أنتجه الإله وهو الروح القدس، وتؤمن الكنيسة أنّ الابن قد مات على الصليب للتكفير عن خطايا البشرية.

ولهذا لم يذكر القرآن غير فاكهة الشرق، فقد كان يخاطب الناس بما يعرفونه، وهل لو ذكر الأفوكادو أو البومباي سيكون له معنى؟ هل سيفهم أحد هذه الفاكهة ويتخيلها كما لو ذكر أستراليا، ولنفرض أنه ذكرها ليعني أنه كتاب واسع، سيتساءل أحدهم قائلاً، لماذا لم يذكر القرآن البطاطس والكيوي؟ وسأتساءل أنا أيضاً، لماذا لم يذكر القرآن الوصفة السرية لإعداد القريدس المقلية!

لقد وصف القرآن الجنة بمعطيات دنيوية معروفة ليتخيلها العقل، فحينما ذكر العنب، فإن ذلك لنتخيل العنب، ولو ذكر الكيوي، أو الشينتاي لما استطعنا تخيلها، الأمر نفسه في الأنهار من لبن، ومن عسل، والحور العين وغيرها، كلها صور معروفة ليتمكن العقل من تخيلها.

قد لا يرغب شخصٌ ما بالخمر في الآخرة، ولا يريد القصور، بل يبحث عن متع أخرى، فمثلاً متعة اللعب لديه أهم من متعة التملك المالي، متعة المعرفة، متعة خلق كون موازي والتحكم به وغيرها من المتع الأخرى، فماذا يفعل في الجنة بالذهب؟ حينما ذكر الله نعيم الجنة بهذا الشكل ذكره لعدة أسباب، منها أنّ الناس تقريباً كلها تحب المال، والقليل منهم لا يحبونه، ومن هذا يتضح أنها لُغة مُشتركة، ثم ماذا سيقول الله؟ إذا قلت سبحان الله ازددت حسنة، وازددت معها ماذا؟ جوال أيفون، بل الأنسب أن تكون شجرة أو ياقوتة أو أمر متعارف عليه في كل مكان، فالعبرة ليست في وصف الهدية، بل في وجود هدية، ولكن لتقريب الصورة كان يجب أن يكون هُنَاك وصف.

فلو رغبت بتأليف كتاب يصلح حتى 20 ألف سنة قادمة، وقلت إنك ستُهدي كل من يقرأ هذا الكتاب هدية، وستضع النقود بطريقة ما في البنك وهو من سيقوم بشرائها، فإنك على الأغلب ستقول، سأعطي من يقرأ هذا الكتاب جوال أيفون، أو سأعطيه خاتم من ذهب، أو سأعطيه 1 بتكوين، وإلا لو قلت للناس سأعطيه هدية شيء اسمه “شنكن”، فإنه بعد مئات السنين لن يستوعب أحد الفكرة، فلذلك فالإله حين يكتب هو يكتب بأمور معهودة للناس، وفي الحقيقة الجنة ليس كمثلها شيء، الجنة بالنسبة لنا في عالمنا، كعالم طفل في رحم أمه.

والأمر نفسه ينطبق على وصف الجنس في الجنة، فماذا ستكون المكافأة لمن أمسك نفسه عن الخيانة في الدنيا؟ سيكون هُنَاك الكثير من الجنس كمكافأة في الجنة، ولكني لا أريد جنساً في الجنة، حسناً، ولكن ماذا سنكتب لك؟ سنعطيك ثغرات Zero Day لتخترق بها حسابات العالم في الجنة! لن يكون لهذا معنىً كبيراً، لذلك الخمر والجنس والأشجار والألماس أمر أقرب ما يكون لتوضيح فكرة المكافأة وحتماً ستكون متعتك موجودة.


اترك تعليقاً