لا أعلم إن كانت تلك التفسيرات مقنعة أم لا، لكن كما يبدو أنّ العلم لا يقدم إجابات جاهزة، وإنك إذا لم تُعمل عقلك في العلم، فأنت حتماً أحد الأتباع المنقادين، التفسيرات السابقة صعبة القبول لأن العقل يميل إلى التفسير المنطقي الذي وضعه كثير من العُلماء والكتب، كما كتاب الكوكب المميز [7] إذ يبرهن الكتاب على أنّ كوكبنا في الكون قد صمم لكي يتم اكتشافه، فلا يوجد في الكون إلا كوكب واحد عليه الحياة، ولا يوجد إلا موزارت واحد وحيد، والأسباب كثيرة ولعلنا نسردها هنا.

في البداية هُنَاك ثلاثة أنواع من المجرات في الكون، ويؤكد العُلماء أنّ واحدة منها فقط تدعم الحياة، وهي المجرة الحلزونية، مثل مجرتنا، مجرة درب التبانة، إنها تمتلك مركزاً كروياً، وأذرع حلزونية تدور حول مركز المجرة، وبين هذه الأذرع مسافات شاسعة وبعض المجموعات النجمية، ومنتصف كل المجرات مليء بالثقوب السوداء، ومن ثم فالمنتصف هو مقبرة جماعية، ويتزاحم بين أذرع هذه المجرات نجوم السوبرنوفا، فقد تكون الأمور غير مستقرة، ويجب التأكيد على أنّ الكثافة في الأذرع أقل من وسط المجرة [8].

أما المجرات الصغيرة فلا تتزاحم بها ذرات الهيليوم والهيدروجين، لذا يصعب بناء الذرات ذات الوزن الذري الأكبر مثل النيتروجين والكربون الأساسيين للحياة.

رسم توضيحي 1 موقع المجموعة الشمسية في مجرة درب التبانة.

ولكي يكون خيار تَكوُّن حياة أمراً ممكناً، فإنّه يجب أن يقع الكوكب على حافة إحدى أذرع المجرة، فلا المنتصف مناسب، ولا الأذرع نفسها مناسبة، بل الموقع المشابه لموقعنا، وموضع مجموعتنا الشمسية هو الموضع المناسب لكي تتكوّن عليه الحياة، وهذه النتيجة تُقلل بشكل دراماتيكي إمكانية وجود حياة في مجرتنا والمجرات المجاورة، فواحد من ثلاثة أنواع من المجرات يصلح للحياة، وعلى منطقة حافة الذراع لا بعيد كلياً عن مركز المجرة فقط، ولا قريب منه كلياً، ولا مجرة صغيرة جداً ولا مجرة كبيرة مزدحمة جداً.

أيضاً، وقوعنا في هذه المنطقة تحديداً، يجعلنا كمن يقف على نافذة المجرة، فهذه المنطقة الوحيدة التي تسمح لنا باستكشاف الكون بالوضوح الذي نراه، ولو كنا في مجرة مزدحمة أو أقرب إلى المركز لما تمكنّا من رؤية سماء الكون بشكل واضح على الإطلاق، وستقول لي صدفة وجودنا على الشباك، ولكن أقول وجودي على نافذة في فرنسا الساعة 12 ليلاً في مدينة ما في فندق ما وأرى مونيكا بلوتشي على شرفة النافذة التي أمامي وترمقني بغمزة، لهي قوة شيطانية وليست مُجرَّد صدفة، فلا يوجد محظوظ مثلي في كل المجرة.

ولكن المجرات تتحرك، وهذا يعني أنّ موضعنا يتغير في المجرة نفسها، ويتغير في الكون، وهذا صحيح، لكننا على هذه الحالة منذ 4.5 مليار عام في المنطقة نفسها، وهذا الثبات يعود إلى موضع الشمس النادر، فهي إحدى النجوم المميزة التي تقع على نصف قطر الدوران المُشترك للمجرة وكأنّ هذه الصدفة أن أجد مونيكا تنتظرني منذ 10 سنوات على الوقفة نفسها حتى آتي وأراها.

هذا الموضع للمجموعة الشمسية في منتصف القطر، لا قريبة من المركز، ولا بعيدة، إضافةً إلى تحركها بنفس سرعة دوران الأذرع الحلزونية يجعلها متميزة عن مليارات النجوم في مجرتنا من ناحية السرعة أو الموقع.

لكن، ماذا عن تصادم النجوم، وتداخلها، وتجاذبها وانفجاراتها ورياحها وتأثيرها الشديد على بعضها البعض في أماكن الازدحام؟ لا تقلق فنحن في مكان آمن بعيداً عن كل هذه التجاذبات وكأن في كل مدينة باريس لا يوجد إلا مونيكا بلوتشي وأنا فقط، المدينة كلها في رحلة، ولا يوجد مصدر لأي إزعاج حينما أذهب لمونيكا للحديث معها.

