على الرغم من أنّ الفلسفة اختراع روماني بحت نقلها العالم ومنهم المُسلمون في فترة من الزمن ونفخوا عن كتبها الغبار، عبر ابن سينا والكندي والفارابي وابن رشد والغزالي، إلا أنّ أوروبا ما لبثت إلا أنّ استعادت ملكها بعد عصورها المظلمة، ليكملوا ما بدؤوه، لكن هذا لا يمنع من دخول جوانب غير أوروبية وغير رومانية في الفلسفة.

تعرض الكتب الفلسفية الفلسفة كما صدرت في قارة أوروبا فقط وكأن لا علاقة لأي شخص في العالم في التأثير في الفلسفة وهذا حسب ما هو ظاهر مُشكِلة لأن الكتب تجاهلت تأثيرين:

  1. تأثير عوالم أخرى وعلماء من حضارات أخرى ساهمت في مسيرة الفلسفة بقوة، والمُسلمون لديهم فلاسفة أثروا في الفلسفة كثيراً، وقد ذكرت العديد من الكتب الغربية الغزالي وابن رشد وغيرهم بتمجيد.
  2. تأثير فلاسفة مثل محمد وعيسى وموسى وإبراهيم وبوذا وزرادشت وغيرهم، ستتعجب من تسميتهم فلاسفة ولكن لمَ لا؟ هذا ما سنوضحه الآن.

إننا نرى بوضوح في موضوع السببية، أنّ ما قاله ديفيد هيوم هو حرفياً ما قاله أبو حامد الغزالي، وهناك علاقة بين شك ديكارت وشك الغزالي، وكذلك علاقة بين أفكار لايبنتز وأفكار الغزالي، ونرى أنّ أرسطو افترض مسبقاً وجود الله وسماه العلة الأولى وهذا يدل على أنّ هُنَاك مرجع ديني لهذه الفلسفات، فالفيلسوف يملك رؤية للمفاهيم ويحاول الإجابة على أسئلة تَفُوق أحياناً قدرات العقل ويبحث في خبايا العقل، ولربما سبق زمانه بأفكار غريبة مثل المساواة بين الرجل والمرأة وخلود الروح وثنائية الجسد والروح وغيرها، فلماذا لا يتم دراسة تاريخ الفلسفة في وجود الأنبياء عفواً الفلاسفة موسى وغيره!

كما أنّ فكرة الثنائية بين المادة والروح، العقل والجسد لهي واضحة أنها من منبع ديني، وإلا لماذا لم يخرج فيلسوف بثلاثية أو رباعية! العقل والجسد والتنور، المادة والروح والأثير، هذه الثنائية وغيرها من الأفكار توضح أنّها منسوخة من دين سماوي لا محالة، وكثير من منشأ الأفكار الأخرى ديني وتناقلها الناس حتى وصلت إلى الفلاسفة فتفلسفوا فيها، كما أفعل الآن.

صورة 16 قائمة بالفلاسفة المُسلمين من أحد المراجع الأجنبية.


يرى هيغل أننا يجب أن ندرس الفلسفة في إطار حركة التاريخ، فالنهر على سبيل المثال هو نهر لكنه يختلف من ثانية لأخرى في مجراه، ولا يمكننا إطلاق على نقطة مُحددة فيه على أنها نهر، بل كل ما فيه يمثل كونه نهراً [145] فمنسوب المياه وكمية الحصى والطمي واتساع المجرى وضيقه وغيرها من الصور تتحكم في آلية عمله، فمثلاً لا يمكننا فهم قٌبول الناس بفكرة العبودية ببعض الأزمان بل وتشجيعهم عليها، بعيداً عن فهم المرحلة التاريخية التي مرت فيها هذه النقطة، يرى هيغل أنّ الأفكار كلها صحيحة في زمانها، لأنه من الصعب إخراجها من إطارها التاريخي الزمني، فأفكار أرسطو في زمانه صحيحة، وكذلك أفكار أفلاطون، فلا أحد منهم على خطأ وما دامت الأفكار تُبنى فوق بعضها البعض، فعلى الأغلب الفلسفات الحديثة أصح من الفلسفات والأفكار القديمة لأنها تطورت، فقد استطاع النهر عبر آلاف السنين تفتيت الكثير من الصخور التي كانت تقف في طريقه، ويعتقد هيغل أنّ فكر العالم سيتطور أكثر إلى أن يكون أفضل.

لكن فكرة هيغل لن تغير كثيراً في معتقدات البشر إذا درسناها بهذا الشكل، ماذا لو رأينا فيلسوفاً قد أضاف للعالم ما لم يكن متاحاً في سياقه التاريخي، كسر 50 قاعدة سائدة، وأضاف 100 قاعدة غيرها، ألا يعطينا هذا انطباعاً عن تدخلات خارجية ليست من هذا العالم، إنّ مجرى التاريخ البسيط قد حطمه الفيلسوف موسى، والفيلسوف عيسى، والفيلسوف محمد، وأي مجرى يُسيّرهم! هم من صنعوا المجاري والأنهار وفجروا العيون، لم تكن أفكارهم أبداً في سياقها التاريخي، بل كانت سابقة لزمانهم، ومغيرة لمئات الأفكار في زمانهم، ألا يشير هذا لشيء؟ لا مُشكِلة لدي أن تقول من الصعب أن أؤمن أنهم مرسلون، لكن على الأقل آمن أنهم عباقرة جداً، اجتمع في كل شخص منهم حزمة من الفلاسفة وأخرجوا لنا ما بدا منهم.

ومن الملاحظ أنّ المُؤمِنين أقل طرحاً للكثير من الأسئلة الفلسفية، هذا لأن الدين أتاح لهم مرجعاً يشمل الكثير من الأسئلة المشابهة وإجابات متوافقة مع الفكر الديني، أما من لا يرجع للدين، فمن البديهي أن يملك أسئلة أكثر من غيره، وبالمناسبة ليس أغلب الفلاسفة ملحدين، ولكن مرة أخرى هذه الأسئلة في الدين مجاب عنها، أما في غير الدين فهي بحاجة إلى إجابة، لذا هذه الأسئلة في مكانها الصحيح، سواء كنت مُؤمِناً بالإله أم بغيره.


اترك تعليقاً