اليقين

اليقين

بعد أن تأكدنا من أنّ للكون مصمم عظيم، ثم آمنّا بعظمة الإنسان وباقي الكائنات الحية وأنها انبثقت عن مبدع عظيم يفوق كل العقول البشرية مجتمعة، بدأنا في مرحلة البحث منطقياً وفلسفياً عن إله، إلى أن وصلنا إلى مرحلة لا شك فيها أنّ هُنَاك خالق لهذا الكون، خضنا جولة مختصرة في الأديان في محاولة للإجابة عن بعض التساؤلات التي تراود الكثير منا، وهذه هي مرحلة اليقين التي يصفها الدين، وأنّ اليقين بوجود خالق أوجد الكون لديه القدرة الكاملة مع التسليم بها والعمل وفقها هي أعلى درجات الإيمان، هي الدرجة التي نالها النبي إبراهيم من الإيمان، لكن كيف أمسى إبراهيم من الموقنين؟

إنّ اليقين هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، وهي مرحلة الإحساس وانكشاف الغطاء وتحول الغيب إلى الشهادة، كأنك ترى الله أمامك بكل حواسك الخمس، رؤية لا شك فيها.

يقول الله تعالى: )وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(، ولكن متى استحق سيدنا إبراهيم صفة كونه من الموقنين، وحسب ما هو ظاهر، فإن:

  1. السماوات والأرض = الكون.
  2. الملك = ما تراه العين من أمور ملموسة مثل القصور والأراضي والممتلكات.
  3. ملكوت = ما يراه العقل، أي الأمور وراء الطبيعة، رؤية خالق الكون، رؤية قدرات الله في خلقه، بديع خلقه وبنائه، حكمة الله وتنظيمه للكون.. إلخ.

إذن يصبح المعنى: “حينما رأى إبراهيم بعقله قدرة الله (الملكوت) في خلق الكون (السماوات والأرض) صار من الذين رأوا الله حقاً (الموقنين)”، أي أنّ تفكر بالعقل + علم بهندسة الكون = يقين تام.

أي أنه لا يمكن لأي إنسان أن يرى الله حقاً، دون علم الكون والتفكر في ملكوت الله والكواكب والنجوم والذرات والبروتونات وجسم الإنسان والخلايا وأسرار الفيزياء والكيمياء، وهي المرحلة التي وصلها سيدنا إبراهيم بكرم الله، ومن يدعي غير ذلك فهو لن يصل لليقين، دون التفكير واستخدام العقل لن يصل أحد إلى اليقين بالخالق.

هذا ما يبينه الله في قوله )إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلماء( لأنهم وحدهم من يعرفون عظمة هذا الخالق، واليقين هو ملخص فهمنا لأعظم الآيات )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ(، ولكن هل هذا إسقاط للآيات بغير موضعها كما في الإزعاج العلمي، على العكس تماماً، هو حديث عادي وليس إعجازياً، الحديث هنا عن أننا لن نصل إلى فهم عظمة الله إلا بالعلم وفهم الكون وأسس الحياة.


اترك تعليقاً