البروتينات

بناء البروتينات

كما رأينا فإنّ البروتينات هي لبنات بناء الحياة، وعلى هذا إذا أردنا بناء حياة جديدة أو فهم كيف نشأت الحياة، فإننا يجب أن نبحث في البروتينات ثم الأحماض الأمينية بشكل أعمق من ناحية التكوين والتركيب والتجميع، ولنرَ احتمالية إنشاء الحياة من خلال تفاعل الأحماض الأمينية ببعضها وتضاربها.

ذكرنا في فصل الأحماض الأمينية أنّ كل البروتينات الموجودة في أجسام الكائنات الحية تستخدم 20 نوعاً فقط من أنواع الأحماض الأمينية، هذه الأحماض الأمينية مكتوب آلية تصنيعها في ملف وصفي مكون من 4 حروف، فاحتمالية أن تخرج كلمات مُختلفة من 4 حروف هي 64 احتمال، ولو افترضنا أنّ الأحماض الأمينية هي قوالب بناء أو حتى هي شيفرات برمجية لكتابة أكواد برنامج حاسوب؛ فهذا يعني أننا نحتاج إلى 20 دالة من دوال لغتنا الكيميائية لبناء 20 حمضاً أمينياً تدخل في تكوين نحو 30 ألف برنامج مُختلف يصنع البروتينات للكائن البشري، أي تقريباً أننا سنستخدم دالة أو قالب بناء ما يصل إلى 8 مليار مرة، ولكن هل هُنَاك شروط معينة لبناء البروتينات في جسم الإنسان؟ والإجابة: نعم، وهي كالآتي:

  1. يجب اصطفاف الأحماض الأمينية المطلوبة في بناء سلسلة البروتين من النوع الصحيح وبالتتابع الصحيح.
  2. يجب أن تكون جميع الأحماض الأمينية في السلسلة عسراء، لا يمكن أن تكون يمينية، بل عسراء فقط! أمر مدهش!، أي أنّ الجسم فيزيائياً وكيميائياً عبر طرق مخبرية يحدد التناظر المرآتي للحمض الأميني وينتقي نصف الاحتمالات الموجودة! واو!

ثَمّة شروط أخرى مثل: تكوين الروابط الببتيدية وغيرها، ولكن ستكون لدينا أرقام احتمالات مخيفة بعد قليل، لذلك سنكتفي بهذين الشرطين، وبذلك فإنّ احتمال تكوين بروتين ما هو حاصل ضرب احتمال حدوث كل هذه الشروط مجتمعة، وبالنسبة لجزيء بروتين يتكون من سلسلة أحماض أمينية يبلغ طولها 500 حمضاً، فإنّ الحسابات كالتالي:

  1. احتمالية اصطفاف أحماض البروتين المطلوبة لبناء سلسلة البروتين من النوع والتتابع الصحيحين هي:
  2. 20 حمض أميني.
  3. احتمالية اختيار كل حمض أميني بالشكل الصحيح هي 1 من 20.
  4. احتمالية اختيار الـ 500 حمض بالشكل الصحيح هي 1 / 20 مرفوعة للأس 500 أي أن الرقم النهائي هو 1 من 10^650.
  5. احتمالية أن تكون جميع أحماض البروتين في السلسلة عسراء:
  6. 20 حمض أميني.
  7. إما أن يكون الحمض أعسر أو أيمن (كما وضحنا سابقاً في التناظر المرآتي).
  8. احتمالية أن يوجد الحمض الأميني الواحد في الحالة العسراء هي 1 من 2، أي النصف، إما صورة وإما كتابة.
  9. احتمالية أن يتم اختيار الـ 500 حمض عسراء في الوقت نفسه هي 1 / 2 مرفوعة للأس 500 أي أن الرقم النهائي هو 1 من 10^150.

لذا ستكون المحصلة النهائية للاحتمالات هي 1/ (10^650) × 1/ (10^150) = 1/ (10^800).

حسناً، الرقم 1 من 10 أمامها 800 صفر هو رقمٌ مُخيفٌ وهو أكبر من كل الأرقام التي استعرضناها في الكتاب، وهو بحاجة إلى أكوان كثيرة حتى يمكن احتمال حدوثه بالصدفة، وهو في علم الاحتمالات كما وضحنا سابقاً في فصل الاحتمال المُستحيل، هو احتمال فوق فوق فوق فوق المُستحيل، فـ 1 من 10^50 أمرٌ مُستحيل، فما بالك بـ 1 من 10^800، هذه الأرقام غير مفهومة في علوم البشر، ولا حتى في أعتى الحواسيب الحديثة، والفكرة تكمن أنه لو أردنا إعادة تجربة الصدفة في توليد بروتين ما، فإننا يجب أن نأخذ الاحتمالات بالأشكال التالية:

  1. يوجد في حوض ماء 20 حمض أميني جاهزين من الطبيعة وهذا شبه مُستحيل لكن لنفترض.
  2. الـ 20 حمض موجودين بكميات ليست بسيطة وبنسب مُختلفة.
  3. توجد بعض المواد المساعدة مثل الفسفور والكبريت، لتساهم في تكوين الشكل الثالثي للبروتين مثلاً.
  4. لا تتفاعل هذه المواد المساعدة مع الأحماض الأمينية.
  5. لا يوجد في حوض الماء هذا مواد سامة تتفاعل كيميائياً مع الأحماض الأمينية الـ 20.
  6. درجة الحرارة مناسبة، الضغط الجوي مناسب، ولا وجود للأكسجين بكثرة.
  7. حدوث عملية الترابط في فقاعة مغلقة حتى لا تفسد عمليات الترابط الببتيدي.
  8. درجة الحامضية pH مضبوطة حتى لا تتفتت الأحماض الأمينية أو الروابط الببتيدية المكونة.
  9. بعد تكون البروتين يتم نقله في مكان على جانب الحوض حتى لا يتفاعل معه مادة أخرى وتحلله.
  10. ترك هذه العملية تحدث مئات ملايين مليارات المليارات ملايين التريليونات الجوجليونات المرات بشكل عشوائي حتى يحدث في لحظة ما هذا البروتين.

فلنأخذ في عين الاعتبار أنّ الاحتمالات لا يجب أن تحدث كلها، فقد تتكرر العمليات العشوائية وقد لا تحدث من الأصل، نحن نتخيل أنّ حوض الماء وسط ذكي يلتقط الأحماض الأمينية ويقوم بتجريبها حسب دفتر الاحتمالات احتمال وراء احتمال ويضع على الدفتر علامة صح أنه جرب هذا الاحتمال وينتقل إلى الاحتمال التالي ويضع صح، حسناً، لا عزيزي هذا لا يحدث في الواقع.

كل هذا لتكوين بروتين واحد من مئات البروتين في أبسط الخلايا، بالإضافة إلى باقي المكونات المُرعبة مثل: الدنا أو الرنا أو غشاء الخلية أو الميتوكوندريا، الأجزاء المصممة عبر هندسة اصطناعية معمارية، علاوةً على التركيب والتداخل الوظيفي في المهام والنقل والتخزين والإشارات وغيرها في بناء بيت، كل ما نحسبه فوق هو بناء حائط من 500 طوبة فقط، ولم نتكلم عن باقي المنزل من كهرباء وتمديدات مياه وحماية وأجهزة إنذار واتصالات وسلالم وأماكن حرق وأماكن تدفئة ومخازن … إلخ، صدقاً يصعب التفكير.


اترك تعليقاً