ومع فهم شريحة كبيرة من البشر لكيفية سير عمليات الحاسوب ومنطق عمله بشكل عام، يمكننا أن نفهم شيئاً من الوعي البشري وعلاقته بمصممه بطريقة أفضل، ويتساءل العُلماء في المقابل: هل يمكن للحاسوب أن يعي ما يقوم به؟ هل يمكن للحواسيب أن تصل يوماً إلى تشكيل وعي عن نفسها وعن علماء الرياضيات مصمموها؟
وفي محاولة لإجابة هذا السؤال خرج الفيلسوف جون سورل بفكرة تجربة الغرفة الصينية كما ذكرناها سابقاً، والتي تفترض أنّ هُنَاك شخص ما في غرفة مغلقة تحتوي على صناديق تضم آلاف الوثائق من الأوراق المدونة باللُغة الصينية، التي لا يفهم منها شيئاً البتة؛ كونه لا يتحدث الصينية، ولديه كتيب دليل استخدام للتواصل مع العالم الخارجي يحتوي على عمودين: عمود يحتوي ما هو النص المدخل، وعمود به رقم الورقة من الوثائق الموجودة لديه في الصندوق لكي يخرجها، وفي العالم الخارجي يوجد متحدثون باللُغة الصينية يقومون عبر فتحة صغيرة في الباب بإدخال أوراق صينية معينة، وعلى الرجل في الغرفة أن يعالجها باستخدام الدليل، فهو يمسك الورقة الصينية المدخلة والتي لا يعرف منها شيئاً، ويحاول أن يرى حسب الدليل لديه أيَّ التعليمات المطابقة لها، ويقوم بإخراج من جدول التعليمات رقم الوثيقة المقابلة ويدسها من فتحة في الباب للأشخاص في الخارج، وهكذا تتم العملية مراراً وتكراراً، ونرى أنّ الشخص الموجود في الغرفة قد نفذ التعليمات بدقة وأخرج نتائج صحيحة إلا أنه لا يعي شيئاً مما قُدم له من أوراق، ولا يعي السبب في إخراج أوراق معينة، يعي أنه نفذ التعليمات فقط.
إنّ تجربة الغرفة الصينية كافية لتوضيح أنّ الوعي البشري لا يمكن تمثيله ببرمجيات حاسوبية، كما تشكل مثالاً واضحاً وصريحاً حول كيفية عمل الوعي البشري إذا أراد أن يفكر خارج غرفته، فعلاقته مع الإله مثل علاقة الرجل داخل الغرفة الصينية بالأشخاص الذين يقدمون له أوراق صينية، الأمر فوق قدراته، ولا يستطيع تصور العلاقة بدقة ولا سير الأمور على أدق وجه، إنه مُنفِّذٌ للتعليمات فقط.
إنّ تطور عالم البرمجة وتقنيات التصميم كما في ألعاب العالم المفتوح سمحت لنا بتَقمُّص عقلية الإله، وأن نحاول التفكير كما لو أننا آلهة تخلِق، ولكي نخلق عالماً كاملاً مستقلاً يسير فيه اللاعبون جميعاً بدقة، نقوم بوضع قوانين صارمة وتعليمات استخدام واضحة، هُنَاك تعليمات واضحة للاعبين، ومن يخالف يتعرض للطرد خارج الذاكرة، يمكننا أن نضع قانوناً بعدم جواز أكل نوع من الفطر في اللعبة؛ لأنّ هذا قانون ويجب أن تحترمه وإلا ستخسر في النهاية في نتيجة المجموع، وأما الناس التي لا تستحم يومياً، نضع لها قوانين، عليك الاستحمام كل جمعة لما له من نقاط، وبعد الجماع عليك الاستحمام حتى لا تخرج رائحتك، وفي الأعياد كذلك وغيرها، والشخص الفقير الذي لم يتصدق طوال حياته وقد لا يعرف معنى العطاء لأنه اعتاد على الأخذ، سنجبره على الأقل مرة واحدة في العام أن يُخرج الصدقة ليجرب الشعور، أو إن كان كسولاً جداً فسنشجعه في حافز من الحوافز على العمل ليتصدق، بالطبع لو لم يتمكن فلن نمسحه، لكن يجب أن نشجعه، سنقدم لهؤلاء اللاعبين المميزين الذين صنعناهم كتاب تعليمات حتى لا يضِل أحدهم أو يشقى، وهُنَاك هدفٌ نهائيٌ في اللعبة، مشابه لهدف إنقاذ الأميرة بيتش من الشرير باوزر، ومن البديهي ألا يصل اللاعب للمبرمج بأي حال من الأحوال، وهل يستطيع ماريو جاهداً محاولة تصور مبرمجه؟ فماريو يعيش في عالم افتراضي وهمي، ومصممه يعيش في عالم حقيقي ملموس.
من المنطقي أن يكون الإله ليس كمثله شيء، لأنّ كل شيء في أذهاننا نابعٌ من هذا العالم المصنوع، والإله هو الصانع، فلا يمكن قياس الصانع بالمصنوع، لكن يمكن تقريب الصورة من بعيد، الإله كاللانهاية، فهي موجودة لكن لا يمكن وصفها!
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.