لك أن تتخيل بقاء الأرض 4.5 مليار سنة رغم كل هذه العوامل في هذه المنطقة بين مليارات النجوم ومليارات المجرات لكي تتهيأ للحياة لاحقاً، لا تنسَ كم هو المليار كبير، ولا تنسَ كم تأثير ملايين النجوم الأكبر، ولا تنسَ الدقة بين كل هذه العوامل التي تتميز بها أمنا الأرض، ولكن هل هُنَاك المزيد؟

نعم، هُنَاك المزيد، فبالإضافة إلى نوع المجرة وحجمها وكثافة عناصرها وشكلها ومكان المجموعة على الأذرع وسرعتها وثباتها، هُنَاك عوامل أخرى، مثلاً نوع الشمس، فليست كل الشموس سواء، فشمس الأرض ليست كشموس الكون، وهل تتساوى شمس.. حجمها كان لك بشمس حجمها أثْكَلك!

هُنَاك أنواع مُختلفة من النجوم، هُنَاك الزرقاء والبيضاء والصفراء والبرتقالية والحمراء، وهي مرتبة حسب توهجها وعمرها، فالنجوم الزرقاء هي الأشد حرارةً وتوهجاً، وهُنَاك النجوم الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والقزمة والعملاقة والمستعرة والنيترونية وغيرها، لكن شمسنا هي من النوع الذي يشكل 10% فقط من نجوم مجرتنا المناسب لتشكيل حياة، فدرجة حرارتها، ونوع إشعاعها مثل الأشعة فوق البنفسجية، والأشعة تحت الحمراء بدرجة معينة حتى لا تفنى الحياة فلا تتبخر المياه ولا تموت النباتات، ولا تتجمد المياه لو كانت درجة الحرارة أقل قليلاً، بل لو كانت الشمس أصغر حجماً لقلّت سرعة دوران الكوكب، وبذلك سيطول الليل والنهار، ولطالت فترات الحرارة والبرودة، ولن تصمد الحياة، حتى دورة البقع الشمسية sunspot cycle لنجمنا وعزيزتنا الشمس متوسطها 11 سنة وهي لا تتغير إلا بمقدار ضئيل يصل إلى 1 من 1000 درجة، وهذا يعادل احتمال أن تكون مونيكا على تلك الشرفة حينما أقف على النافذة وتكون في مكان ليس بعيداً عني فأتحسر، أو قريباً مني فأخجل، ولا يكون مبناها عالياً كثيراً، ولا أكون أنا عالياً كثيراً، وتكون الإضاءة مناسبة، فلا أقع من التحديق ولا أضطر إلى استراق النظر.

حسناً، إنّ بُعد الأرض عن الشمس يُشكل قيمة مناسبة ونادرة لتكون الحياة، فلو كانت الشمس أبعد لكانت الأرض أكثر برودةً، ولو كانت الشمس أقرب لكانت الأرض أكثر حرارةً، وسرعة دوران الأرض حول نفسها والشمس يمنعان من ابتلاعها أو طيرانها بعيداً في الفضاء، بل حتى موضع الكواكب الأخرى وحجمها لهو أمرٌ مُثير كلياً، فحجم كوكب المشتري وموضعه مناسبان لحماية الأرض وجذب الكويكبات والمذنبات بعيداً عن الأرض طوال تلك السنوات، وكذلك يفعل المريخ، المشترى وحده يمنع اصطدام المذنبات أكثر بألف مرة أثناء وجوده من عدمه.

ودعونا لا ننسى فضل قمرنا الصغير، القمر الوحيد الذي يدور حولنا، وإلا لكنا مثل عطارد أو الزهرة، صحيح أنّ الكواكب الأخرى لها ما لنا مثل قمر المشتري جانيميد، ولكن ليس بالدرجة التي يحظى بها كوكب الأرض، فبالإضافة إلى مسؤوليته في عمليتي المد والجزر المهمة على الأرض، فهو يحافظ على دوران المياه في المساحات الشاسعة، وكذلك يوزع الحرارة فيقلل من فرق درجات الحرارة على هذا الكوكب المميز، ويساعد الكائنات البحرية في الحصول على طعامها بطريقة غير متوقعة.

الجدير بالذكر أيضاً دور القمر في ميل محور دوران الأرض 23 درجة، الذي جعل أمر تشكُّل الفصول ممكناً، وكذلك تنوع درجات الحرارة، ولو كانت نسبة الميل أكبر أو أصغر قليلاً لاختلف الأمر كثيراً، كذلك لو كان القمر أكبر أو أصغر لاختلف التأثير، فلو كان قمرنا أكبر لزادت حدة المد والجزر، ولغمرت المياه مناطق أوسع من اليابسة، وهكذا دواليك، ويبدو الموضوع بسيطاً لأني لا أستخدم كلمات مثل، التناسق العجيب، المكان النادر، المسافة المعجزة، السرعة المُدهشة، الحجم المنفرد، التصميم العبقري وغيرها من الكلمات الرنانة، لأنني أسرد بهدف الفكرة، ودليل واحد منهم يكفي لتحطيم فكرك وجعله أشتاتاً في كل مكان، ولكن، ماذا عن كوكب الأرض؟ هل هو مميز للحياة؟


اترك تعليقاً